روماف – رأي
لحظات حاسمة وقلوب كل الكورد ينبض بشدة ونحن نقترب من نهاية مئوية لمعاهدة لوزان المشؤومة والتي غيّرت شكل ولون واجهة الشرق الأوسط، كما وغيّرت مجرى تاريخ الشعب الكوردي، وقسمت جسد وطنه كوردستان مرغما ومجبرا إلى أشلاء متناثرة على جهات الأرض الأربعة، وبدأ أيام العد التنازلي لنهايتها الملعونة والمنحوسة في 24 من شهر تموز القادم يوم ذكرى المعاهدة، ومن هنا نرى أن معاهدة لوزان حدّدت مصير الشعب الكوردي من تكريسه على حدود سياسية التي قسمت وطنهم إلى أربع أجزاء، وحدّدت لهم مبدأ الجنسية والهوية الذي ارتبطت بالدول التي أوجدتها المعاهدة. كانت تلك اتفاقية سلام لإنهاء مرحلة الصراعات والحروب، والبدء بمرحلة الأمن والسلام ولكن على مقاسات الدول المنتصرة بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، والبعيدة عن رغبات وطموحات الشعب الكوردي.
وهكذا تكون المعاهدة قد ترجلت عن مئة عام من الخذلان والنفاق والخداع لدول الحلفاء آنذاك فرنسا وبريطانيا ضد الحلم الكوردي وإرضاءاً للدولة التركية الكمالية، هذا الشعب المظلوم الذي استبشر خيراً من أصدقاء وَعَدوا بالدعم والمساندة لإخراجهم من مستنقع الاضطهاد والاستبداد، ولكن خذلانهم للكورد دفع بهم إلى مصائر تقشعر لها أبدان الإنسانية من قتل وتشريد وتدمير لقراهم ومدنهم، لم يهنئوا لـ لحظة ولم يستقرّ لهم بال ضمن الأنظمة الغاصبة والمستحدثة خارج إرادة شعوبها.
وعليه، أدرك الكورد أن لا أصدقاء لهم سوى ذاك الصديق المخلص الذي لم يبرح يوما عن مساعدتهم، ولِما لا وجبال كوردستان لم تتخاذل لهم ولم تخنع وتلين أمام العواصف والشدائد، كان الحضن الدافئ والحنون رغم قساوته، احتضن الشعب الكوردي من براثن الغدر والخيانة ومن ممارسات السحق والإبادة.
الآن وبعد قرن من الزمن، هل تدرك الدول الكبرى والديمقراطية معاناة الكورد ومظلوميتهم؟! وهل يرى الشعب الكوردي نور حلمه، ويعيش كـ غيره في وطن يأمن له حريته وكرامته مثل غيره من شعوب المنطقة؟!، وللخوض في غمار هذا السؤال علينا أن نعود بالتاريخ مئة عام إلى الوراء، علينا أن نطَّلع على ذاك التاريخ.
قبل مئة عام، وعند تحليل تفاصيل التحركات الدولية ومجريات الأحداث آنذاك، واسقاطها على الحالة الآنية للأوضاع السياسية والصراعات التنافسية على النفوذ والمصالح بين الدول الكبرى، نجد أن الحالة كما كانت، فقط الذي تغير هو، المسميات والتسميات بالنسبة للقوى المتصارعة، آنذاك كانت الصراعات قائمة بين فرنسا وبريطانيا من طرف وروسيا والإمبراطورية العثمانية على الطرف الآخر. والآن الولايات المتحدة الأمريكية التي تتحكم بـزمام الصراعات والإضطرابات في الشرق الأوسط والعالم من جهة وروسيا من جهة أخرى، وأمام دول أخرى تقف على حافة الصراعات هم الصين والهند، أمّا تركية التي تتمسك بالعصى من الوسط من جهة هي جزء من حلف شمال الأطلسي ومن جهة تدخل في مفاوضات مع روسيا وإيران ألد أعداء أمريكا وحلف الأطلسي، مستخدمة سياسة التوازن لكسب المزيد من النفوذ والمصالح على حساب شعوب المنطقة وخاصة الشعب الكوردي.
ان الأزمات السياسية المتكررة والمتعاقبة في الشرق الأوسط، والصراعات الطائفية والعرقية والحروب بالوكالة التي أحدثتها اضرابات الربيع العربي، وكذلك اتساع رقعة الاضطرابات إلى أوكرانيا ومناطق أخرى في المحيطين الهندي والهادي. أي ان الأحداث التي تجري على المساحات الواسعة من العالم توحي أن المنطقة تسير نحو وقائع ورسم جديد وترتيبات مغايرة لِما كانت خلال المئة السنة الماضية، وقد تكون مراكز القرار للقوى المتحكمة في هذه المرحلة غير ما كانت عليه في السابق. والسؤال الآخر نضيفها إلى الاسئلة السابقة. هل القوى والحركات الكوردية مازالوا على نفس مسار تلك العقلية السابقة، أم لهم مسار آخر؟ وهل لهم ثقل في توجيه مراكز القرار إلى الاهتمام بالوضع الكوردي؟ وكيف يمكن للكورد استغلال الفرصة لصالح رفع قضيتهم وتثبيت حقوقهم؟ وهل الظروف الموضوعية والذاتية ملائمة وجاهزة لهم لكسب ما إفتقدوه من قبل؟.
وأيضاً، قبل مئة عام كانت الإمبراطورية العثمانية في تنازعٍ مستمر مع موت سريري بطيء، ودخلت في صراعات مع الجوار والقوى العالمية الكبرى آنذاك فرنسا وبريطانيا لفرض نفوذها رغم ضعفها، وفي المقابل تمرد معظم الشعوب الرازحة تحت لوائها ودعمتها دول الحلفاء، فكانت تلك بداية الطريق نحو الترتيب الجديد.
استغلت القوى الدولية وخاصة فرنسا وبريطانية هذه الثغرة، ودفعت بالمتمردين إلى المطالبة بالخروج من تحت رحمة العباءة العثمانية، وكالعادة كان السلاح شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان الواجهة البرّاقة لغاياتهم الطمعية والنفذوية الخفية.
تمّ إنهاء الإمبراطورية العثمانية، وبدأت المرحلة الثانية، وتوزيع التركة العثمانية تحت مسمى الانتداب، فكانت فرنسا وبريطانيا أكثر دولتان حصلتا على مساحات واسعة من الأراضي جنوب الإمبراطورية العثمانية والتي كانت حليفة مع روسيا. في هذا الإثناء دخل كمال مصطفى أتاتورك على الخط وخلق الطريق لولادة تركية جديدة أكثر ذكاءً ودهاءً، استطاع الضغط على الحلفاء وانتزاع ما كان مقررا في معاهدة سيفر لصالحه، وخاصة فيما يتعلق بالمكلف الكوردي الذي كان موجودا في تلك المعاهدة واختفت في معاهدة لوزان، بذلك حُرِّم الكورد من حقه الشرعي بأساليب أتاتورك الملتوية واستغلال العاطفة الكوردية الدينية.
والآن ما نلاحظه أن روسيا دخلت في ذاك الفخ عندما تورط فلاديمير بوتين في حرب كان هو بغنى عنه، ولكن الرغبة التوسعية وكسب المزيد من الثروات أدخله في دوامة حرب استنزاف مع الدولة الجارة أوكرانيا، وفي المقابل تحاول تركية اللعب على الحبال مستغلّة موقعها الجيوسياسي في المنطقة والعالم وكسب بعض النفوذ والمصالح قبل انتهاء المهلة المئوية لاتفاقية لوزان على حساب الصراعات الدولية بين أمريكا وروسيا.
وإيران التي تكثف من جهودها لفرض إملاءاتها، ودفعت بالعديد من ميليشياتها وأدواتها في المنطقة إلى إثارة القلاقل وزعزعت الاستقرار.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، التي تدفع بأجنداتها نحو جميع الاتجاهات من توجيه دول الخليج وبعض الدول العربية إلى أخذ خطوات عملية وعقد معاهدات واتفاقيات مع إيران والصين وكذلك التطبيع مع النظام لقطع الطريق أمام روسيا وفتح الباب أمام سيناريوهات جديدة في معظمها لصالح أجندات ومصالح الأمن القومي الأمريكي.
أمام كل ما جرى ويجري، الكورد مازالوا في دوامة صراعاتهم الداخلية إن كانت بإرادتهم أو بإرادة أعداء كوردستان، ولكن على الشعب الكوردي أن يعي أن لهم مركزاً قوياً أثبت جدارته على الساحة المحلية العراقية والإقليمية والدولية في الحنكة الدبلوماسية والمرونة السياسية في التعامل والتواصل، وهذا المركز هو إقليم كوردستان وبالأخص هولير ( أربيل ) العاصمة الأكثر سرعة بالتوسع والتطور في الشرق الأوسط.
المرحلة القادمة حساسة وبحاجة إلى التروي والحنكة وبداهة التعامل والتواصل وخاصة بالنسبة للكورد في كوردستان سوريا، والاستفادة من التجربة الكوردستانية في إقليم كوردستان العراق، والعمل على التكاتف والتآزر معه لرفع من النقاط الكوردية في أي معاهدة أو اتفاق دولي جديد وتحقيق ما لم يحققه سابقاً، ليحجزوا لهم مقعداً في سنوات المئة القادمة.