روماف – مقالات
صلاح بدرالدين
رغم ان الفاتحة الميمونة كانت بتونس الا أن أصحاب ثورة الياسمين الحقيقيين ومحركوها ونشطاءها من الشابات والشباب ومثقفوها لم يولوا – حسب الظاهر – اهتماما يذكر بمرور الذكرى العاشرة وكأنهم محرجون أمام شعبهم خصوصا امام ذوي الشهداء والضحايا من عدم انجازهم لمهام الثورة على اكمل وجه وتحقيق أهدافها في الحرية والكرامة وفي خلاص الشعب التونسي ليس من الدكتورية الحاكمة فحسب بل من بقاياها المتمثلة بقوى الردة والتخلف وجهالة القرون الوسطى وبشكل خاص من تصدر الإسلام السياسي للمشهد مابعد الثورة وتولي الفئات الانتهازية لمواقع الدولة والإدارات التنفيذية وحتى السلطة الاشتراعية في مجلس نواب الشعب وكأن الثورة لم تقع كما يذهب اليه البعض .
ولكن مهلا فتاريخ الانتفاضات والثورات الشعبية من اجل الاستقلال والسيادة والديموقراطية والمساواة الاجتماعية والتقدم وحقوق الانسان وحق تقرير المصير منذ القرن الثامن عشر مرورا بالقرنين الماضيين وانتهاء بالقرن الواحد والعشرين يظهر لنا بجلاء أن المدد الزمنية في تثبيت النتائج طالت أو قصرت لم تكن يوما مقياسا للحكم على صوابيتها وجديتها فهناك ثورات في حياة الشعوب استمرت مدا وجذرا طوال عشرات السنين الا ان حققت أهدافها المرجوة ودائما يكون المثال الأبرز الثورة الفرنسية التي ارتبطت بها مسألة تشكل الدولة القومية وحق تقرير المصير وحقوق الفرد المدنية وفي المقدمة حقوق المواطنة والحريات العامة من دون تناسي أدوار مثيلاتها الاوروبيات في مجال التقدم الاقتصادي والعلوم الفلسفية وتطور الوعي وصولا الى الفصل بين الدين والدولة والكنيسة والسلطة .
الثورة التونسية التي كانت السباقة اندلعت في كانون الأول – ديسمبر قبل عشرة أعوام وأسبقيتها كما أرى تعود الى البنية السليمة للمجتمع التونسي في مجالات المساواة بين المرأة والرجل في القوانين المدنية منذ عهد الرئيس الحبيب بورقيبة والتعايش السلمي والانسجام بين قوى المجتمع بمعزل عن الفتن الدينية والطائفية والمذهبية والميل الشعبي العام وخصوصا النخبة المثقفة صوب الديموقراطية الفرنسية العريقة ( وذلك لايعني تمني العودة الى حقبتها الاستعمارية ) حيث فرنسا كانت الدولة المستعمرة للبلد لعقود خلت ، والدور الرائد للنقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني المؤتلفة بغالبيتها في الاتحاد العام التونسي للشغل ، وأخيرا وليس آخرا حيادية الجيش وابتعاده عن العقائد الآيديولوجية وعدم تورط قادته بالعمل السياسي وانحيازه بشكل عام للإرادة الشعبية ، وهو لم يشهد كما باقي الجيوش في دول المنطقة أية انقلابات عسكرية .
الثورة التونسية وماتلاها من ثورات الربيع في مصر واليمن وسوريا وليبيا وموجتها الثانية منذ عام ٢٠١٩ في لبنان والعراق والجزائر والسودان أجمعت على أهداف مشتركة مثل الخلاص من الدكتاتورية والاستبداد والنظم الأحادية الوراثية والتغيير الديموقراطي والمشاركة الشعبية في تقرير مصير البلاد والنظام السياسي ونيل الحرية وصيانة الكرامة واللجوء الى صناديق الاقتراع بعيدا عن الأحادية القومية والدينية والمذهبية والحزبية مع هامش لخصوصيات كل بلد فمثلا في الدول المتعددة القوميات والاعراق كانت إرادة حل المسألة القومية عبر الحوار والتوافق وحسب مبدأ حق الشعوب بتقرير المصير حاضرة بقوة وعلى رأس جدول الاعمال .
جميع تلك الثورات حققت خطوات مفصلية للعبور نحو المستقبل الآمن مثل اختراق جدار الخوف وتحدي مخاطر الاذرع الأمنية والعسكرية التي تحمي الاستبداد واستعادة الوعي الثوري التغييري الى صفوف النخب الشبابية والوطنية المستقلة واستباق الأحزاب التقليدية القومية منها أو الإسلامية أو الشيوعية في التطلع نحو التغيير وإعادة الامل الى القوميات المغلوبة على امرها والمعرضة للاضطهاد القومي والتمثلية وتغيير ديموغرافية مناطقها التاريخية ومحو لغاتها ودفن ثقافاتها والتعمية على تاريخها .
كما أن جميع تلك الثورات من دون استثناء لم تنجز مهامها ولم تحقق كل أهدافها وشعاراتها وطموحاتها المشروعة البعض منها حقق خطوات ناجزة على الطريق الطويل والبعض منها مازال قيد الاختبار ولن تهدأ ساحاتها وكذلك الساحات في البلدان التي لم تصلها الموجة بعد حتى تحقق الأغلبية الشعبية ماتصبو اليه من حرية وكروامة وحقوق سياسية واجتماعية وإعادة صياغة دساتير عصرية جديدة تناخذ بعين الاعتبار إرادة الشعوب في شق طريقها كما تريد وتتمنى وليس كما يشاء الحكام المستبدين المحميين من أجهزة امنية عسكرية وظيفتها الوحيدة السهر على سلامة وديمومة حكم الأقلية المحدودة على الغالبية وليس من اجل الدفاع عن السيادة كما تدعي .
شعوب المنطقة وبالرغم من انشغالها بتأمين لقمة العيش والنجاة من جائحة الكورونا فانها تنتظر تحقيق الخطوات التالية من برامج ومشاريع البلدان التي خاضت غمار الانتفاضات والثورات خاصة وان نظمها الحاكمة التي لم تسقط نهائيا مثل النظام السوري فانها باتت بحكم الساقطة بعد انشطار مؤسساتها العسكرية والأمنية والحزبية والإدارية وبعد تقويض قاعدتها الاقتصادية والاجتماعية وكذلك في البلدان المرشحة لخوضها في الموجة الثالثة .
في تونس الحراك الشعبي متواصل بمختلف أوجهه الشعبية والمدنية والنقابية والإعلامية والنخبوية لاستكمال الخطوات الناجزة قبل عشرة أعوام وفي المقدمة تحجيم جماعات الإسلام السياسي ومنعه من التغلغل في مؤسسات الدولة بغية اسلمتها واخونتها وفي ليبيا واليمن العملية السياسية الحوارية مستمرة من اجل تطبيع الأوضاع ودمقرطة الدولة على أساس الأقاليم الفدرالية وتوحيد المؤسسات لردع الميليشيات الدينية المذهبية المتطرفة وإزالة الاحتلال وفي السودان العمل جار من اجل استكمال الحوار مع المعارضة الثورية وممثلي الاقوام والمناطق صوب سودان ديموقراطي فيدرالي أو كونفدرالي بحسب الأوضاع الخاصة بها وفي الجزائر مازالت الانتفاضة تواجه مراكز القوى المدعومة من العسكر التي حاولت اجهاض الانتفاضة بالقوة وبعمليات استباقية تحت يافطات الانتخابات المزورة ولكن المسألة لم ولن تنتهي كما اريد لها .
الاستعصاء الأكبر في بلادنا حيث قوى الاحتلال المتعددة الجنسيات مازالت تساند ماتبقى من نظام الاستبداد وباشكال مختلفة وبهدف واحد وهو إطالة أمد القضية السو،رية والقضاء على أي بصيص امل للحل السياسي ومواصلة الميليشيات الداخلية في اللعب بمصير السوريين وعجز المعارضة الرسمية في تحقيق أية خطوة نحو الانفراج مما يضع كل ذلك تحديات هائلة في وجه السوريين عليهم مواجهتها وفي المقدمة الاسراع في لملمة الصفوف واعادة بناء الحركة الديموقراطية السورية وتوحيدها لتحقيق طموحات السوريين ومواصلة الكفاح العادل بكل اشكاله المشروعة .
الكرد السورييون كونهم القومية الثانية بعد العربية ليسوا مستثنين من مواجهة التحديات والقيام بواجبهم القومي والوطني وخاصة في انجاز مهام إعادة بناء حركتهم واستعادة شرعيتها عبر المؤتمر الكردي السوري الشامل ثم التعاون والتضامن الفعالين مع الشركاء السوريين لتحقيق المشتركات في سبيل سوريا ديموقراطية تعددية موحدة جديدة وابرام عقد اجتماعي جديد وصياغة دستور جديد يكفل حقوق الجميع ويستجيب لار ادة الكرد في تقررير مصيرهم السياسي والاداري في اطار الوطن السوري الواحد والمواطنة الحقة .
الحوار المتمدن