روماف – رأي
كانت القُبّرةُ تغني بحزنٍ متزن لفراخها الذين أفترشوا حقول نسيبين الجنوبية حيث نثرت بعد أمطار الربيع، مجموعات من البابونج الخجول المبتسم ، داس أحد المخططين بحذائه السيفتي الغليظ على أحد الأعشاش مصدراً جلبة للطيور الصغيرة ، معلناً عن مجزرة لن يحاسبه عليها أحد ، سوى شتائم القبرات العجائز ، اللاتي وقفت عاجزة عن أي دفاع ،
كانت الأسلاك الشائكة تُفرش على عجل ، لتمزق قلب سهل ماردين الوثير بالحياة ، فبترت الشرايين الخضراء ، وكُم الفاهُ الكوردي ولقن التركية شمالاً والعربية جنوباً ، بأذنٍ من المأمور الفرنسي ، الكومندان المتعجرف الذي لم يراع حرمة لشعب أصيل هنا ، هنا الساعة تشير إلى أحدى الصباحات الربيعية سنة ١٩٢٣ م ..!!
كان حمو الفلاح الكوردي البسيط يقف جنوباً حيث تجمهر أطفاله من حوله وسط سنابل القمح التي زرعها في الشتاء مع أخيه رشو الذي أنتصب شمالاً برفقة زوجته نازلي المحاطة باطفالها الخمسة الذين كانوا يلوحون لأبناء عمهم بفرح شديد وراء الأسلاك المحدثة دون أن يدركوا ما يحدث الآن ، اقتربت هلز الأبنة الصغرى لحمو ، لمست سلكاً شائكاً فهاجت الدماء من أصبعها الصغير وسقطت بعض القطرات على الأرض ، قطرة هنا وقطرة هناك …!!
ومنذ ذلك العهد تلونت الحدود بدماء الأبرياء ، فيما كان الأخوين يذرفان الدموع لأنقطاع أليم وطويل ،
ولا تزال مجموعات البابونج تشهد على ذلك .
رائد محمد .. ٢٠٢٣م .