روماف – رأي
شهدت منطقة الشرق الأوسط تحرّكاتٍ سياسيةً وعسكريةً ودبلوماسية وعلى مستوى رؤساء دول، وخاصة في هذه الفترة الحرجة من تصاعُد وتيرة الصراع بين الدول الكبرى والإقليمية، من حرب إسرائيل وحماس والقصف المتبادل بين اسرائيل وإيران، وأيضاً الحرب الكلامية والإعلامية بين أمريكا وروسيا، والتي تدفع بالمنطقة نحو أبعاد متعددة وسيناريوهات متضاربة، وكأن المنطقة تتجه نحو رسم مسارات لخرائط جغرافية سياسية أخرى غير واضحة المعالم حتى الآن في منطقة الشرق الأوسط. تزامنت مع هذه التحركات، تسليط الأضواء على إقليم كوردستان وتعزيز دوره في المرحلة القادمة، ومن خلالها يتحرك قادة إقليم كوردستان لتطبيق كافة البنود والقرارات السياسية والاقتصادية والأمنية والإدارية الدستورية الخاصة بالإقليم والتي تمّ تعطيلُها من حكومة المركز في بغداد وأداتها الفاسدة وغير المؤهلة قانونياً “المحكمة الاتحادية” التي تتمايل أمواجها حسب تيارات ذات أجندات معينة ومشبوهة بارتباطاتها مع ملالي إيران. وعليه كان فرض قرار انسحاب القوات الأمريكية والتحالف من العراق، والتي مُرِرَت دون الموافقة من قبل أكثرية النواب في البرلمان العراقي، مما أثار جنون أدوات إيران، ودفعتها إلى تأليب الأطراف الكوردستانية على بعضهم البعض، وفرض ضغوطات مختلفة على حكومة إقليم كوردستان والحزب الديمقراطي الكوردستاني.
بما أن الأزمات متعدّدة على الساحة الإقليمية والدولية، فإن الحلول لن تكون متعددة بل مترابطة ومتكاملة بسبب تشابُك المصالح والنفوذ وتعقيدات العلاقات في السياسة الإقليمية والدولية، وأعتقد أنه لا يمكن فرض حلّ جزئي في أي ساحة من ساحات منطقة الشرق الأوسط دون فرض الحلول على كافة الساحات. لذا، حلّ الأزمة المستعصية بين إقليم كوردستان وحكومة المركز في بغداد مرتبطٌ بالحلول المتكاملة في منطقة الشرق الأوسط، ومن هذا المنطلق نلاحظ أن أي صراع أو تشابك أو هجوم بين اسرائيل وإيران له تداعيات وضغوطات على إقليم كوردستان، وهذا يدلُّ وحسب ما أعتقد أن للإقليم دوراً مهماً بين اللاعبين الدوليين الأقوياء، لاعبٌ له مكانةٌ في السياسة الإقليمية للمرحلة القادمة.
يبدو أن تصدُّر إقليم كوردستان المشهد السياسي يثبت هذا الكلام، والزيارة الهامة التي قام بها رئيس حكومة إقليم كوردستان مسرور بارزاني إلى واشنطن، واستقباله كشخصية كبيرة ولقائه مع كبار المسؤولين في الولايات المتحدة الأمريكية من الخزانة الأمريكية والتجارة والاقتصاد والسياسة، وعقد عدة اتفاقيات استراتيجية هامة في مجالات الطاقة والاقتصاد والتجارة، يدفع كل متتبع للشأن السياسي إلى فهم رسالة مفادها، أن إقليم كوردستان يتّجه نحو رؤية واستراتيجية جديدة. ما يؤكد ذلك كلام الجنرال مايك هايدن المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ( سي. آي. أي ) في الشأن السوري خلال لقاء له عام 2016 على قناة الجزيرة، “لا أعتقد أننا عائدون إلى الحدود القديمة، ولا أعتقد أننا سنعود إلى الخطوط التي رسمتها الدول المستعمرة على خارطة الشرق الأوسط، بل أن مستقبل الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط يعتمد على التركيبة السياسية الجديدة، التي تستطيع تحقيق أكثر استقراراً للهوية الشيعية والسنية والكوردية في المنطقة”.
من هذا الاعتقاد، أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارته إلى بغداد ومن ثم إلى هولير عاصمة إقليم كوردستان، واستقباله في ظل علم كوردستان ومصافحة الزعيم مسعود بارزاني وقيادات إقليم كوردستان، وعقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية وأمنية مثلما تُعقد اتفاقيات بين دولتين، هي رسالة واضحو وجلية، في وقت لم يكن أردوغان يرضى باسم كوردستان ولا برفع علم كوردستان في أي مكان، هذا يعني أن إقليم كوردستان خرج من إطاره كإقليم إلى رحاب أوسع، والشهور والسنوات القادمة سوف تثبت ذلك.
من هنا، نفهم أن في السياسة تتحدّى المستحيل، بل كل الاحتمالات واردة، فما كان في الأمس مستحيلاً يصبح اليوم ممكناً، وما كان في الأمس ممكناً قد يكون اليوم مستحيلاً، وكسر الاعتقاد السائد بين الكورد أنهم دائمًا في خانة المظلومية وعدم تقبُل دول العالم مصطلح دولة كوردستان، وعليهم أن يفهموا، ليس فقط السياسة الخارجية وتعقيدات العلاقات الدولية فقط سبب تراجعهم عن مصافي الدول، بل السبب الرئيس هو السياسة الداخلية أي داخل المجتمع الكوردي، وأسلوب تعاملهم مع بعضهم البعض في بقائهم خلف المجتمعات والأمم.