روماف – ثقافة
ذاك الذي قال لي يوماَ أنت فاشل، قالها قبل سنوات، كرهته حينها كثيراً، اليوم أحبه وأبلغه حبي أينما كان، ذاك الذي قال لي أنت فاشل، قد يكون اليوم واحداً من ألاف المهاجرين إلى بلاد الفرنجة, يركض منذ الصباح إلى مدرسة تعلم اللغة بعد تجاوزه منتصف العمر، أو ينتظر القطار على مقعد من مقاعد المحطة للحاق بالعمل، أو قد يكون سكرتيراً لحزب ما في الوطن يخرط الشعارات البائسة وهو جالس في مكتبة مزينة بالأعلام والصور،
يبثها عبر القنوات الأخبارية الرمادية بأبتسامة ساخرة ورزاز الدم تغطي شواربه المصبوغة بلون الليل، أو قد يكون رئيساً لأتحاد من اتحادات الكتاب والمثقفين الخاوية،أو قد يكون طبيباً له عيادة مكتظة بالمراجعين القانطين المفلسين، وشهادته تزين الحائط الخلفي للعيادة، تلك الشهادة التي حصل عليها بمنحة دراسية من أحدى الأحزاب الثورية، أو من عشرين علامة منحته السلطة بعد اشتراكه بدورة مظلية، ولا ننسى بأنه قد يكون من الذين ركبوا الموجة بعد طوفان الدمار والحرب القذرة فأصبح تاجرا يحسب له ألف حساب، من القيادات والأحزاب والعشائر وتفتح دونه كل الأبواب.
أعتذر منه أشد اعتزار وأقول له: نعم أنا فاشل وقد لا يكفي كلمة فاشل، نعم عزيزي أنتَ وصلت وأنا مازلت كما أنا ولم أصل رغم محاولاتي الكثيرة للوصول، كان ينقصني الكثير عزيزي، لأنني لم أحصل على ما يكفي من فنون النفاق ولم أتقن سحر التصفيق ولا الإلمام بنسج الشعارات.
نعم عزيزي فشلت لأنني لم امتلك شيئاً لشراء أصبغة ملونة، أصتبغ بها للتلائم مع الأجواء والطقس وهذا طبيعي، فالألوان تجذب الجماهير. اللون ساحر، اللون تميّز، اللون يبهر العيون ويدخل القلوب، لون الدولار جذاب واليورو يا ويلي شو أخاذ، لهذا كان اللون منتصرا دوماَ وعبر التاريخ كله. و لهذا الثابت اندثر كالرماد في مهب الرياح ولم يبقى لي سوى مرافقة الرياح ، كي لا تُتابعَ مَسيرتَها وحيدة !