السفينة السورية.. تتلاطم على أمواج الخلافات السورية والحسابات الدولية

عزالدين ملا
عزالدين ملا عزالدين ملا 106 Views

روماف – تقارير

عزالدين ملا

خلال العام الحالي 2022 طرأت تغيرات وتبدلات كثيرة على مستوى السياسة العالمية وخاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، كثير من الدول أعادت الحسابات في السياسة الخارجية، حدثت تحركات ثنائية وأكثر لوضع لمسات جديدة في خارطة العلاقات المتبادلة والأهم العلاقات الأمنية والاقتصادية. ومنها قمة نقب  حيث شارك فيها وزراء خارجية كلا من إسرائيل، الولايات المتحدة، الإمارات، مصر، البحرين والمغرب. والأهم من كل ذلك التقرب التركي نحو مصر والإمارات والسعودية، وخاصة في الآونة الأخيرة لإثبات حسن النية ترك دعم إخوان المسلمين من خلال الائتلاف السوري المعارضة، كما أدى إلى حدوث خلافات وانشقاقات ضمن صفوف الائتلاف. كل ذلك أمام ضبابية السياسة الأمريكية تجاه منطقة الشرق الأوسط وعلى وجه الخصوص سياستها في سوريا.

1-ما تحليلك لكل ما تجري على الساحة الإقليمية والدولية من تحركات وتبدلات سياسية وأمنية واقتصادية؟

2-أين يتجه الائتلاف السوري المعارض ضمن تلك المعمعة؟ وكيف يكون وضع المعارضة في المرحلة القادمة؟

3- كيف يرى الكورد تلك الخلافات والانشقاقات ضمن الائتلاف؟ السياسة الكوردية إلى أين تتجه؟ ولماذا؟

4-ما المطلوب من الكورد والمعارضة الوطنية للخروج من تلك الانقسامات أكثر قوة ومنعة؟

إجراء مراجعات مستفيضة، وطرح برامج تلبي تطلعات مختلف أبناء سوريا

تحدث المنسق العام لحركة الإصلاح الكردي وعضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، فيصل يوسف، بالقول:

تحدث المنسق العام لحركة الإصلاح الكردي وعضو الهيئة الرئاسية للمجلس الوطني الكردي، فيصل يوسف، بالقول: «محركات السياسات الدولية والاقليمية مرتبطة بمصالحها في الدرجة الاولى، وتعمل وفقا لذلك، وفي هذا السياق ومنذ انتهاء الحرب الباردة في بداية التسعينيات كانت ثمة آمال لبناء نظام عالمي تسوده قيم حقوق الانسان والديمقراطية ودعم حقوق الشعوب، ومساعدتها من أجل بناء دولها على مبدأ المواطنة المتساوية وإنعاش اقتصادها لرفع مستوى معيشة مواطنيها، والحد من نزيف الهجرة للغرب. إلا أن ذلك لم يحدث وتسببت بعض الأحداث المؤثرة مثل التي جرت في نيويورك من قبل منظمة القاعدة الإرهابية وما تلتها من هجوم على افغانستان بإنشاء أحلاف وتكتلات جديدة لمواجهة ومحاربة الإرهاب من قبل الولايات المتحدة الامريكية وحلفائها، حيث تم تناسي ممارسات الأنظمة الاستبدادية بحق شعوبها أو إيلاء الاهتمام بالتنمية الاقتصادية. واعطيت الأولوية للترسانات العسكرية، وتخصيص موازنات ضخمة لها، وبناء تحالفات مع أنظمة  الدول الأخرى دون النظر لطبيعة سلطتها وحكمها على مواطنيها، بل حسب التبعية لها والسير في مشاريعها وخططها. وعندما بدأت ثورات الشعوب في منطقة الشرق الأوسط ردا على واقعها المزري فإنها لم تتلق الدعم اللازم لإكمال أهدافها وبناء دول عصرية، فكانت النتيجة استغلالها من قبل دول كبرى طامحة لإعادة هيمنتها، وتعزيز دورها على حساب شعوب المنطقة وثوراتهم في المرحلة الجديدة، كما يحدث في سوريا واليمن وتونس وغيرها، ويندرج في ذلك الحرب الروسية الأوكرانية التي ستفضي حتما لأشكال جديدة من الصراع والتنافس العالمي. هذا المشهد الجديد من الصراع الاقتصادي الذي بات يتبلور تدريجياً بين القوى الدولية ذات النفوذ، وهي تستخدم في ذلك دولا أخرى كأدوات، وعبر تأجيج الصراعات القومية والدينية دون إيجاد الحلول لها سبيلا للهيمنة والنفوذ والتدخل “بحجة ” الدفاع عن مصالح أمنها القومي “وبالأخص الولايات المتحدة الأمريكية ودولة روسيا الاتحادية، في حين تتسابق الدول العربية لإعادة تموضعها حتى لا تتأثر سلبا بالوضع الناشئ لما يحدث من استقطابات، وتتجه نحو اسرائيل لبناء علاقات معها وفيما بينها أيضاً، وتبتعد نسبيا عن تحالفاتها مع أمريكا وتعزيز العلاقة مع روسيا والصين. وهي في كل ذلك تتجاوز خلافاتها البينية ومواقفها السابقة للمحافظة على أوضاعها قوية بالمعادلات الإقليمية والدولية، وفي ظل تصدُّر الدولتين تركيا وإيران السباق كي تأخذا موقعهما في المعادلة الجديدة وتوسيع نفوذهما بالمنطقة وفي كل ما يجري، وبكل اسف فإن الشعوب هم ضحايا هذه الأحلاف والسياسات ومنهم الشعب الكردي في منطقة الشرق الأوسط وتعداده بعشرات الملايين، حيث يتعرض لنهب ثرواته وهدر ممنهج لحقوقه المشروعة على مرأى ومسمع تلك الدول. وهنا لابد من التنويه بأن الإجابة على هذا السؤال بحاجة لتناوله بشكل أوسع واشمل من قبل المختصين لأن هذه الإجابة المختصرة لا تفي بالمطلوب ولا تحيط بالمشهد المعقد جدا في كل الأوجه».

يتابع يوسف: «نشأ الائتلاف الوطني المعارض في أواخر عام ٢٠١٢ في ظروف إقليمية ودولية مؤيدة للشعارات التي كانت ترفعها الثورة السورية السلمية لأسباب واعتبارات عديدة ودعمتها، كي تتوحد المعارضة ولا تجنح نحو الراديكالية والتطرف الاسلامي، التي بدأت تظهر شعارات المتظاهرين وقطع الطريق أمام المنظمات الجهادية، وحرصها للإبقاء على دور لها في مستقبل سوريا ونظام حكمها المستقبلي والإبقاء على مصالحها الإقليمية والاقتصادية وأمن اسرائيل، لكن عندما تبدلت الأوضاع في سوريا بدءا من عام  ٢٠١٣، فقد غيرت تلك الدول “الداعمة” لأولوياتها وحددت أهدافها بمحاربة المنظمات الجهادية الإرهابية  التي دخلت البلاد، والحد من النفوذ الإيراني وميليشياته الداعمة للنظام، وغض النظر عن التدخل الروسي وإفساح المجال أمامه في هذا المنحى، وأيضا للتدخل التركي وسيطرته على مناطق واسعة من الشمال السوري (المناطق الكردية بشكل خاص)، كل ذلك أوجد حالة جديدة للتعامل مع الوضع السوري من قبل دول “اصدقاء الشعب السوري”، وتغيرت نظرتها للائتلاف باعتباره الممثل الوحيد للمعارضة، حيث توافقت على عقد مؤتمرات الرياض ١و٢ لوحدة المعارضة، وانشاء هيئة التفاوض، وإدخال منصات جديدة فيها تستمد كلا منها التأييد من داعميها الدوليين، وتتصرف بوحي من مواقفها، مما أفقدت قوى المعارضة استقلاليتها وقدرتها على اتخاذ القرارات لمعالجة الأوضاع المتأزمة في البلاد، ولن تتبدل هذا الموازين بالنسبة للمعارضة إلا بتقاطع مطاليبها بتفاهمات دولية واستراتيجية واضحة لتنفيذ الحل السياسي».      

يضيف يوسف: «لا يمكنني القول بوجود نظرة كردية موحدة حول الخلافات التي تعصف بالمعارضة سواء في إطار الائتلاف أو في هيئة التفاوض، بل يمكنني التحدث عن موقف المجلس الوطني الكردي الذي كان وعلى الدوام يؤكد على ضرورة وأهمية وحدة المعارضة، وإبعادها عن التجاذبات الإقليمية والدولية، آخذاً بالاعتبار مصلحة البلاد وحقوق الشعب الكردي في سوريا لكل أبنائها، وبناء على هذا التصور عقد اتفاقيات مع حزب الاتحاد الديمقراطي لتوحيد الموقف الكردي وتعزيزه، كي يكون مرتكزاً مهما لوحدة المعارضة وموقع الكرد في المعادلة السورية والعلاقات الدولية، لكن هذه الاتفاقيات لم تصمد أمام استئثار وتفرد هذا الحزب ومحاولات هيمنته بالقوة على الحياة السياسية الكردية، وعدم قبوله حتى الآن بشراكة تكون مرتكزا لمرجعية كردية عليا، تجد لها مكانا في العملية السياسية في سوريا، وإدارة تعبر عن الجميع، وعلى الرغم من تولي الجانب الأمريكي رعاية المفاوضات بينه والمجلس الوطني الكردي. عموما المجلس الوطني الكردي ومن موقعه بين صفوف المعارضة ماض في دفاعه عن حقوق الشعب الكردي والديمقراطية في البلاد، ويسعى لحشد كل الطاقات من أجل ذلك، ويولي وحدة الموقف الكردي أهمية قصوى ومسألة استراتيجية، كما يؤيد وحدة المعارضة بعد إجراء مراجعات مستفيضة للمراحل السابقة، وطرح برامج تلبي تطلعات مختلف أبناء سوريا بقومياتهم وأديانهم بعيدا عن العقليات والإيديولوجيات الاقصائية».  

يؤكد يوسف: «كرديا وكما اسلفت فلابد من استكمال المفاوضات بين المجلس الوطني الكردي وأحزاب الوحدة الوطنية الكردية وصولا لمرجعية كردية عليا، تكون صاحبة القرار في كل المجالات المتعلقة بالشأن الكردي، اما على صعيد المعارضة المنقسمة راهنا في هيئة التفاوض السورية فالحل يكمن بتجاوز الخلافات القائمة عبر التوافق على برنامج صريح وواضح للحل السياسي في البلاد، ودعوة القوى السورية التي لها مصلحة في دعم الانتقال السياسي، أما البقاء في مربع الاسباب التي أدت لتوقيف عمل الهيئة قرابة عامين ونيف فلن تؤدي إلا إلى المزيد من الضعف، وعدم قبول النظام لأي حل وتسوية».

صياغة رؤية وطنية واضحة لمستقبل سوريا

تحدث عضو اللجنة المركزية في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا، شاهين الأحمد، بالقول: «نعم، بالفعل هناك محاولات جدية لطي حقبة القطب الواحد والتأسيس لولادة نظام دولي جديد من جانب بقايا الاتحاد السوفيتي السابق مضافاً إليهم بعض القوى الأخرى وهذه المرة بقيادة صينية خفية وغير مباشرة. ولكن هذه المحاولات تلقى رفضاً من جانب أمريكا والغرب. وما تشهده الساحة الأوكرانية من دمار واستنزاف وتعثر تأكيد على أن الغرب بقيادة أمريكا يحاول منع هذه الولادة أو على الأقل تأجيلها وتأخيرها.  وسبق لنا أن كتبنا في هذا الموضوع أكثر من مرة، ونود الإشارة هنا إلى أن  الحرب في أوكرانيا ليست حرباً تقليدية أو نزاعاً بين دولتين على مساحة من الأرض أو لمجرد دعاية انتخابية، أو طمعاً بثروات محددة. بل هي حرب من نوع آخر تماماً، هي امتحان للإرادات، ومحاولة روسية – صينية جادة للتأسيس لسياسة جديد – قديم في العلاقات الدولية، وإعادة تقاسم مناطق النفوذ على الصعيد العالمي. وما يجري في أوكرانيا هو امتحان عملي لروسيا وحلفائها، والخشية إذا نجح بوتين في هذه المعركة، سيكون هناك تحول كبير في العلاقات الدولية، وحصول تغيرات جيوسياسية كبيرة في أكثر من مكان. بمعنى آخر ما يجري هو ليس فقط اجتياحاً عسكرياً لدولة معينة فحسب، بل سعي روسي محموم بإعادة تشكيل مساحات نفوذ معترف بها من جانب الناتو، وتأسيس بنية أمنية جديدة في المساحات الفاصلة بين القطب الشرقي والناتو ومن خلال ضمانات مكتوبة. بمعنى أدق فيما إذا كتب النجاح لحلم بوتين، سنكون أمام حقبة انتقالية من الفوضى العارمة، والصراع الشرس على المستوى الدولي حتى يتم الإقرار والعمل بسياسة جديدة. وبدون أدنى شك أن ما يجري له علاقة مباشرة بالتراجع الواضح للدور الأمريكي في مختلف المناطق مثل العراق وسوريا والانسحاب من افغانستان …إلخ. ومن الأهمية بمكان هنا التذكير بأن السياسة الأمريكية ليست ضبابية كما يفسرها البعض، بل هي واضحة تماماً لأن السياسية الأمريكية بالأساس تقوم على تعميم الفوضى وإغراق مساحات أوسع في نيران الفوضى (الخلاقة – الهدامة). وما جرى في النقب من اجتماع هام وعلني بمشاركة وزراء خارجية كلا من إسرائيل والولايات المتحدة والإمارات ومصر والبحرين والمغرب، وكذلك التقارب التركي مع السعودية والإمارات ومصر وإسرائيل تصب في خانة الاستقطابات التمهيدية لتشكيل وتعزيز محاور موازية للمحور الصيني – الروسي – الإيراني. وبدون شك ستكون لهذه الاستقطابات انعكاسات على مختلف المواقع التي تعيش حالة الحروب والصراعات مثل سوريا وغيرها وكذلك على مؤسسات المعارضة السورية».

يتابع الأحمد: «بالرغم من المحاولات التي جرت هنا وهناك بغرض تقييم حالة المعارضة وتشخيص مشاكلها، لتوليد أفكار، وصياغة رؤى قد تفيد في تنشيط عملها، ولم شملها، وإخراجها من حالة الضعف والترهل، ودفعها نحو إعادة امتلاك القرار الوطني السوري المستقل!. وكذلك المساهمة في إخراج العملية السياسية المتعثرة من حالة العطالة، إلا انها مازالت تعيش ضعفها وترددها. مازالت تفتقر لامتلاك رؤية واضحة لمشروع وطني سوري تغييري شامل يأخذ بعين الاعتبار وجود وحقوق كافة مكونات الشعب السوري القومية والدينية والمذهبية، وتؤسس للعمل على إعادة إنتاج الدولة السورية من خلال إنهاء كافة أنواع الاحتلالات المقنعة والمباشرة، وإخراج الغرباء والوافدين من أرض الوطن، والقطع مع الشوفينية القومية، واتخاذ موقف واضح وحاسم من الأسلمة السياسية الراديكالية ومشاريعها الظلامية. ولا يمكن أن تخطو هذه المعارضة أية خطوة باتجاه صياغة رؤية وطنية حقيقية ما لم تعمل على استعادة القرار الوطني المستقل – نسبياً – عن الأجندات العابرة للحدود الوطنية السورية، وخارج الإملاءات المفروضة من جانب المتدخلين في الميدان السوري مع الأخذ بعين الاعتبار قلق مختلف الأطراف وانزعاجها من مثل هذا القرار. وهنا جدير ذكره أن أي حديث عن استقلالية القرار يبقى نوعاً من الوهم ما لم تتوفر جملة من المقومات الضرورية لصناعته. وبدون أدنى شك تعتبر القيادة الكفوءة من أهم تلك المقومات، وغيابها كانت من بين أهم الأسباب التي أوصلت مؤسسات المعارضة إلى هذه الحالة من الترهل والانقسام والتابعية. وبالتالي الشرط الأول والأساسي هو البحث عن قيادة جديدة تمتلك من الصلابة والكفاءة والقيم الوطنية والإخلاص والتضحية، وأن تمتلك تلك القيادة تاريخاً وطنياً مشرفاً وسجلاً نظيفاً. وكذلك ضرورة بيان موقفها الواضح من هوية سوريا وشكل دولتها المستقبلي وطبيعة نظام الحكم فيها ووجود وحقوق مكونات الشعب السوري المختلفة وفي مقدمتها قضية شعبنا الكوردي وما تعرض له خلال حقبة البعث. وكذلك على المعارضة الرسمية أن تأخذ في الاعتبار تمثيل جميع المكونات تمثيلاً حقيقياً في مؤسساتها السياسية والتنفيذية والإدارية من عرب وكورد وسريان – آشوريين وتركمان وعلويين ودروز …إلخ».

يضيف الأحمد: «بتقديري ما جرى داخل الائتلاف لا يرتقي أبداً لمستوى التغيير أو الـ “صحوة”، إنما عبارة عن صراع داخلي وتصفيات بين أجنحة الأسلمة السياسية ليس أكثر. لأننا لم نشاهد أي تطور أو تقدم أو تغيير نحو الأفضل في الرؤية السياسية تجاه القضايا الوطنية السورية المختلفة من الطرفين المتخاصمين داخل الائتلاف. وهناك عامل آخر له تأثيره الكبير في هذه الخلافات هو التقارب الحاصل بين تركيا من جهة، وكلاً من السعودية ومصر والإمارات من جهة أخرى، وخاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار حساسية الثلاثي الأخير من جماعات الإسلام السياسي. وما يتعلق بالكورد ودورهم في المعارضة علينا أن نكون جريئين وواضحين في هذا الجانب أن ممثلي المجلس الوطني الكوردي داخل الائتلاف وعلى مدار عقد كامل ليس فقط أنهم لم يتمكنوا من تطوير الوثيقة التي تم بموجبها انضمام المجلس إلى الائتلاف فحسب، بل لم يتمكنوا حتى من إلزام الطرف الآخر من الإلتزام بالمتفق عليه وبمضمون تلك الوثيقة أيضاً. على سبيل المثال لا الحصر كافة المراسلات التي تتم داخل الهياكل التنظيمية للمؤسسات الإدارية التابعة للإئتلاف مثل مؤسسات الحكومة المؤقتة تتم تحت كليشة “الجمهورية العربية السورية” مع العلم أن المتفق عليه بين المجلس والائتلاف أن تتم المراسلات تحت كليشة “الجمهورية السورية”. وكذلك الموقف الخجول للإئتلاف من الانتهاكات المستمرة للفصائل العسكرية العربية السنية المقادة فعلياً من الراديكاليين الإسلاميين والمحسوبة على الائتلاف في عفرين ورأس العين / سري كاني، وتل أبيض / كري سبي، وغياب تام لممثلي المجلس الوطني الكوردي في المؤسسات التنفيذية المذكورة، وغياب أي تمثيل حقيقي لبقية مكونات الشعب السوري الأخرى فيها».

يردف الأحمد: «الضمانة الوحيدة أمام الكورد كي يكون لهم دور وبالتالي مكتسبات على صعيد الحقوق القومية – والوطنية الديمقراطية هي وحدتهم أولاً، وتمثيل كافة المواقع الجغرافية لمناطق كوردستان سوريا في المؤسسات القيادية للمجلس الوطني الكوردي، وكذلك في الائتلاف ومؤسساته ومختلف الهيئات المعارضة التي يشارك فيها المجلس، ومن خلال رؤية واضحة وبرنامج واقعي مجدول زمنياً. وبدون شك هناك تحديات أخرى تقف في هذا الطريق أبرزها الوجود الإشكالي والغير شرعي وغير القانوني لـ pkk في كوردستان سوريا وعرقلته أية مساعي نحو توحيد الصف الكوردي، وطغيان المحاصصة الحزبية داخل المجلس الكوردي على حساب الكفاءات نتيجة وجود كم هائل من الأحزاب المجهرية، ووجود الأوساط الشوفينية داخل المعارضة، والتدخلات الاقليمية والدولية في الشأن السوري عامة والمعارضة خاصةً، وغياب الدور الغربي والأمريكي المطلوب. الأمر وكما ذكرنا أعلاه يحتاج إلى وقفة جدية ومراجعة نقدية شاملة للمرحلة السابقة وتقيمها والوقوف على الأسباب التي حالت دون تحقيق البرامج، وإيجاد آليات جديدة ومختلفة، ومحاسبة المقصرين وتغييرهم، وتطهير مؤسسات المعارضة من الوافدين إليها من أجهزة أمن البعث والراديكاليين المعولمين، وصياغة رؤية وطنية واضحة لمستقبل سوريا تعبر عن وجود وحقوق الجميع، وتؤسس لحقبة جديدة مختلفة عن مشاريع البعث والأسلمة السياسية».

سوريا مصغرة نموذجية

الكاتب دوران ملكي

تحدث الكاتب، دوران ملكي، بالقول: «تعد الحرب الروسية الأوكرانية نقطة الانطلاق إلى حربٍ شاملة عالمية أقطابها الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا وتسعى جميع الأطراف المتصارعة إلى بناء أحلاف اقتصادية وعسكرية قوية في مواجهة الخصوم. استطاعت الولايات المتحدة إعادة الروح إلى الحلف الأطلسي وكسب الكثير من الدول الصناعية والاتحاد الأوربي إلى جانبها، وبالمقابل استطاعت روسيا والصين إلى كسب العديد من الدول كانت محسوبة على العالم الغربي مثل السعودية والإمارات العربية المتحدة. وبقيت العديد من الدول تلعب على أوتار الحدث ومجرياته مثل تركيا والهند وفي مجرى الأحداث خسرت باكستان نظامها السياسي الموالي للصين واتهمت رئيس وزرائها المخلوع الولايات المتحدة الأمريكية على التدخل لصالح المعارضة وسحب الثقة من رئيس الوزراء وانتخاب شهباز شريف الموالي للغرب. يعتبر إحياء الاتفاق النووي الإيراني من أولويات السياسة الأمريكية في هذه المرحلة الحساسة، وخاصة إن تأجيل التوقيع على الاتفاق كان المتهم الرئيسي فيها روسيا والصين فالعقوبات الأمريكية على أيران جعلتها لقمة سائغة للصين بحصولها على النفط الإيراني بأبخس الأثمان وروسيا التي استفادت بعزل أيران في مجال الطاقة في تعزيز مصادر الطاقة الروسية عالمياً. تريد الولايات المتحدة الأمريكية الانسحاب بشكل كامل من ملف الخليج من خلال الخروج المباشر من الصراع التي أوجدته فترة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتصحيح المسارات في منطقة الخليج  ولامتصاص النقمة الخليجية على مواقف الإدارة الحالية لجئت الولايات المتحدة إلى الاستفادة من العلاقات الخليجية الإسرائيلية، وإمكانية بناء حلف إسرائيلي عربي لمواجهة النووي الإيراني وإدخال منظومة القبة الحديدية في مواجهة المسيرات والصواريخ الإيرانية التي تخشاها دول الخليج، وخاصة إنها أثبتت جدارتها في مواجهة صواريخ ومسيرات أيران لحركة حماس الفلسطينية لكي تنوب عن منظومة باتريوت الأمريكية، وبذلك تستطيع أمريكا من إصابة هدفين بضربة واحدة، وهي إحياء السلام العربي الإسرائيلي، وإعادة إسرائيل بفعالية إلى الوسط العربي والشرق أوسطي، وبنفس الوقت إنشاء حلف إسرائيلي عربي لمواجهة أيران في حال إلتزمت بإتفاقيات 5+1حيال الملف النووي الإيراني، وهذا ما حدث في اجتماعات صحراء النقب والتي حضرها وزير الخارجية الامريكي إلى جانب وزراء خارجية الدول العربية مثل مصر والإمارات والبحرين والمغرب، التي طبعت بشكل رسمي مع إسرائيل وسوف تساهم الولايات المتحدة على إقناع العديد من الدول للمشاركة في هذا المشروع وخاصة السعودية والأردن ولو بشكلٍ غير مباشر، وبذلك تستطيع سد الثغرات في الملف الخليجي أمام الصين وروسيا، كما استطاعت سد الثغرة في الملف الباكستاني، والتي صرفت عليها الصين مليارات الدولارات لإحياء طريق الحرير، وسوف تضغط على الهند لتعديل موقفها من الصراع الدائر بين روسيا والمحور الغربي حيال تشديد العقوبات».

يتابع ملكي: «شرق أوسطياً تعاني جميع الدول من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية  وستؤدي إلى تموضع جديد، إذ لا وجود للون الرمادي، وعلى جميع الدول أن تحدد موقفها إما مع روسيا أو مع المعسكر الغربي. النظام التركي يحاول الوقوف على الحياد من الحرب الدائرة بحكم علاقاته المميزة مع روسيا وبنفس الوقت عضويته في الحلف الأطلسي، ولكن أين المفر إذا توسعت نطاق هذه الحرب وتدخل فيها الحلف الأطلسي أيضاً. فلا الغرب راضٍ عنه تصرفاته ولا الروس وخاصة بعد إغلاق مضيق البوسفور أمام البوارج الحربية العسكرية ويتم غض النظر عنه بحكم دائرة الصراع التي لم تتوسع حتى الآن. النظام التركي  يعاني من أزمات داخلية سياسية واقتصادية نتيجة خلافاته مع العالم الغربي بأكمله، وهذه الأزمات تجبره على العدول عن سياساته التوسعية ولو بشكلٍ مؤقت، ومحاولة ردم الهوة مع العالم العربي وخاصة دول الخليج العربي ومصر، وذلك بالضغط على أحزاب الإخوان المسلمين وتقويض نشاطها، مما أدى إلى انشقاق في حزب الإخوان المصري، وتحاول بشتى الوسائل إعادة الحياة إلى علاقاتها مع العالم العربي وإسرائيل، والتحول من الطابع الديني  إلى الدولة الشبه علمانية تحت تأثير تراجع شعبية الرئيس رجب طيب أردوغان، وتركيا تعرف حق المعرفة إن الأوضاع في سوريا سوف تهدأ لأن الروس منشغلون بالحرب في أوكرانيا. وستبقى الأوضاع كما كانت عليه، سوف تبقى سوريا مقسمة إلى ثلاثة مناطق نفوذ رئيسية هي النفوذ الأمريكي في شرق الفرات والتركي في الشمال والروسي في باقي المناطق وكل طرف يحاول تعزيز منطقة نفوذه».

يضيف ملكي: «تعتمد تركيا على الفصائل المسلحة المتواجدة على الأرض، ويوماً عن يوم تتراجع أسهم المعارضة السياسية، وهذا ما يؤدي إلى استفحال الخلافات، مما يجعلها أسيرة لرغبات الفصائل المسلحة وإرضاء النظام التركي، وبذلك تبتعد عن التمثيل الحقيقي للشعب السوري. ولكن مهما ضعفت وتحولت إلى الهامشية في الوقت الحاضر سيبقى الإطار الذي يبنى عليه مستقبلاً، ومنه سيكون الانطلاق إلى سوريا موحدة، وهو رغبة الجميع بدون استثناء من دول ذات الشأن وصولاً إلى المهاجرين السوريين في أصقاع الأرض. وليكن كوردستان العراق مثالاً للجميع، فكانت كوردستان بمثابة دولة مستقلة خلال ثلاثة وعشرين عاماً، وبنت المؤسسات بالاعتماد على الذات، ولحظة رحيل نظام الطاغية توافق الجميع على وحدة العراق، لأن الظروف الموضوعية ليست مهيئة لإحداث دول وكيانات جديدة وسيحدث هذا الأمر في سوريا أيضاً، لذلك على الفصائل الكردية الاستفادة من هذا الوضع من خلال بناء المؤسسات، وإحداث التوافقات في المحيط الإقليمي، والدفع بقبول الآخر وإنشاء سوريا مصغرة نموذجية في منطقة النفوذ الأمريكي، بحيث تكون للجميع وتكون إدارتها من قبل الجميع، وسيكون الفيصل في الإدارة هي الانتخابات التي يجب أن تتم في ظروف ديمقراطية بعد تهيئة الأرضية السياسية والفكرية لها».

يردف ملكي: «المنطق يقول: يجب أن تتفق الأطراف الكردية فيما بينها أولاً ثم يمتد إلى باقي المكونات، ويتم بموجبه بناء المنطقة وفق نموذج جديد بعيداً عن العنصرية والطائفية ومبدأ الاستعلاء. الواقع يقول شيئاً آخر، فالواقع السياسي والمنطق العقلي يصطدمان بإرادة الفصائل العسكرية التي أنشأت بإرادة غير شرعية، وتشبثت بالأرض هذه الفصائل في عموم سوريا، هي في الأغلب أجندات لأطراف خارجية أو للنظام ذاته إذ تم تأسيسها في دوائر المخابرات ودهاليز قوى الأمن وهي لا تهمها مصلحة الشعب لأنها فصائل براغماتية نفعية تشكلت في ظروف غامضة وتحمل أهدافاً غامضة. لذلك يبقى الكرة في الملعب الأمريكي فهم الوحيدين القادرين على فرض المصالحة بين الجميع، وطبقاً للتصريحات الرسمية من مسؤولي الإدارة الأمريكية ستفرض شكلاً وواقعاً جديداً في المنطقة لسد الثغرات أمام الأتراك والإيرانيين والنظام السوري والروسي للوصول إلى مصادر الطاقة والغذاء في الجزيرة السورية والتي كانت تعتبر سلة الغذاء السوري.

لذلك يعتبر انسحاب الأطراف الكردية من الأطر الرئيسية للمعارضة السورية خطأً فادحاً حتى ولو كانت في أدنى مستوياتها بصفتها الإطار الشامل لسوريا المستقبل، ولا يمنع هذا للدخول في مفاوضات تشكيل الإدارة في منطقة النفوذ الأمريكي وتشكيل سوريا النموذجية».

أخيراً:

إذاً، ستستمر الأزمة على ما هي عليه ويمكن للأسوأ إن لم يحتكم السوريون إلى العقل، وخاصة هؤلاء الذين يتربعون على السلطة ويديرون الدفّة في سورية إن كانت من المعارضة أو من النظام، وعليهم القيام بمراجعات ذاتية وموضوعية، وترك السلبيات والعمل ضمن الإيجابيات بما يخدم مستقبل الوطن، يداً بيد يتحقق المستحيل، لنبني جميعا دون استثناء بكافة أطيافها ومكوناتها سوريا الجديدة، ديمقراطي اتحادي تعددي لا مركزي.

شارك المقال