كلستان بشير الرسول
تعد انتفاضة قامشلو في الثاني عشر من آذار عام ٢٠٠٤ نقطة انعطاف كبيرة في نضال الحركة الكوردية في سوريا والتي امتدت من أقصى الشمال الشرقي من ديريك وصولا إلى عفرين وكافة مناطق الكورد في حلب ودمشق حيث هب الشعب الكوردي بأكمله شيبا, وشبابا, نساءا، واطفالا ونزل إلى الشارع بصوت واحد ويدا بيد ليعلن عن سخطه وغضبه ورفضه لحياة الذل والقمع والاضطهاد التي كانت تمارس بحقه طيلة عقود من الزمن من قبل نظام بعثي شوفيني متمثل في أسرة الأسد الحاكمة والمستبدة التي حصنت نفسها بشبكة أمنية متفرعة ومتشعبة في كل أنحاء سوريا والتي كانت تضرب بيد من حديد كل من يخالفهم الرأي ويناهضهم وقد عانى الشعب السوري عامة والشعب الكوردي على وجه الخصوص معاناة حقيقية نتيجة الإجراءات الاستثنائية المجحفة بحق الكورد والأحكام العرفية التي كانت تطبق عليهم وكما هو الحال في كل الانتفاضات والثورات في العالم لها أسبابها المباشرة والأسباب غير المباشرة. كذلك انتفاضة قامشلو كانت لها اسباب غير مباشرة تمحورت فيما يلي:
١_ من الناحية السياسية تم تطبيق الاحصاء الجائر عام ١٩٦٢ بحق الكورد وحرمانهم من الجنسية السورية
٢_محاولة طمس الهوية الكوردية بكافة الاساليب والسبل بما فيها تحريف وتزييف كتب التاريخ بحيث تتوافق مع مواقفهم التي تنكر وجود الكورد في سوريا علماً إن جذورهم متأصلة وممتدة في سوريا منذ مئات بل ألاف السنين وخير دليل على ذلك المعالم الأثرية الموجودة كقعلة هوري وقلعة الحصن وغيرها الكثير من التلال الأثرية كتل ليلان وتل شرمول, وتل موزان, وتل براك، الخ…….
-3- اتباع سياسة التعريب مع الكورد و التي تمحورت في عدة نقاط :
أ- التغير الديموغرافي للمناطق الكوردية و ذلك بتطبيق الحزام العربي عام ١٩٧٤ على يد الرئيس السوري حافظ الأسد و الذي يعود فكرته للملازم الاول محمد طلب هلال رئيس الشعبة السياسية في الحسكة عام ١٩٦٢ و قد تم من خلال تنفيذ هذا الحزام الاستلاء على أراضي الكورد بقوة السلاح و إعطائها للعرب الغمر الذين استوطنوا في تلك الأراضي .
ب- تبديل اسماء المدن و البلدات الكوردية بأسماء عربية ووضع العراقيل و الصعوبات لتسجيل المواطنين الكورد لأولادهم بأسماء كوردية.
ج- حظر الاحزاب في سوريا و منعها من الانضمام إلى احزاب الجبهة الوطنية التقدمية و عدم السماح لهم بالترشيح لانتخابات مجلس الشعب و المجالس المحلية.
د- قمع الحريات و من ابرزها حرية الرأي و الفكر اعتقالهم للكثير من الادباء و المفكرين الكورد و زجهم في المعتقلات السورية.
ه- حظر اللغة الكوردية في الدوائر الرسمية و منع الثقافة و الإعلام الكردي من التداول بكافة أشكالها المرئية، و المسموعة، و المقروءة.
و- فصل الطلاب الكورد من المعاهد السورية و اعتقال الناشطين منهم من الجامعات.-ر- منع تبوأ الكورد لمناصب الإدارة في الدوائر الرسمية إلا بشرط الانتساب لحزب البعث والامتثال لشروط الفروع الأمنية.
ز- عدم قبول الطلاب الكورد في عدة فروع جامعية مثل الصحافة والإعلام وكافة الكليات والاكاديميات العسكرية إلا بالشروط الآنفة الذكر وهو الانتساب لحزب البعث. ومن الناحية الاقتصادية تم التهميش الاقتصادي والخدمي بكافة أشكاله في المناطق الكوردية وبشكل متعمد كل هذه الأسباب وغيرها الكثير خلقت لدى الشعب الكوردي حالة من التذمر والاستياء والسخط وولدت لديهم معاناة حقيقية في حياتهم اليومية على الرغم من كونهم الأكثر وفاء واخلاصا في خدمتهم لسوريا والسعي لتقدمها ونهضتها في كافة النواحي وخاصة من الناحية العسكرية حيث كانوا على الدوام في الخطوط الأمامية في جبهات القتال دفاعا عن سوريا وبذلوا دماءهم فداء لها.
اما السبب المباشر لهذه الانتفاضة فقد كان نتيجة إطلاق الرصاص الحي على المدنيين الكورد من مشجعي نادي الجهاد وذلك على مدرج الملعب البلدي في مدينة قامشلو وبأمر من محافظ الحسكة سليم كبول رئيس الفروع الأمنية في محافظة الحسكة حيث أسفر عن سقوط عدة شهداء في اليوم الأول المصادف للثاني عشر من آذار عام ٢٠٠٤ وفي الخامس عشر من شهر آذار عام ٢٠٠٤ وأثناء تشييع الأهالي لجثامين الشهداء تم إطلاق الرصاص الحي على الأهالي مرة أخرى وكذلك تم إطلاق الغازات المسيلة للدموع وسقط من جراء ذلك العديد من القتلى والجرحى مما اجج مشاعر السخط والتذمر والاحساس بالظلم لدى الشعب الذي خرج بمئات الآلاف وشاهد بأم عينه الحقد الدفين من قبل رجال الأمن والشرطة وقتلهم وجرحهم للمدنيين العزل ظلما ودون وجه حق بلا رحمة ولا شفقة وسرعان ما تحولت هذه التظاهرات إلى انتفاضة سلمية عارمة امتدت إلى مختلف المناطق الكوردية بدءا من ديريك في أقصى الشمال الشرقي ووصولا إلى حلب ودمشق حيث مناطق تجمع الكورد وقد دفعهم هذا الغضب إلى الهجوم على مقرات الأمن ومكاتب حزب البعث في تلك المناطق كما قاموا بتحطيم تماثيل الرئيس السوري حافظ الأسد في أغلب المناطق وقد حصلت العديد من أعمال التخريب والشغب المدسوسة من قبل أجندات النظام لتشويه صورة الشعب الكوردي مما أدى إلى تدخل الجيش السوري ونشر قواته المدعمة بالدبابات وطائرات الهلكوبتر في كافة المناطق الكوردية واستمرت هذه الانتفاضة بين كر وفر وبسلسلة من الاعتقالات التعسفية العشوائية ظل الأهالي في جو من الذعر والقلق وعدم الاستقرار لفترة من الزمن حتى اخمدت بمبادرات من قيادات الحركة الكوردية ومن وجهاء المنطقة وبتوسط الرئيس مسعود البارزاني رئيس إقليم كوردستان والصدى الدولي الذي اثارته الجالية الكوردية في كل أنحاء العالم على شكل تظاهرات في مناطق تواجدهم مما أدى إلى امتثال الحكومة السورية للكف عن الاعتقالات العشوائية التعسفية كما تم إطلاق سراح البعض منهم.
أن انتفاضة قامشلو رغم مآسيها واوجاعها الا انها أخذت صدى جماهيريا واسعا في الداخل والخارج كونها اول انتفاضة شعبية عفوية واسعة النطاق وما ميزها هو وحدة الصف الكوردي دون النظر إلى اختلاف الاتجاهات السياسية والفكرية ومن جهة أخرى كانت الأسطورة النضالية الكوردية الأولى من نوعها في سوريا هزت عرش النظام الدكتاتوري في سوريا ومن جهة أخرى فانها اماطت اللثام عن وجوه الكثيرين من ابناء القوميات والطوائف الأخرى في المنطقة بعدم وقوفهم إلى جانب الكورد في محنتهم بل على العكس اتخذوا موقفا متخاذلا واتهموهم بالارهاب والتخريب كما قام البعض منهم بتسليم العديد من شباب الكورد للأمن ممن التجأوا إلى بيوتهم هربا من الدوريات الأمنية.
عاشت انتفاضة قامشلو رمزا للمقاومة والنضال والمجد والخلود لأرواح شهداء الانتفاضة ولأرواح كافة شهداء كوردستان.
المقال من ملف خاص بانتفاضة قامشلو 2004 والمنشور في موقع ولاتي مه |
أقرأ أيضاً: