تقدّم ممثّلون عن الهياكل السياسية الكردية السورية، في حزيران/ يونيو عام 1928، بطلب إلى المجلس التأسيسي السوري، لجعل اللغة الكردية لغةً رسميةً في المناطق الكردية الثلاث (الجزيرة العليا، جرابلس، وعفرين). بعد ذلك الطلب، عُدّت اللغة الكردية لغةً رسميةً في قضاء جرابلس فقط؛ إذ أصبحت لغةً رسميةً في التعليم، وأصبح التحدّث بها شرطاً وظيفياً إلى جانب العربية، وكان هذا أوّل اعتراف رسمي سوري باللغة الكردية، لغةً رسميةً في البلاد.
مرد ذكر هذا الحدث، إلى أن اللغة الكردية كانت في بعض المناطق ذات الغالبية الكردية، في بدايات نشوء سوريا، لغةً رسميةً إلى جانب العربية، أي أن المطالب الكردية لتحويل اللغة الكردية إلى لغة رسمية، ليست حديثةً طارئةً. أيضاً إلى أن سوريا تحتمل أن تكون بلداً متعدّد اللغات الرسمية، كما النموذج العراقي، وهو البلد الأقرب إلى سوريا تنوعاً في هوياته ومكوناته، والقضية الكردية فيه، هي المماثلة للكردية السورية. وينصّ الدستور العراقي في مادته الرابعة على أنّ “اللغة العربية واللغة الكردية هما اللغتان الرسميتان للعراق، ويضمن حق العراقيين في تعليم أبنائهم باللغة الأم، كالتركمانية، والسريانية، والأرمنية، في المؤسسات التعليمية الحكومية، وفقاً للضوابط التربوية، أو بأي لغة أخرى في المؤسسات التعليمية الخاصة”.
لكن بالنظر إلى جوهرها، وممارستها وفكرتها، تبدو أقرب إلى أن تكون الهوية الموجودة في الأساس، هوية حزب البعث التي أرادت المواطنة، تلك التي يكون فيها الكردي مواطناً عربياً، وناطقاً باللغة العربية
عودة إلى العنوان، والمسبّبات التي أوجدت السؤال، أي الأمثلة المذكورة أعلاه، تُظهر أنها هامشية حينما يتمّ وضع اللغة الكردية مادةً نقاشيةً في قبول أن تكون رسميةً من عدمها، وصولاً إلى خلق المبرر في أن المشكلة تكمن في عدم قدرة الكيان السياسي المجتمعي السوري على تحمّل لغتين. كما أن المؤسسات الرسمية في الدولة، لا تستطيع الإدارة في ظل لغتين، بالإضافة إلى أن الأكراد السوريين ناطقون بالعربية، وهي لغتهم التي يتحدّثون بها، من دون أن تكون ثمّة حاجة إلى لغة رسمية أخرى. إلّا أن ثمة إصراراً، في مقابل ذلك، على أن هذا الخطاب، هو تعريف للمواطنة المأمولة في مستقبل سوريا، أي مواطنة اللغة الواحدة والهوية الواحدة، الهوية التي تعرَّف بكونها هويةً تمثّل كلّ السوريين. لكن بالنظر إلى جوهرها، وممارستها وفكرتها، تبدو أقرب إلى أن تكون الهوية الموجودة في الأساس، هوية حزب البعث التي أرادت المواطنة، تلك التي يكون فيها الكردي مواطناً عربياً، وناطقاً باللغة العربية.
والحال أنّ هذه الاستحالة المطروحة، هي نفي للوجود، لوجود القومية في نقاش اللغة؛ إذ إنّ البديل المقترح لعدم عدّ الكردية لغةً رسميةً في سوريا، أن تكون “هويةً ثقافيةً”، أي أن يُسمح بوجودها في الفضاء الثقافي، وكمادة واحدة في المدرسة وفي معاهد اللغات، بصورة تشبه اللغة الإنكليزية، أي أن تكون اللغة الكردية أجنبيةً عن سوريا، لا أن تكون لغة جزء من سكّان سوريا، وهو المعمول به الآن. فلدى النظام السوري، اللغة الكردية تدرَّس في معاهد اللغات، ومقابل ذلك، يقوم بترجمة دواوين الشعراء الأكراد السوريين إلى العربية تحت مسمّى “ترجمات عالمية”، أي أن الكردية لغة عالمية وليست سوريةً. في الجهة المقابلة، بدأت المعارضة في الشمال السوري، بتدريس اللغة الكردية في معهد اللغات، وخرّجت على عجالة دفعات من الطلبة، في وقت يُقتل فيه الكردي بلغته، في المكان ذاته.