من ضمن مقابلاته النادرة مع الاعلام الخارجي خصص رأس النظام السوري الدكتاتور – بشار الأسد – الجزأ الأكبر من مقابلته التلفزيونية مع قناة روسيا ٢٤ ( الخامس من مارس ٢٠٢٠ ) حول الكرد السوريين وهي منشورة بوسائل التواصل الاجتماعي على اليوتيوب ، حيث وكعادته وتيمنا بموقف نظامه الوراثي المستبد ، وحزبه الشوفيني الحاكم ، اعتبر نحو ثلاثة ملايين كردي سوري ، ليسوا من سكان البلاد الأصليين بل من المهاجرين والهاربين من اضطهاد الأنظمة التركية الحاكمة ، وان سوريا آوتهم واستقبلتهم ، نافيا أي وجود تاريخي لكرد سوريا .
وفي معرض تجاهله للتاريخ السياسي للحركة الكردية السورية ، التي ظهرت ونشطت منذ الانتداب الفرنسي في اطار حركة خويبون التي عقدت مؤتمرها الأول بالقامشلي عام ١٩٢٧ ، بل منذ ان تم الحاق جزء من كرد الامبراطورية العثمانية بسوريا بموجب اتفاقية سايكس – بيكو عام ١٩١٦ ، يزعم رأس النظام السوري بعدم وجود قضية كردية قومية وسياسية وماهي الا عنوان وهمي بحسب ادعائه .
يتمادى الدكتاتور في قلب الحقائق بالقول : انهم استقبلوا الكرد عندما هاجروا من ظلم الاتراك ومنحناهم الجنسية السورية ، وأن هناك العشائر الكردية ومجموعات سياسية وطنية تقف معنا ، وان أي كردي لن يكتسب صفة الوطنية الا اذا واجه المحتلين الامريكان والأتراك حينها يمكن اعتبارهم مواطنون صالحون .
مجموعات انفصالية كردية منذ الثمانينات
للمرة الأولى يكشف مسؤول في النظام السوري ويعترف عن أن مجموعة انفصالية نشطت منذ الثمانينات وحاولت الايهام بوجود قضية قومية كردية في سوريا من دون أن يحدد من هي وفي أي اطار واسم تعمل واذا عدنا الى الثمانينات ونبش أحداثها وتطوراتها الكردية وتشخيص المشهد في مجال الكرد وحركتهم والنظام سنتوصل الى معرفة الجهة التي يقصدها هذا الدكتاتور الارعن بالشكل التالي :
أولا – بلغ نظام حافظ الأسد بالانحدار بعد بلوغ القمة في سنوات حركته ( التصحيحية ) حيث الانقسامات الحادة في صفوف البعث والنظام واشتداد عود المعارضة ، وعزلة عربية ،بعد معاداة منظمة التحرير الفلسطينية ،والحركة الوطنية اللبنانية لذلك واغتياله الشخصية الوطنية اللبنانية المرموقة الشهيد كمال جنبلاط ، وفي تلك المرحلة بدأت قيادة النظام باستخدام تكتيكات مستجدة وكلفت خبراءها من أمثال اللواء محمد ناصيف وآخرين بمحاولة اظهار نوع من المرونة والانفتاح عبر وسائل الترهيب والتغيب والنفاق .
ثانيا – كان الاتحاد الشعبي الكردي – سابقا – ( منذ ١٩٦٥ ) قد طرح تصورا متطورا حول الكرد السوريين وقضيتهم القومية ، يستند الى مبدأ الاعتراف المبدئي بحق تقرير المصير للشعب الكردي ضمن اطار سوريا ديموقراطية ، وعمل من أجل الترويج للتوجه بين الأوساط الوطنية السورية وكذلك العربية خصوصا في لبنان في ذلك الوقت حيث قوى التحرر والتقدم في عموم المنطقة متواجدة وممثلة هناك ، ومنذ بداية الثمانينات كنا قد توصلنا الى افضل العلاقات مع المحيط العربي وكذلك مع الدول الاشتراكية ، واستطعنا ان نشكل قوة ضغط كبرى على النظام السوي بعد انجاز خطوات لشرح قضيتنا ونشر كتب رابطة كاوا للثقافة الكردية ، واثبات احقية وعدالة قضية الكرد السوريين .
ثالثا – ومن ترتيبات النظام على الصعيد الكردي مواجهة التيار الجذري بالحركة الكردية السورية ( بالعصا والجزرة ) فبعد مصالحته مع ( الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بزعامة د جورج حبش ) بداية الثمانينات تمنى عليها بالعمل من اجل اقناع – الاتحاد الشعبي الكردي ) – لما بينهما من علاقات ودية – بالحوار مع النظام وبالفعل وكما اعلن بحينه وفي جميع الوثاٍئق الحزبية عن وصول وفد من الاتحاد الشعبي الى دمشق بوساطة من الجبهة الشعبية وانه لم يتحقق أي تفاهم وكان ذلك اللقاء الأول والأخير .
رابعا – لااريد الخوض الان في تفاصيل محاولة ( محمد ناصيف في تسميمي حيث نجوت باعجوبة ) بعد أن صدموا بموقفنا الثابت الملتزم بحقوق شعبنا وعدم تنازلنا قيد انملة امام اغراءات النظام حيث نشرنا الموضوع مرارا ، ومااريد الإشارة اليه هو أن النظام اتخذ إجراءات وقائية مشددة من بينها محاولة أخرى لاغتيالي ببيروت على ايدي عملاء له ، بعد ان تاكد على اننا لن نكون الا معارضين له ومطالبين بحقوقنا ، لذلك اتخذ النظام جملة من الإجراءات.
خامسا – أرسل النظام الضابط – محمد منصورة – في تلك المرحلة الى القامشلي كمسؤول عن المخابرات العسكرية ، وكذلك عن الملف الكردي عموما مع مهمة إضافية أساسية لاختراق وشق – الاتحاد الشعبي الكردي – والانفتاح على ( المجموعات ) الكردية التي اعتبروها وطنية وهي من الانتهازيين المعروفين .
سادسا – كما تم استقبال واحتضان زعيم – ب ك ك – عبد الله اوجلان في تلك المرحلة أيضا أي كما سماها الأسد الابن مرحلة ظهور مجموعة انفصالية أي الاتحاد الشعبي الذي نادى بمبدأ تقري المصير ، وكلنا نعلم ان ثمن احتضان اوجلان كان التنازل عن وجود وحقوق الكرد السوريين .
سابعا – بالإضافة الى – الاتحاد الشعبي – كان هناك وطنييون كرد سورييون مستقلون لهم مواقف قريبة من الاتحاد الشعبي بمعنى انني اريد ان أوضح ان المواقف الشجاعة لم تكن حكرا على حزبنا فقط ولكنه كان الطرف المنظم الذي كان يحظى بقاعدة شعبية واسعة وأصدقاء سوريين وعرب وامميين بسبب مواقفه السياسية الثابتة والشفافة والعلمية .
ثامنا – بعكس مايروج له الأسد الابن الان فان نهج الاتحاد الشعبي الكردي قبل الثمانينات وخلاله ومابعده لم يكن يوما انفصاليا ولم يطرح انفصال الكرد عن سويا ، بل دعا الى إعادة بناء علاقات آكثر قوة بين الكرد والعرب والسوريين الاخرين ، وابرام عقد اجتماعي وسياسي ثابت جديد وبضمانة دستورية للوحدة الوطنية ، ونشر الديموقراطية ، واسقاط الاستبداد ، والاستجابة لمطالب الشعب الكردي السوري بحسب ارادته الحرة ، وصولا الى سويا تعددية حرة يتمتع فيها الجميع بحقوقهم العادلة .
ولان النظام لم يفكر يوما بإيجاد حل عادل ومتوازن للقضية الكردية السورية ولا بتوفير الاستقرار للبلاد وحصول أي تطور وطني ديموقراطي لان كل ذلك من شأنه انتفاء الحاجة الى نظامه الدكتاتوري وأجهزة امنه وحالة الطوارئ واضاليله في ( كل شيء من اجل المعركة مع العدو الإسرائيلي ) بسبب ذلك لم يكن هذا النظام يحتمل بروز قوة كردية مسالمة تبحث عن السلام والوئام والعيش المشترك وإيجاد حلول لكافة القضايا ومن بينها القضية الكردية لذلك اعلن النظام الحرب علينا واستخدم امكانياته لضرب أصحاب النهج الوطني الكردي الديموقراطي ومن المفهوم ان نظاما بهذه الشاكلة سيواجه الثورة الوطنية الشعبية المندلعة منذ عشرة أعوام .
الحوار المتمدن