روماف – رأي
معروف أن العديد من الخطط العسكرية والسياسية يتم التمهيد لها مسبقا، عن طريق نشر شرارة إعلامية، كمقال أو خبر تنشره صحيفة مشهورة، لتفاقم من زوبعة الصراع قبل البدء بحرب ميدانية، وهو ما تم قبل حرب روسيا وأوكرانيا.
فما نشرته الصحيفة الأمريكية (فورين بوليسي) اليوم من التهويل وتضخيم غير معقول، حول قوة حزب الله العسكرية، وعلى أنها أقوى بكثير من حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وتملك أسلحة متطورة وكميات هائلة من الصواريخ (قرابة المليون صاروخ، وهو عدد لا تملكه الدول الأكثر تطورا في العالم) ولتضخيمها تم التنويه على أنه بينها صواريخ روسية، ومستودعات ضخمة للذخيرة، وشبكة واسعة من الأنفاق تحت الأرض في معظم أجزاء الجنوب اللبناني أوسع وأفضل تقنية مما كانت تملكه حماس (وبالمناسبة نفس العقول التي دفعت بحماس وحزب الله على بناء الأنفاق دفعت بقوى الإدارة الذاتية في غرب كوردستان لبناء مماثل والكل يعلم، وقد نوهنا مرارا لسذاجة هذا المشروع الدفاعي وطلبنا إيقاف المخطط غير المجدي في عصر التطور التكنلوجي الهائل للأسلحة، وكان الأنسب صرف تلك الأموال على تطوير البنية التحتية المدمرة، وهو ما لم تفعله حماس، ولو فعلته لكانت غزة تقريبا بشبه غنى عن العمالة في إسرائيل، ولنافس جنوب لبنان شمالها تطورا) وأنها تشكيل خطرا على أمن ومستقبل إسرائيل، وربما تستعد للهجوم على شمال إسرائيل، بداية تحضير واسع الأبعاد من قبل إسرائيل لاجتياح الجنوب اللبناني، وربما بموافقة القوى الكبرى الداعمة لها، للقضاء على الحزب، كأحد أجنحة إيران الأخرى، والأكثر أهمية من حماس، بعدما تكاد أن تنتهي من إزالة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، عسكريا وإعلاميا بين الشعب الفلسطيني.
بينت إسرائيل، وبتزامن مع هذا المقال، وما تلقفته الأقنية المعنية بأخبار المنطقة، إنها على دراية تامة بمكان وجود حسن نصر الله، وتنقلاته، وبإمكانها أن تغتاله في أية لحظة، وهو ما أكدته إيران ونبهته، وبالتالي ما يجري في جنوب لبنان، والتهويلات الإعلامية، مقدمة لاجتياح وشيك لجغرافية حزب الله، ولا يستبعد أن تضع إسرائيل خطوط عسكرية – إدارية تفصل لبنان الوسط والشمال عن الجنوب، أي تقسم لبنان كما قسمت غزة، والتي لن تعود إلى ما هي عليه، سياسيا وعسكريا وإداريا، وهو ما حصل لقطاع غزة الأن، أي عمليا مصير شعب جنوب لبنان لن يكون بأفضل من مصير شعب الفلسطيني في غزة.
أمريكا وإسرائيل، ينفذان مخطط بعيد المدى، للقضاء على النظام في إيران، بعدما لم تجدي معها الحصار الاقتصادي طوال العقدين الماضيين، فالقضاء على قوة حماس، كانت مقدمة لإزالة أدواتها بتسلسل مخطط من قبل الدول الكبرى المعنية بالأمر، ويتبين أن حزب الله هي التالية.
وهو ما ينتبه إليه سلطة بشار الأسد، كأحد أدوات إيران الموجودة على اللائحة، فيحاول التخلص من الوجود أو الهيمنة الإيرانية المتشعبة فكريا ومن ميلشياتها الضخمة العدد، بمساعدة روسيا، لكن الحرب الأوكرانية أضعفت القدرة الروسية على المواجهة، وبالتالي فيما إذا يأس النظام في دمشق، ستلجأ على الأرجح إلى التطبيع مع إسرائيل أو عملية مشابهة، وتقربها من السعودية، وتقبلها الحوار مع تركيا، والعمل خلف الكواليس للعودة إلى الجامعة العربية، وقول بشار الأسد قبل شهرين على أنه هناك حوارات غير مباشرة مع أمريكا، وفي الواقع كانت الرسالة عكسية، على أنه يرحب بأي حوار تطلبه أمريكا، كل هذا تمهيد لإنقاذ ذاته ونظامه من قادم لا يحمد عقباه.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
19/6/2024