تظهر بين فينة وأخرى مبادرات عربية لفتح باب التطبيع وإعادة تأهيل النظام السوري، وخاصة بعد التقارب الإيراني السعودي الذي فتح الطريق أمام تساؤلات كثيرة.
ومن عجائب الصدف ولأول مرة تعلن جميع الدول الاسلامية وخاصة الرئيسية منها إيران والسعودية حاملي مشروع قطبي النزاع الإسلام السياسي، الشيعي والسني، اليوم الأول من شهر رمضان في نفس التوقيت.
في المقابل، الولايات المتحدة الأمريكية تعلن على الدوام عدم السماح بالتطبيع مع النظام السوري الذي هتك العرض والأرض السورية.
وفي خضم كل تلك العقلية الشوفينية العنصرية التي لا تقبل الآخر في تصاعد مستمر ضمن الساحة السورية، وما حصل في بلدة جنديرس في كوردستان سوريا دليل قاطع لا يحمل أي شكل في ذلك.
1- ما تحليلك لكل ما يجري الآن على الساحة الإقليمية والسورية من تصاعد في وتيرة التحركات السياسة والأمنية؟
2- كيف تقيّم التقارب الإيراني السعودي وتداعياته على الوضع السوري؟
3- لماذا هذا التناقض بين ما تعلنه الولايات المتحدة الأمريكية والتحركات العربية تجاه النظام السوري؟
4- هل كل تلك التحركات تدخل في خانة مصلحة الشعب السوري، أم إعادة تدوير النظام؟
الدول ليست جمعيات خيرية بل لها مصالح وأجندات تدير سياساتها
تحدث سكرتير تيار مستقبل كُردستان سوريا، ريزان شيخموس لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «يتحمل مسؤولية تدهور الأوضاع في سوريا تخاذل المجتمع الدولي في دعم الثورة السورية من جهة وتفكك المعارضة من جهة أخرى، حيث تتصرف معظم الدول العربية والأجنبية على أساس مصالحها وأجنداتها السياسية والعسكرية، مما أدى إلى تنافسات داخلية، وجعل المعارضة السورية أقل فعالية، ومرتهنة إلى أجندات بعض الدول الإقليمية كتركيا والسعودية على سبيل المثال لا الحصر، ويبدو أن العالم بدأ يتناسى ما يحدث في سوريا نتيجة العدوان الروسي على أوكرانيا، وما يجري فيها من حرب مدمرة بالوكالة بين اقطاب الصراع العالمية، وخاصة ان ارتدادات هذه الحرب، كانت في البداية أكثر سطوعاً وصخباً إعلامياً على الأقل، لكن في الواقع أن ظلال الحرب الروسية الأوكرانية أكثر قتامة على العالم أجمع، ومن كافة النواحي السياسية والعسكرية والاقتصادية، وللشرق الأوسط خصوصية مهمة في هذا الإطار ومنها سوريا. حيث الكل يحاول أن يستخدم أوراقه في مناطق الشرق في حساباته وصراعاته، وتدخُّل العديد من الدول الكبرى في المعادلة العامة، ومن أهم هذه الدول التي تحاول ان يكون لها دور أساسي في المراحل المقبلة هي الصين.
لقد دفعت الكارثة التي حصلت في شباط دولاً عربية عدة إلى إعادة فتح قنوات الاتصالات مع النظام السوري، بهدف تقديم مساعدات إنسانية، وهو ما قد يؤدي إلى تقليل عزلته، ولذلك قد تتسم المرحلة المقبلة بالعديد من التسويات والتطبيع وإدارة الأزمات، وبالتالي فإن مسار التطبيع مع النظام السوري يأتي بسبب غياب الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، ونتيجة لذلك هناك دول كانت معارضة لسيطرة النظام السوري ومؤيدة للموقف الامريكي تقوم اليوم بتعديل مواقفها تجاهه، وتحاول ان تعيد علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق من خلال تبادل التمثيل الدبلوماسي دون الخوض بإيجاد حل جذري للأزمات القائمة في المنطقة، رغم ان هذا المسار لا يعالج جذور مشكلة الصراع في سوريا، ولن يقود إلى الاستقرار والأمن وإنهاء معاناة السوريين، وتحقيق تطلعاتهم في نظام ديمقراطي تعددي، وهو ما دفع إلى دخول الصين على خطوط التسويات والتي يمكن تسميتها في هذه الظروف بالتسويات المرحلية أو المؤقتة، نتيجة غياب الدور الأمريكي أو الأوروبي.
لهذا فإن الانفتاح الحاصل بين تركيا من جهة والعديد من الدول منها مصر والسعودية وإسرائيل والنظام السوري، أي السعي التركي إلى سياسة تصفير المشاكل أو الخلافات مع العديد من الدول، كما أن التطبيع الجاري بين السعودية وإيران بوساطة صينية، والانفتاح الخليجي والمصري والتركي على النظام السوري يأتي في إطار هذه التسويات التي تقودها على الأغلب روسيا والصين انطلاقاً من الضغوطات التي تمارسها روسيا على أمريكا والدول الأوروبية».
يتابع شيخموس: «ان هذه التسويات أو ما يسمى بالتطبيع الجاري في المنطقة ينبع من الأزمات الداخلية التي تعانيها كل من هذه الدول، وماهي إلا فرصة لتصديرها نحو الخارج. ان الوضع السوري أو التطبيع مع نظامه هو محور هذه التسويات ولابد من الخوض في تفاصيل هذه التسويات حتى نتمكن من استيعاب كل ما يجري في المنطقة. في البداية لابد ان نوضح عدة نقاط مهمة تخص الثورة السورية أو الوضع السوري أو بالأحرى الزلزال السوري الذي غير الكثير من الأوضاع في الشرق الأوسط ومن أهم هذه النقاط:
– مرور أكثر من ١٢ عاماً على الثورة السورية دون أن تحقق أهدافها والنتائج الكارثية التي ترافقت معها والذي يشبه “الفشل “.
– المعارضة السورية بكل الوانها وتسمياتها لم تكن بمستوى ثورة الشعب السوري وتضحياته العظيمة من أجل حريته وكرامته. كما أن عسكرتها للثورة واسلمتها وقراءتها السطحية للوضع السوري والظروف الموضوعية لسوريا من حيث الجغرافيا والتعدد القومي والإثني.
– تشتُّت المعارضة بشكل كبير وتبعية معظمها للجهات الداعمة لها وعدم قدرتها على استقطاب مكونات الشعب السوري من خلال برنامج وطني جامع بديلاً للنظام القائم.
– معظم الأنظمة العربية والاسلامية في المنطقة لم تكن لها مصلحة في إنجاح الثورة السورية بل بالعكس تتقاطع مصالح هذه الانظمة مع النظام السوري في رفضها رغم الاختلافات الايديولوجية والسياسية بينها.
– ان كل الدول العربية التي تسعى إلى التطبيع مع النظام السوري تتحجج بإخراج إيران من سوريا وإعادة النظام السوري إلى الحظيرة العربية، ولكنها تعرف تماماً بان هذا النظام أصبح تابعاً كليا لإيران، ولا يمكن الفصل بينهما.
– الدول ليست جمعيات خيرية بل لها مصالح واجندات تدير سياساتها من خلال مصالحها.
ان هذه النقاط تؤكد أن كل المبادرات القائمة على الانفتاح أو التطبيع في المنطقة أن مع النظام السوري ليس بأمر غريب أو بالأحرى شيء طبيعي ونابع من مصالح هذه الأنظمة ودول المنطقة».
أما بخصوص اللقاءات التي حصلت بين السعودية وايران وبوساطة صينية، يضيف شيخموس: «ماهي إلا حصيلة أزمات كبيرة تجتاح الطرفين وخاصة في الشأن اليمني والذي سيكون التطبيع “ان حصل” بداية الحل في هذا الموضوع، الذي عجزت السعودية رغم كل هذه السنوات من إيجاد أي اختراق لحله، ولكن بالمقابل سيكون انفتاح على العزلة الإيرانية في المنطقة وأيضا بداية التطبيع السعودي مع النظام السوري.
بالنسبة لحكومة اردوغان في تركيا وانفتاحها على العديد من الدول تنبع من مصلحتها في تصفير مشاكلها مع دول المنطقة، وذلك بهدف العودة إلى الداخل التركي مواجهة المعارضة التركية في عملية الانتخابات المقررة إجراؤها في شهر أيار وخاصة ان هذه الانتخابات ستكون مصيرية بالنسبة لها، ولذلك ستعمل في ايجاد حلول جدية للمواضيع التي قد تساهم في انجاحها في الإنتخابات وخاصة مسألة التطبيع مع النظام السوري، وبالتالي موضوع اللاجئين السوريين.
إن روسيا لها مصلحة كبيرة في تحقيق التطبيع بين النظام السوري وتركيا، ولهذا تمارس ضغوطاً كبيرة على كل الأطراف في هذا المجال، وان اللقاءات المتكررة في موسكو بين روسيا وتركيا وإيران والنظام السوري ستصطدم بعقبة الشروط السورية، وأهمها انسحاب تركيا من الأراضي السورية، وتسعى روسيا من خلالها تحقيق أهدافها من عملية التطبيع منها تأهيل النظام السوري، وإعادة سيطرته على كل التراب السوري، والحفاظ على حليفه التركي في الانتخابات، وممارسة كل أشكال الضغوط على امريكا واوروبا تحدياً منها في مواجهتها في حربها مع اوكرانيا.
لكن حتى هذه اللحظة لم يحسم هذا الامر، ومن الصعب تحقيقه وذلك لأسباب عديدة منها:
⁃ الرفض الأمريكي والأوروبي لكل أشكال التطبيع مع النظام السوري من اي جهة كانت، وهذا ما تم إعلانه في مناسبات عديدة من خلال اللاءات الثلاثة مع النظام السوري.
⁃ لا يمكن لأمريكا القبول بتأهيل النظام السوري، وإعادة سيطرته على كامل التراب السوري دون ان يكون هناك حل سياسي جذري للوضع السوري بناءً لقرارات مجلس الامن ٢٢٥٤. كما انه لا يمكنها القبول بسياسات الأمر الواقع التي تمارسه روسيا، وبالتالي لا تقبل بالتخلي عن مناطق نفوذها.
⁃ النظام السوري نفسه يرفض التطبيع مع حكومة اردوغان والذي يعتبره محتلاً لبلاده، وذلك لمراهنته على نجاح المعارضة التركية في الانتخابات، ولذلك يلعب النظام على الوقت رغم كل الضغوطات الروسية التي تمارس عليه.
⁃ الشعب السوري الذي قدم كل هذه التضحيات وبعد كل هذه السنوات ان يقبل بعودة النظام السوري المسؤول عن كل الكوارث التي حلت بالشعب السوري، وكأن شيئاً لم يحصل».
في النهاية، يقول شيخموس: «لابد من القول إن أمريكا واضحة في مواقفها السياسية من النظام السوري ومن الجرائم التي ارتكبها بحق الشعب السوري وبحق المجتمع الدولي، ورضوخه الكامل لروسيا وإيران ومصالحها التي تتعارض مع المصالح الأمريكية في المنطقة، وان سوريا ستبقى مقسمة إلى مناطق نفوذ في هذه المرحلة. رغم عدم وجود أي شمعة تضيء في نهاية هذا النفق المظلم ولكن هذا الوضع لن يبقى إلى الأبد، لابد من إيجاد حل سياسي جذري للأزمة السورية يرضي الشعب السوري بكل مكوناته.
إن المعارضة السورية مدعوة إلى إجراء مراجعة شاملة لكل سياساتها وتحالفاتها وممارساتها على الارض، واستعادة ثقة الشعب السوري بها، والتي تعتبر المسؤولة المباشرة عن الخذلان التي لحق بها، والانفتاح على بعضها شريطة ان تكون مصلحة الشعب السوري فوق أي اعتبار، واسقاط كل الشخصيات والأطر التي راهنت على الأنظمة والدول وفقدت قرارها المستقل».
الاهتمام بالملف السوري في تراجع مستمر
تحدث عضو الهيئة السياسية للحزب يكيتي الكوردستاني – سوريا، فؤاد عليكو لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «منذ فترة ليست ببعيدة تشهد منطقة الشرق الأوسط تحركات سياسية بين دولها تختلف عما كان سائداً قبل عقد من الزمن، حيث كانت لغة التنافس الحاد على مناطق النفوذ والصراع البيني بين أطرافها هي السائدة، فقد كانت تركيا على خلاف كبير مع مصر ومعظم دول الخليج وإسرائيل وكذلك إيران كانت ولاتزال في صراع محتدم مع العديد من الدول العربية حول اليمن والعراق وسوريا ولبنان، لكن ومنذ أكثر من عامين اتخذت تركيا مساراً مختلفاً في سياستها، حيث سعت على إعادة النظر في علاقاتها مع هذه الدول باتجاه حل المشاكل العالقة بينها وبين هذه الدول، وبالفعل استطاعت بعودة هذه العلاقات إلى وضعها الطبيعي مع كل الدول التي ذكرناه، كما تسعى الآن في إعادة علاقاتها مع النظام السوري والتي هي أكثر تعقيداً من كل ما سبق وتحتاج إلى كثير من الوقت والجهد (سنعود لها لاحقاً).
أما إيران فالوضع أكثر تعقيداً من حيث هيمنة إيران على الدول العربية التي ذكرناه ومصادرة قرارها، وكذلك التدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج، لكن العقوبات الاقتصادية الدولية القاسية والاضطرابات الداخلية نتيجة تردّي الوضع الاقتصادي والسياسي والتهديد العسكري الاسرائيلي / الامريكي المستمر بشأن الملف النووي كل ذلك دفعتها إلى إعادة النظر في علاقاتها مع دول الخليج وخاصة السعودية، والتي كانت بدورها تعاني مباشرة من التدخل الإيراني في اليمن في دعمها المباشر للحوثيين، مما أثقلت كاهلها اقتصادياً وأمنياً ودفعتها للتدخل عسكرياً إلى جانب السلطة الشرعية، خوفاً من سيطرة الحوثيين على كامل اليمن، وبالتالي يصبح تهديد أمن الخليج من قبل إيران أكثر جدية وخطورة، إضافة إلى شعورها بالمرارة من حليفها الأمريكي في رفع صفة الإرهاب عن الحوثيين ووقوفها متفرجاً إلى حد كبير لما يعاني منه حليفهم (السعودية) من خلال التدخلات الإيرانية المستمرة، لذلك لم يكن غريباً أن تتجه السعودية باتجاه خصم أمريكا الرئيسي (الصين) في قبول المصالحة مع إيران والتي ستتصدر أزمة اليمن من أولى اولوياتها في هذا التفاهم بين الطرفين، وتأتي القضايا الأخرى مثل سوريا ولبنان في المرتبة الثانية، وقد يحصل نوع من التوافق بينهم حول ذلك».
يتابع عليكو: «من المؤسف القول إن أمريكا قامت وتقوم بإدارة الأزمة السورية منذ البدايات، ولم تقم بالضغط الضروري اللازم لتنفيذ القرارات الدولية، واكتفت بالمطالبة بالتنفيذ كنوع من رفع العتب لا أكثر، خاصة بعد أن سيطر التيار الإسلامي على الأرض، وأبعدت الفصائل التي كانت تؤمن بالتوجه الديمقراطي والدولة الوطنية بالقوة، وأخلت الساحة منهم، إضافة إلى بروز تيارات إسلامية متطرفة على نفس الساحة السورية المحررة من النظام كالنصرة وداعش وغيرهم، وعدم قيام التنظيمات الإسلامية الأخرى بمحاربتهم، كل ذلك دفعت بأمريكا وحلفائها إلى التخلي عن غرف الدعم العسكري في الشمال والجنوب (موم وموك)، وحددت استراتيجيتها بعد ذلك في محاربة منظمة داعش الإرهابية اضافة إلى تحجيم دور إيران في سوريا تلبية لرغبة اسرائيلية، لذلك توجهت بسياستها في سوريا إلى التفاهم مع الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي (ypg) الموالي لـ pkk والتي سميت فيما بعد وبناء على طلب أمريكا بقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وهذا ما أدخلها في اشكالية كبيرة مع حليفها التاريخي (تركيا) والتي لاتزال قائمة حتى اليوم، علماً أن حزب pkk مصنّفة كمنظمة إرهابية أوروبياً وأمريكياً أيضاً، لكن أمريكا تقول ان pyd يختلف عن pkk وليست تابعاً لها كما تقول تركيا. كل هذه التطورات التي حصلت على الأرض أدت إلى تراجع الاهتمام الأمريكي بالملف السوري وأولوية تغيير النظام كما تريدها المعارضة، واكتفت بالمطالبة بتغيير سلوكه، لذلك اكتفت في محاربة النظام في الجانب الاقتصادي، وذلك بإصدار العقوبات بحق النظام على أمل حصول نوع من الضغط عليه في قبول القرارات الدولية، خاصة القرار 2254 كمعالجة شاملة للازمة السورية. في المقابل أدرك النظام جوهر الاستراتيجية الأمريكية في سوريا، لذلك تجاهل كل الدعوات الدولية في تفعيل القرار الدولي المعني بالأزمة، ولجأت إلى البحث عن مصادر غير شرعية للتمويل، فكانت معامل الكبتاكون للمخدرات الطريق الأسهل والتهديد من خلالها دول المنطقة وأوروبا بإغراقها بالمخدرات، وهذا ما دفعت بأمريكا إلى إصدار عقوبات أخرى بحق النظام حول ذلك.
بالنسبة لدول المنطقة فقد وجدت أن الحل لا يكمن في اصدار مزيد من العقوبات لأنها لا تؤدي في المحصلة إلى معالجة الأزمة، كما أن المعارضة فشلت في إحداث التغيير المطلوب رغم الدعم الكبير لها، لذلك رأت بأن عودة العلاقات مع النظام هو الخيار الأنسب لهم في تحجيم دور إيران في سوريا.
يضيف عليكو: «من خلال ما تقدم نلاحظ أن الاهتمام بالملف السوري تراجع كثيراً إلى الخلف، وبات الجميع مقتنعاً أن استعادة العلاقات مع النظام قد يكون الخيار الأنسب لهم، خاصة وأن معظم الدول الداعمة للمعارضة لم تكن ترغب أن تشهد سوريا تحولات سياسية حقيقية باتجاه الديمقراطية بقدر ما كان يهمها إبعاد سوريا عن إيران، ومن خلالها عن لبنان، لذلك لجأت إلى مجاراة النظام أملاً في الحد من النفوذ الإيراني وتمدده، وهذا ما تقوم به الأردن حالياً من خلال طرح مشاريع للتسوية مع النظام وعودته للحاضنة العربية. لكن الوضع مختلف وأكثر تعقيداً بالنسبة لتركيا من حيث عودة العلاقات بينهما، وذلك لوجود ثلاثة اعتبارات اساسية منها:
– وجود أكثر من ثلاثة ونصف مليون لاجئ سوري في تركيا مما يسبب كلفاً اقتصادياً كبيراً على الاقتصاد التركي، وتحولت إلى ورقة ضغط قوي للمعارضة في مواجهة حزب العدالة والتنمية.
– وجود قوة عسكرية تركية كبيرة على الأرض، بالتالي لا يمكن استعادة العلاقة الطبيعية مع النظام دون انسحاب قواتها، كما أن انسحاب القوات التركية دون الاتفاق مع المعارضة سيتسبب بحرب كبيرة بين النظام والمعارضة، وهذا ما يسبب بمزيد من الهجرة إلى تركيا وهذا ما لا تتحمله تركيا مطلقاً.
– السبب الثالث وجود قوات (قسد) على حدودها وهي محمية امريكياً ولا يستطيع النظام اخراجهم أو إنهاء دورهم حتى إذا رغب في ذلك، وهذا يعتبر شرطاً تركياً لأي انسحاب عسكري من سوريا.
من خلال ما تقدم نجد أن التفاهم التركي مع النظام لا يتعدى سوى إلى تبريد الجبهات، وإرغام المعارضة على الانسحاب من الطريق الدولي الواصل بين حلب واللاذقية، وفتح بعض المعابر لأغراض تجارية بانتظار الحل الشامل للازمة السورية والتي لا بوادر لها في الأفق المنظور ولا حل دون موافقة أمريكا مهما طال الزمن».
طبيعة النظام السوري المتعجرف حجرة عثرة أمام أي حل
تحدث المستشار القانوني، موسى موسى لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «منذ الحرب الروسية الأوكرانية أصبح العالم في تسارع سياسي ودبلوماسي وكأن هناك انفجار ما سيحدث إذا ما لم ينزع فتيله، وبالمقابل يمكننا القول إن الحرب الروسية الاوكرانية هي كانت نتيجة للتسارع السياسي الذي أشرنا إليه، فهرولة الأنظمة العربية باتجاه النظام السوري لإعادته إلى حاضنته العربية يأخذ بعداً استنجادياً، وليس لإطفاء ناره الملتهب على الشعب بقصد إطفائه، وإنما تأدية لخدمة بالنيابة ربما مقدمة للاتفاقات الإقليمية التي يجري العمل على عقدها، وكذلك تجنباً لنار غضبه عليهم، ولا ننسى منذ بداية توريثه كيف وصف الرؤساء والحكام والملوك العرب بأنصاف الرجال، ونفس المنحى الذي اتخذه الرئيس التركي في الاستنجاد الذي وصل إلى حد الاستذلال لجلوسه مع رأس النظام السوري كان في جانب منه لخدمة إعادة انتخابه، والروس وإيران اللتان لم تتركا حراستهما لغرفة نومه ليستغرق هنيئاً في أحلامه، كل هذا لم يأتِ من فراغ، ولا من قوة رأس النظام أو قوة حلفائه، وإنما من المهمة التي أولتها له الجار الغربي لنظامه الذي يجعل الجميع خادماً وحامياً له وعلى رأسهم أمريكا التي استطاعت أن تغيّر نظامه خلال ليلة وضحاها في أكثر من فرصة مؤاتية لكنها أحجمت القيام عن ذلك. وقد شهدت المنطقة تحركاً صينياً على حساب التراجع الامريكي في المنطقة، ما يشير بأن للمنطقة دوراً فاعلاً في الانفجار العالمي أو الاقليمي سلباً أم إيجاباً، ولهذا يأتي ترتيب الأوضاع والتموضع الجديد للقوة في مواجهة القنبلة المعدة للانفجار».
يتابع موسى: «عندما يُعلن بشكل مفاجئ بيان سعودي – إيراني بوساطة صينية، تكثر الأسئلة التي لا تجد لها جواباً على الأقل في الوقت الحالي، ويبقى الزمن هو الكفيل بتبديد الكثير من الشكوك التي تحوم حول الاتفاق ومدى التزام الطرف الإيراني به، فإيران هي الدولة التي لا يثق بها في وعودها، كما انها لا تراعي الالتزام بقواعد القانون الدولي في احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤون الدول وتصدير الثورة إلى خارج حدودها، كما ان هذا الاتفاق في حال تطبيقه من شأنه أن يغير المنطقة برمتها ويضع أسس السلام في أكثر المناطق سخونة في الشرق الاوسط، وتعود بعض الدول إلى حياتها الدولية الطبيعة كاليمن وسوريا ولبنان والعراق، وتعيش شعوبها حياتها بشيء من الحرية التي اختطفتها إيران مباشرة أو بأيدي عملائها في المنطقة، وبغضّ النظر عن الشكوك حول صفاء النوايا في تنفيذ الاتفاق، فإن جواً عاماً يسود في المنطقة بوجوب ايجاد بديل واتباع سياسة ناجعة عوضاً عن سياسة الانقطاع بين الدول وإغراق المنطقة في الأزمات الساخنة واستنزاف الطاقات دون نتيجة، وإدارة سيدة العالم (أمريكا) ظهرها للكثير من الملفات وتركها دون حل، وإنما زيادة الطين بلة، والاستفادة من الدور الصيني في العلاقات الدولية وخاصة في الشرق الاوسط وتدخلها الإيجابي في حل النزاعات الدولية والإقليمية بعد أن كانت سياستها طوال الفترة الماضية تعتمد على العلاقات الاقتصادية وحدها.
في خضم هذه التموضعات السياسية والتجارية الجديدة من المفترض أن يكون لسوريا نصيب للحل السياسي، مَثَلُها في ذلك مَثَلُ لبنان والعراق واليمن، هذا إذا ما كُتِبَ للاتفاق السعودي الإيراني النجاح وعدم مناورة والتفاف إيران على الخطوط العريضة للاتفاق وعودة طبيعية للعلاقات الدبلوماسية المعلن عنها في اتفاق العاشر من آذار برعاية صينية في بكين بعد جولات عدة غير مثمرة في كل من بغداد وسلطنة عُمان، ومع هذا يبقى طبيعة النظام السوري المتعجرف حجرة عثرة أمام أي حل لا يضمن بقاءه للأبد».
يضيف موسى: «منذ بداية الاحتجاجات في سوريا قدمت جامعة الدول العربية أكثر من مبادرة للحل السياسي كانت أولها في أواخر ٢٠١١، لكنها جوبهت بالرفض الأمريكي إلى أن وصلت الحال إلى ما عليه، إضافة إلى عدم تقديم أمريكا بديلاً عن المبادرات المقدمة، كما جوبهت مبادرة ملك الأردن عبدالله الثاني قبل عام من الآن أيضاً بالرفض الأمريكي، وما بين المبادرتين كان الرفض الأمريكي حاضراً في كل جزئية للحلول المقدمة من هنا وهناك ناهيك عن التهديد والوعيد لكل من يحاول التطبيع مع النظام، لكن المؤشرات تشير إلى تحرك دولي وخاصة عربي وإقليمي واسع نحو تطبيع أقلّه جزئي دون أن يكون لأمريكا بصمة فيه، وإنما للصين التي رعت الاتفاق السعودي الإيراني، كذلك روسيا التي كانت طرفاً مشاركاً في الاجتماع مع نواب وزراء خارجية كل من تركيا وايران وسوريا في موسكو قبل يومين لترتيب اللقاء بين وزراء خارجية الدول المعنية لدفع عملية التطبيع التركي السوري.
ما يؤخذ على أمريكا التي ترى نفسها سيدة العالم أنها لا تريد حلولاً لأية مشكلة أو نزاع في الشرق الاوسط، أو أنها لا ترى أفقاً للحلول بما يرضي كافة الاطراف وبالتساوي ولا ترضى بما يقدمه الآخرين من مبادرات للحلول، لذلك نرى تململاً إقليمياً من دورها في أزمات المنطقة».
يشير موسى: «إلى ان مسألة إزالة النظام أو تغييره بالقوة ليس معلناً عنه في أجندات الدول حالياً، لذلك رأت بعض الدول العربية بأنه لابد من تحرك يعيد سوريا إلى حاضنتها العربية واحتوائها وعدم ترك النظام منفلتاً على موائد الآخرين على أن يقبل ببعض الشروط التي ترى بأنها لصالح الشعب السوري،
ففي التاسع عشر من فبراير/ شباط الحالي، أدلى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود بتصريحات قال فيها إن “إجماعاً بدأ يتشكل في العالم العربي على عدم جدوى عزل النظام السوري، وإن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما حتى تتسنى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية بما في ذلك عودة اللاجئين”، وفق قوله.
وسبق أن زار وزير الخارجية الأردني دمشق، كما زارها وفد برلماني عربي وأعقبه وزير الخارجية المصري، هذا كله بعد زيارة بشار الاسد لسلطنة عُمان في منتصف شهر شباط وبعدها تتالت هذه الزيارات إلى دمشق، وأعقبها زيارة وزير الخارجية السوري إلى مصر، وعلى الدول العربية أن لا تتقدم على مخاطرة احتواء بشار ونظامه دون قبوله ببعض الشروط التي ترقى إلى حجم الكارثة التي تعيد للسوريين كرامتهم وحقوقهم».
تناقض واضح بين التصريحات الأمريكية وما يحدث في الشرق الأوسط!!
تحدث الكاتب عبدالحكيم محمد لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «لا يخفى على أحد أنّ التعامل الدولي مع الأزمة السورية يتسم بالانقسام في اختلاف المواقف بين دول متعاطفة مع المعارضة وأخرى مؤيدة للنظام والحفاظ عليه كما هو عليه، حيث كانت ومازالت الدول الداعمة للمعارضة بخيلة في الدعم والمساندة إلا في أمور بسيطة لا ترتقي إلى ما تقدمها الدول المؤيدة للنظام من دعم عسكري وسياسي واقتصادي، فقد اقتصر دعم الدول للمعارضة في الإعلام والقليل من الدعم السياسي المشروط – عملياً ونظرياً- بالإضافة إلى دعم مادي بسيط ومحدود، كما ان المصالح الدولية طغت على مصلحة الشعب السوري في الاستقرار والعيش الكريم بعيداً عن القتل والتدمير والاعتقالات التعسفية والهجرة القسرية، ففي كلا الطرفين هناك مصالح دولية من قبل المؤيدة للنظام والمتعاطفة مع المعارضة، كما انّ هناك خلافات سياسية بعيدة بين الطرفين وطموحات سلطوية اقتصادية وقطبية القوى، وهذا سبب رئيسي لعدم حلّ الأزمة السورية والبقاء عليها متوترة وغير مستقرة إلى يومنا هذا، والانقسام الداخلي للمعارضة، وأيضاً للنظام لهما أثر كبير على إطالة الأزمة وعدم القدرة على تحليل سياسي مستقبلي لهذه الازمة. والتدخل الأمريكي والروسي المباشر في الأزمة السورية والأراضي السورية، حيث تم تقسيم الكعكة بينهما، بالإضافة إلى التدخل الإيراني وأعوانه كحزب الله اللبناني السافر والمباشر في كل ما يحدث في سوريا ومشاركتها في القتل والتنكيل بالشعب السوري، لذلك هناك سيناريوهات كثيرة محتملة في الساحة السورية، ومنها توجه الدولة السورية إلى التفكك والتشرذم والانقسام الداخلي وظهور أقاليم أو إدارات محلية شبه ذاتية أو شبه مستقلة ومن ضمنها إقليم يمثل الشمال الشرقي لسوريا كما يحدث الآن في المنطقة، ولكن ستختلف قليلاً عنها حيث ستكون إدارة كوردية عملياً وإدارة تشمل جميع الطوائف نظرياً بشكل متطور، ويتوفر فيها استقرار نسبي، وأيضاً هناك سيناريو آخر وهو القيام بتسوية سياسية للدولة السورية بعد تيقن الدول المتصارعة بعدم قدرتها على حل الأزمة السورية وحسم الامور لصالح أي دولة منهم، أو ستبقى سوريا في هذه الحالة بالحرب والسلم المؤقت واستمرار الازمة لعدة سنوات وهذا ما يحدث في الوقت الراهن».
يتابع محمد: «ما يتعلق بالتقارب السعودي السوري يبرز لنا سؤال جوهري وهو التقارب أو انعكاس الاتفاق الإيراني السعودي بوساطة صينية على جميع الأزمات في الشرق الاوسط وبشكل خاص في سوريا ولبنان واليمن والعراق، من خلال تدخلها المباشر بكل قوة عسكرية وسياسية واقتصادية في هذه الدول، حيث انشغال الروس في حربهم مع الأوكرانيين وبنفس الوقت انشغال الأمريكان بهذه الحرب الروسية الأوكرانية، وايضا وترقبها للأوضاع في جنوب شرق آسيا والشرق الأقصى، ولكن لا يمكن أن يحدث كل هذا من اتفاقات وتقاربات بين إيران والسعودية والسعودية مع سوريا بدون علم الأمريكان ودون إعاز منهم، وربما يكون هناك اتفاق أمريكي إيراني مضمر حول الاتفاق النووي لذلك سمحت بهذه التقاربات، وهناك شبه اجماع بين الدول العربية في التقارب مع الدولة السورية وفتح سفارات وقنصليات لها في سوريا بعد مرور إحدى عشرة سنة من النفور والبعد عنها، وبذلك سيكون هناك ايضا تقارب سوري مع الجامعة العربية في المستقبل المنظور وإعادة الدولة السورية إلى الحضن العربي، وهناك تطبيع براغماتي أيضا من قبل بعض الدول العربية بعد سيطرة النظام على مناطق واسعة من سوريا وإعادتها إلى حضن الدولة السورية (النظام القائم)، بالتالي جميع السياسات العربية والدولية تهدف إلى المصالح السياسية المشتركة والخاصة فيما بينها، وليس هناك تعاطف من قبل أيٍّ منهم نحو الشعب المضطهد، والذي يعاني جميع أنواع العذاب النفسي والجسدي والفكري تحت كل هذه الضغوطات الدولية والإقليمية وخاصة الإنهيار الاقتصادي للدولة السورية وتفاقم الوضع المعيشي والغلاء والفقر الذي إجتاح الشعب السوري بكل أطيافه وطبقاته».
يضيف محمد: «نعم، هناك تناقض واضح بين التصريحات الأمريكية وما يحدث على الأرض من تقاربات عربية مع الدولة السورية، ولكن نحن نعلم جيداً أن السياسة الأمريكية ومنذ البداية تتسم بالغموض ولا يعلم بها أحد وتتغير مواقفها وممارساتها من حينٍ إلى آخر، فهي تمارس سياسة تكتيكية بالتعامل مع الأزمة السورية ظاهرياً، ولكن لديها سياسة استراتيجية مخفية وغير واضحة أو غير معلنة للعالم».
يعتقد محمد: «أنّ التطبيع العربي مع النظام السوري يأتي بعد حدوث الزلزال الكبير الذي حدث في سوريا في 6 شباط الماضي، لذلك يتوجه هذا التقارب إلى مفهوم إنساني أكثر منه سياسي، ولا يمكن النظر إلى هذا التطبيع دون ربطه بتطبيع العربي الاسرائيلي. ولذلك أتى التطبيع التركي أيضا ولكن بشروط تعجيزية من قبل النظام، لهذا لن يحدث تطبيع تركي سوري بهذا الشكل وبهذه الشروط، ولكن سنرى هناك تقاربات عربية أخرى مع سوريا وإيران في نفس الوقت بشكل خفيف ربما، وربما نرى عكس ما يحدث أي أن التطبيع مع النظام صعب ومستبعد وهناك عوائق كثيرة للتطبيع والتقارب».
يشير محمد: «إلى أن هذه التقاربات قد تكون لصالح الدولة السورية اقتصادياً وسياسياً، ولن تكون لصالح المعارضة التي تستهدف اسقاط النظام القائم، كما أن انقسام المعارضة على نفسها وتحولها إلى أجندات سياسية وعسكرية للدول الإقليمية جعلت من الدول الداعمة لها والعربية بشكل خاص تنفر منها وتبتعد تدريجيًا عنها وأيضاً ابتعاد تركيا عنها، حيث كان لتركيا الدور والتأثير الأكبر في هذه الأزمة، وهي كان السبب الرئيسي لإطالة الأزمة وتحولها إلى أزمة دولية وإقليمية، وتشتت الشعب السوري ومعاناته في الخيم والكتل العسكرية العنصرية وذات تصرف وممارسات إرهابية خاصة في المناطق الكوردية أي في غربي كوردستان.
هناك أثر كبير للتوافقات الأمريكية الروسية في الاستمرار في التطبيع مع سوريا والنظام القائم في كلا الحالتين السلبية أو الإيجابية، ولكن ستظل أمريكا تتحرك باتجاه سوريا ضمن أسس وقواعد حددتها هي من خلال العقوبات الاقتصادية وفرض الحصار عليها رغم التقارب والتطبيع العربي الذي يأتي من التقارب الروسي والاسرائيلي والإيراني والعربي في آن واحد. فهل سنجد تغيرات وتحولات في الوضع السوري؟ سؤال يطرح نفسه منذ أكثر من عقدٍ من الزمن، وسيظل يطرح إلى أن نجد الجواب الصريح والواضح من خلال الممارسات الدولية والإقليمية».
النظام السوري يستغل أدق التفاصيل على حساب السوريين
تحدث الكاتب والسياسي محمود مصطفى لصحيفة «كوردستان»، بالقول: «عندما تبحث!! عن مقدمة لكتابة مقالة ما أو لتحليل تعونن فيه الحياة السياسية في سوريا منذ العام 1963، أو ان تبحث لإيجاد مدخل ما لقراءة ووصف المقتلة السورية والازمة التي عصفت بالبلاد في بدايات 2011، تبقى حائراً وعاجزاً من أين تبدأ؟ وكيف تلخص كل تلك الاحداث والمصالح السياسية والاقتصادية والدينية محليا واقليميا ودوليا؟، لكن أشدها وضوحاً والتي تفرض نفسها على الحدث السياسي لإتخاذها مقدمة، ان الاسد الأب اسس دولة أجمعت على احترام المصالح بين القوى الدولية والمصالح السياسية بينها، ووافق بينها كلها على الجغرافية السورية ضمن إطار إحترام حدود عام 1967. إلى جانب زراعة شبكة من الأحزاب والتنظيمات في الدول الإقليمية للرد على أنظمتها بالمثل ان بدر من إحداها أي خطر.
كل ما مر به نظام الحكم في دمشق خلال 12 عاماً كفيل بإسقاط أي نظام حكم أو دولة في العالم، لكن ما يفرض نفسه بقوة على الحالة السورية واتخاذه سؤالاً جوهرياً لماذا صمد النظام؟ هو القول إن سوء الكثير من المعارضة وضعني على منبر المقارنة بينها وبين نظام أجرم بحق الكُرد 63 جريمة ضد الإنسانية، وذِكر هذا ليس إلا إيجاد مدخل آخر إلى ما سنتكلم فيه لاحقا، فكما ان المواطن السوري (مثلي) يهمه برنامج وسلوك المعارضة، أيضًا الدول العظمى والإقليمية تهمها وبشكل مختلف وبعيون عشرة، بالمقارنة فالمصالح الدولية والإقليمية أعمق وتحتل الافضلية استراتيجياً فهي تختص اكثر في حالات الاستقرار بين الدول، كيف وسوريا قابعة على مساحة جغرافية فريدة سياسياً ودينياً، وآخرها اقتصادياً، والتوازنات سيدة الموقف بالعودة إلى ما ذِكر في المقدمة والدولة التي أسسها الأسد الأب. ربما يستغرب القارئ والمتابع للشأن السوري وبعد كل ما حدث من قتل وتهجير وتغيير ديمغرافي، وهدم للبنى التحتية حرفياً، وفي عصر أصبح فيه العالم شريحة صغيرة، بمعنى ان العالم كله عاصر الجرائم التي ارتكبت في سوريا من أقصاها إلى أقصاها، لكنهم اليوم يبحثون عن مخرجات لهذه الأزمة، فنسمع بمبادرة تطرح هنا وأخرى هناك. ولعل أولى المبادرات طرحت في الاستانا وسوتشي، هناك حيث تم النطق بحكم الإعدام على جنيف ومقرراتها، بمعنى أوضح ان أول تغيير حدث على الساحة السورية كانت إستدارة تركيا وحليفتها قطر التي تعادي النظام في المملكة العربية السعودية، ولهذا ترى الدوحة داعمة للإخوان لإيجاد توازن بين شبه جزيرة الكيان القطري وشبه جزيرة العرب، ولابد لنا العودة هنا إلى تنبيه المعارضة أنها اصبحت ورقة تخدم الأمن القومي التركي كما تدّعي أنقرة فقط، وأي كلام خارج هذا الإطار إنما استهتار بتضحيات الشعب السوري وعمليات تجارية».
يتابع مصطفى: «طبعاً لتوضيح هذه الزاوية أكثر لابد من ربط اجتماعات سوتشي واستانا بورقة الأحزاب التي حركتها دمشق كما ذكرت في المقدمة، والتي استخدمها نظام الحكم في دمشق ضد الجارة تركيا عندما أحسّ بخطرها، من هنا تستطيعون تسليط الضوء على زاوية صغيرة لدولة أسسها الأسد الأب. وحينما نذكر المبادرات التي تخص سوريا لابد لنا أن نعرج قليلا إلى المبادرة التي أطلقتها المملكة الأردنية الهاشمية وبمباركة بريطانيا، لا لدفع الأطراف إلى إيجاد حلول وفق مسارات تحقيق الاستقرار بين المتحاربين، بقدر أنها كانت مبادرة داعمة لتثبيت أركان الحكم في دمشق ومن خلف الكواليس واشنطن، التي وافقت بشروط مرور الغاز العربي الإسرائيلي عبر سوريا إلى المتوسط، مقابل إسقاط مقررات جنيف، وتخفيف التواجد الإيراني في سوريا، أو على الأقل في الجبهة الجنوبية على حدود إسرائيل، هذه نستطيع تسميتها بالمبادرة البريطانية بعد أن تأكدت ان زعزعة استقرار الحكم في سوريا إنما تهديد واضح لنظام الحكم في الأردن، وبالتالي زعزعة أمن دولة إسرائيل من خلال فتح النار على أطول الجبهات على حدودها الشرقية. من هنا نستطيع ان نضع عنواناً عريضًا لهذه المبادرة على انها مبادرة إنقاذ نظام الحكم في الأردن وإنقاذ أمن دولة إسرائيل، لا مبادرة إيجاد مسار للحل في سوريا، خصوصًا بعد إعادة رفاة جنديين إسرائيليين قبل أربع سنوات من الآن عبر وادي اليرموك. ملاحظة تفرض نفسها ها هنا: ان نقل الغاز العربي الإسرائيلي عبر سوريا إلى دول المتوسط (قبرص اليونانية) جاء بعد دخول تركيا بمؤازرة مرتزقة سوريا إلى ليبيا عسكريًا، وعقدت إتفاقيات أمن بحرية مع جانب الليبي غير الشرعي. هكذا إتفاقات أغلقت الطريق أمام مد إنبوب الغاز من مصر إلى الجانب الأوروبي، ومن هنا نرى أن النظام يستغل أدق التفاصيل حتى على حساب حليفتها روسيا هذه المرة».
يضيف مصطفى: «كثيرة هي المبادرات التي طرحت لإيجاد حل في سوريا، وربما كانت آخرها المبادرة العربية التي قدمتها الإمارات العربية المتحدة بعد توسط من سلطنة عمان ومباركة إسرائيلية وترحيب سوري. اضطرت الإمارات العربية أن تنأى بنفسها عن أي صراع عسكري في المنطقة، وأخص الذكر بعد وصول المسيرات اليمنية (الحوثية) إلى أراضيها ومنشآتها النفطية، وكانت تلك الضربة رسالة مباشرة من محور إيران إلى اقتصاد دبي. حرب اليمن اصبح مكلفة عسكرياً ولوجستياً على المملكة العربية السعودية والإمارات العربية والسودان وبعض الوحدات العسكرية المصرية في ظل وجود أمير يريد منافسة دبي على التجارة العالمية. كتبت بتاريخ 27 مارس 2015 عند إقلاع أول طائرة حربية سعودية لقصف أهداف في اليمن، هل نبارك للأسد ولاية ثانية، وان الحوار انتهى في الجبهة الجنوبية (اليمن) وبدأت الحرب في جبهتها الشمالية، والتفاوض على المحافظات العراقية السنية، وتعيين رئيس للبنان، والدخول في التفاوض مع الجانب التركي للضغط على الملف النووي الإيراني، وإيقاف الدعم التركي (الدولة السنية) لجماعة الحوثي الشيعية عبر سفارتها الحديثة العهد في جيبوتي، مقابل إيقاف الدول العربية المعنية لبعض الجهات السورية والتي ترى تركيا انها تهديد لأمنها القومي. سمو الأمير محمد بن سلمان رجل مرحلة التنوير واطلاق الحريات، يريد الوصول بالمملكة إلى مصافي الدول المتقدمة، وبناء بنية تحتية سياحية، واطلاق التنمية في كافة المجالات، ولكن ليس على حساب الملف النووي الإيراني، وهذا يصطدم بالمصالح الإماراتية، وجانب مهم نستطيع الاستناد عليه ان هذه المباردة ستفشل وبجهود إماراتية من خلف الكواليس، فهي تريد استدامة حرب اليمن لاستنزاف الموارد السعودية، من أجل استفرادها بالتجارة والسياحة العالمية لأنها على يقين بإمكانيات المملكة السعودية الضخمة وإمتلاكها لسواحل لو تدخل الخدمة جعلت من دبي قرية. وهذا أيضاً في صالح نظام الحكم في دمشق، ونرى بالمحصلة ان النظام الذي أسسه الأسد الأب راوغ على أدق التفاصل والجزئيات السياسية إقليميا، وسار بتركيا إلى حيث يريد هو وسخر إيران مقابل فتات».
يُلخص مصطفى: «ان أية مبادرة قدمت كانت أنقرة جزءاً منها والعامل الوحيد المشترك فيها جميعها لتقديم الاعتذار لدمشق وتقديم أفضل الخدمات، وانه لولا الاستدارة التركية ما كان الوضع السوري قائمًا على هذا النحو اليوم. بالنسبة للمتابع الكُردي فإن أكثر المواقف وضوحًا هو الموقف الأمريكي، وهي التي تخلط الأوراق إقليمياً إلى اللحظة، دون وصولهم جميعا إلى صيغة طردها من المنطقة وسحق حلفائها في 6 ساعات، علينا ان لا نتكابر على حجم القوة المعادية للقضية الكُردية، ونتكلم بوضوح حول الدور المبهم للقيادات الكُردية في سوريا. وبقراءة متواضعة أرى بأن أي تقارب ووحدة كُردية تحت المظلة الأمريكية لا يعني إلا إيجاد مخرج وحل أولي للأزمة السورية، وأولى الخطوات للتقارب بين كافة مكونات الشعب السوري، التقاء المصالح الأمريكية مع الجانب الكُردي هي من تبطؤ وتأخر التفاهمات الأمنية الإقليمية المحيطة بسوريا، وبالتالي الدخول في مرحلة إعادة تأهيل النظام بشكل رسمي ودولي معلن. أما رأيِّ الشخصي لإختيار أفضل تلك المبادرات انصح بمراجعة ما طرحه الشيخ معاذ الخطيب الرئيس الاسبق للائتلاف، والتي طمرت بأيادي المعارضة (الإخوان) التي تحكم المدن الكُردية الغير محررة، وختاما لا أمل في إيجاد أي حلول تلوح في الأفق للأزمة في سوريا، بدليل ان جميع الدول الإقليمية وصلت لمرحلة اللاعودة أمنيا، وان لجنة صياغة الدستور المشكّلة في سوريا لم تضف حرفا واحدا منذ تأسيسها».