روماف -مقالات
الكاتب عمر رمضان باڤي لاڤا
تحضرني الذاكرة في مقابلة له على إحدى القنوات الفضائية قبل سنوات عدة للسيد مشعان الجبوري/ السياسي العراقي المعروف/ عندما سُئل عن سبب شطحاته وتذبذب مواقفه بخصوص القضية الكوردية بشكل عام وموقفه من شخص الرئيس مسعود البارزاني بشكل خاص حيث أجاب وبشكل واضح وصريح لا لبس فيه بأنه كثيرا مايضطر لتغيير مواقفه واتخاذ مواقف سلبية من القضية الكوردية والرئيس البارزاني تحت “ضغط جمهوره الإنتخابي” وارضاءً لتوجهاتهم والذين من خلال اصواتهم يستطيع تبوأ مقعد في البرلمان العراقي أو اي منصب سياسي مرموق في الحكومة العراقية وبغض النظر عن مصداقية الرجل من عدمه أو الموقف من انتهازية موقفه لافتقاره إلى الحد الأدنى من القيم والمعايير المبدئية والأخلاقية إلا إنه من الملاحظ بأن المواقف السياسية المعادية للكورد لها جذور عميقة ضمن اغلب المجتمعات التي يتعايش معها الكورد وتتسع يوما بعد يوم ضمن اغلب الأوساط السياسية لمجمل الاحزاب والحركات السياسية في الدول التي تقتسم كوردستان انظمةً ومعارضاتْ وهي باعتقادي لم تأتي من فراغ وإنما نتاج ثقافة تراكمية زرعتها وغذتها الأنظمة الاستبدادية والدكتاتورية التي سلبت الحكم اساساً رغما عن إرادة شعوبها ومارست كل وسائل القمع والبطش ضد هذه الشعوب منذ تاسيس هذه الدول والتي اتخذت طابعاٌ دموياٌ في الكثير من المراحل ومع ذلك فإن ثقافة الكره والحقد على الكورد تحولت الى ثقافة سائدة ضمن اوساط واسعة تحت الهيمنة الثقافية لتلك الأنظمة .
فبالرغم من إن برامج اغلب أحزاب المعارضة في هذه الدول تطالب بتحقيق الديمقراطية والحرية والعدالة لشعوبها إلا ان الاضطهاد الذي كان ومازال يتعرض له الكورد لم يكن يعنيهم بشيء، كما لم يقنعهم يوماٌ بتعديل مواقفهم السلبية تجاه قضية “إخوانهم في الوطن والمصير ” بل غالباً ماكانت نسخةٌ طبق الأصل عن سياسات اسيادهم ان لم تكن أسوأ منها كما إن اواصر العلاقات التاريخية التي ربطت الكورد بشعوب المنطقة عبر التاريخ ووقوف الكورد إلى جانب قضاياهم بروح الاخوة والمشتركات التاريخية والثقافية والدينية لم تشفع لهم بل بالعكس تماما فقد كانت لها انعكاسات سلبية على الشعب الكوردي بحيث انتشرت ثقافة الحقد والكراهية تجاه الكورد وبوتيرة غير مسبوقة ولاسيما في في العقد الأخير من هذا القرن لدى سائر انظمة ومعارضات المنطقة وشعوبها وبإعتراف الكثير من القوى والأحزاب السياسية في الكواليس الخاصة يقرون للسياسيين الكور بان مواقفها من القضية الكوردية تخضع لصناديق الانتخابات والتي من خلالها تكتسب شرعية وجودها من عدمه وكلما صعّدت من وتيرة مواقفها العدائية باتجاه الكورد والقضية الكوردية كلما ازدادت شعبيتها وحصدت المزيد من الأصوات والمقاعد والمناصب وهذه الظاهرة ليست حكرا على دولة بعينها أو قومية او طائفة او مذهب معين، كما لم تنحصر في نطاق بروبغندا إعلامية كما كان يمارسه الإعلام الرسمي العربي ضد إسرائيل نظرياً في مرحلة من المراحل بينما كانت الاتفاقات و الصفقات السرية تقول عكس ذلك وإنما بات واقعاً تمارسه جميع انظمة وشعوب المنطقة بكافة تلاوينها ومكوناتها القومية والمذهبية والطائفية سواءً في العراق ومواقف أحزابها الشيعية والسنية والعربية والتركمانية وغيرها وهي حالة عامة في العراق ولاتحتاج إلى حصرها بامثلة معينة من هنا اوهناك بالرغم من فضل كوردستان العراق على سائر المكوّنات حيث كان ملجأُ للجميع في اغلب مراحل النضال للإحتماء من بطش الاْنظمة المتعاقبة ولاسيما مرحلة حكم حزب البعث وصدام حسين ومازال الكثير من الشخصيات السياسية حتى الآن تتخذ من كوردستان ملجأً لها عندما تضيق بهم السبل وتُسد أمامهم الطرق، والغريب في الأمر إن العديد من الشخصيات والأحزاب الشيعية كانت متحالفة الى وقت قريب مع الكورد وكانت تُظهر مواقف ايجابية في مرحلة من المراحل تراجعت تحت ضغط “جمهورهم الانتخابي” إضافة إلى انحيازهم بالجملة إلى المشروع الطائفي الإيراني .
وفي الدولة الجارة إيران لا يختلف الموقف الرسمي والشعبي عن موقف حلفائهم العراقيين تجاه الكورد والقضية الكوردية بل مازال النظام الطائفي في ايران مصدر التعليمات والأوامر للحكومات العراقية المتعاقبة في وضع العراقيل امام حكومة الإقليم والعمل للقضاء على اي حلم كوردي مستقبلا في تحقيق اي من حقوقه القومية، وما انواع الابادة الجماعية والاعدامات التي يتعرض لها الكورد يوميا على يد النظام الطائفي – العنصري في قم وطهران الا دليلا واضحاً إلى مانذهب إليه وخاصة بعد استلام نظام الملالي المشبّع بروح الحقد المزدوج تجاه الشعب الكوردي، ومايُؤسف له ان موقف المعارضة الإيرانية التي تتعرض إلى السجون والإعدامات حالها حال الاحزاب الكوردية والنشطاء الكورد ليس افضل حالاً من مواقف اسيادهم الا في نطاقٍ ضيق .
وفي تركيا استطاع حزب العمل القومي التركي MHP الوصول إلى البرلمان عام 2015 لحصوله على اعلى نسبة له منذ تأسيسه عام 1969حيث وصل ولأول مرة على نسبة حوالي 17% من أصوات الناخبين وقد تمكن هذا الحزب الذي يعتبر الأشد عنصريةً في تاريخ تركيا ولاسيما موقفه العدائي من الكورد والقضية الكوردية ان لعب دوراً رئيسياً في جر اردوغان الى ساحة ايديولوجيته القومية التي ترفض الاعتراف بأية قومية اخرى ضمن حدود مايسمى بتركيا اليوم وقد تمكن بتحالفه مع AKP تحقيق الأغلبية المريحة التي سمحت للأخير بتشكيل الحكومة وإتاحة الفرصة لأردوغان التسلق الى رئاسة تركيا بصلاحيات شبه مطلقة.
اما وضع الكورد في سوريا فهو ليس بأفضل حال من اقرانهم في بقية الأجزاء جرّاء تعرضه إلى أبشع أنواع التمييز العنصري من قبل الأنظمة الشوفينية المتعاقبة على الصعيد الرسمي ولاسيما منذ استلام حزب البعث للسلكة ورفعه الشعارات العروبية الزائفة ونشر دعاية ان الكورد مهاجرين من دول الجوار والذي تم تحت هذا الستار حرمان مئات الآلاف من حق الجنسية والعمل والتملك كما ساهم الى حدٍ كبير في تعويم ثقافة الكراهية والحقد ضد الشعب الكوردي بسبب مطالبته بجزءٍ يسير من حقوقه وماتشهده عفرين وكري سبي وسري كانية من ممارسات عنصرية وجرائم وحشية على يد الفصائل العنصرية والعائلات التي لجأت إليها من مختلف المناطق وممارساتها التي تعتبر اشد اجراما من ممارسات النظام الى حد بعيد والعمل على اجراء التغيير الديموغرافي الذي عجز النظام عن تنفيذه لأكثر من نصف قرن بحق المكون الكوردي دون غيره من المكونات الاخرى بينما لم نشهد مثل هذه الممارسات في المناطق الأُخرى كادلب والباب وإعزاز وغيرها من المناطق لتي دخلتها هذه الفصائل مع الاحتلال التركي ولخلوّ هذه المناطق من المكون الكوردي لم تتعرض إلى أيٍّ من هذه الممارسات السيئة الذكر بل بالعكس تلقت أفضل معاملة من نفس الفصائل التي تمارس الإجرام في عفرين وسري كانيه وكري سبي.
نستنتح مما سلف بأن النزعة العنصرية تنتشر يوما بعد يوم بشكل واسع لدى شعوب وأنظمة المنطقة بشكل عام وهناك شبه اتفاق بين الجميع انظمة ومعارضات وشعوب على تأجيل صراعاتها وخلافاتها البينية عندما يتعلق الأمر بالكورد وحقوقهم المشروعة في ظل غياب استراتيجية واضحة للحركة السياسية الكوردية وغياب الحد الادنى من تفاهم كوردي -كوردي والإفتقار الى إعلام مهني يرتقي إلى المستوى المطلوب يستطيع إيصال عدالة القضية الكوردية إلى الاخرين بأفضل الطرق والوسائل وسياسيين بارعين متمكنين يجيدون حق الدفاع عن قضيتهم العادلة .