روماف – رأي
باتت نتائج الاستخدام السيء لوسائل التواصل الاجتماعي، تظهر على نحو يومي، من حولنا، من خلال تفاقم حالة الخلخلة الاجتماعية، في ظل تاريخ مرير، كان من بينه كل ما زرعه النظام الاستبدادي، عبر عقود، من الجور والظلم، وجاءت السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، في ظل الحرب والحصار، وتكريس الفرقة لتزيد الشرخ، الذي باتت وسائل التواصل الاجتماعي- السوشيال ميديا- في مرحلتها ما بعد الحداثية تعمق من هوته، فغدا لكل فريق لسان حاله، وبات يطفح على السطح بعض الذين لا يراعون شروط الحوار، كي يتسيدوا المشهد الإعلامي الشعبوي، كي يقفز بعض الجهلة إلى مفاصل و مواقع إعلامية حساسة، فيرى كل منهم ذاته – وزير إعلام- بأرياش منفوشة، من دون أن يكون مهيئاً لذلك، بل لإقناع حتى ذاته، مادام توافر- جهاز هاتف ذكي مزود بخط أنترنيتي وحساب فيسبوكي أو يوتيوبي مجانيين- يمكناه، كما غيرهما من وسائل التواصل، من أن يضع نفسه في موقع هو ليس مؤهلاً له، مستفيداً من توافر مصفقين متابعين لما هو ممنوع، من تبادل الشَّتم والطعن، كمن يشغف ب- صراع الديكة- أو- صراع الثيران- على حلبة مكشوفة، مرئية أمام العالم، كل العالم، إذ نجد جمهوراً كبيراً لمثل هذه- المسلاة- أو الملهاة- دون الانتباه إلى آثارها الكارثية على الصعيد العام، بعكس الخطاب العقلاني الجاد الذي قد لايلتف حوله إلا القليلون.
قبل كل شيء، فإنني لا أنظر- هنا- إلى أصحاب الآراء المتضادة، أو المتناحرة، على حد سواء، فهناك من يحاول أن يكون صوت الحق، بيد أن هناك من يحاول أن يكون الصوت المضلِّل، الانفعالي، الذي يخدم آلة التزوير، إلا إن ما ينتجه هذا الصنف من- معلومة- إنما هو مدمّر، أشبه بجرعة سمِّ عقرب، أو أفعى، أو ببؤرة سرطان، إذ إن توأمة الجهل والإعلام خطر محدق. جد كبير، يهدد البنيان الاجتماعي، فقد تابعنا، خلال الأسابيع الماضية- في أقرب تمثيل أو تشخيص- حيثيات انزلاق هذا النموذج إلى حفافي أو مستنقع مرحلة كارثية جديدة، عبر اللجوء إلى وسائل خسيسة في إلحاق الأذى ببعض الضحايا، في النيل منهم: عبر اللجوء إلى نعتهم بكبريات الخطايا، ومن بينها: ” وصمة” الجنس، من خلال تسخير- بعضهن- للإيقاع ببعض الضحايا، أو من خلال تركيب وفبركة صور محددة، أو انتقاء لقطات ما، في إطار محاولة إعدام بعضهم، من دون أن يرفَّ لمن وراء مثل هذه الأفعال الشنيعة جفن، بما في ذلك من انتهاك لخصوصيات الآخر التي بات يلجأ إليها من يعيشون تناقضاً كبيراً، إذ إنهم ما بعد حداثيين من خلال استخدام وسائل التواصل والاتصال، كما إنهم- في المقابل- يعيشون بعقلية وحشية، ثأرية، انتقامية، إما كنتيجة لحالة مرضية مبيتة، أو استجابة لمخطط واسع، أو نتيجة هذا وذاك، في آن واحد!
حقيقة، إنه لمؤلم جداً، أن نجد بعض ضحايا السوشيال ميديا، ممن يستخدمونها، في إطار إلحاق الأذى بالآخرين. أجل، إنهم ضحايا قبل من يغررون أو يغدرون بهم، بعد أن باتوا يجدون أنفسهم في مواقع ليست لهم، وعبر رصيد لا يد لهم فيه، إذ ثمة منجز، يمنح كلاً منا إمكان أن يقدم رؤيته، حول كل ما يجري حوله، بوساطة أدوات الحوار العلمي، وليس عبر التزوير، والإيقاع. ولا عبر فرض الرأي على الآخرين، من خلال- السطوة- والصراخ- والشتم، والتهديد، والوعيد، لاسيما إن أي تحليل أول لبنية خطاب هذا النمط ليبين لنا، بجلاء شعبويته، بل سوقيته، وابتذاله، حتى وإن سقط في فخاخه بعض أصحاب الإمكانات الثقافية الإعلامية الذين يتوخى منهم أن يؤثروا على نحو إيجابي، في محيطهم، ومجتمعهم، لا أن ينحدروا إلى استخدام اللغة المتسطحة، لهذا الغرض أو ذاك، إذ إننا نجد من يستطيع عبر هذه الوسائل ممارسة الانتهاكات بحق الآخرين، والنيل من الرموز، والقامات العالية، وتشويه النضال، ونشر ثقافة اليأس بين ظهرانينا، من خلال إطلاق كذبة، أو تدبيج- مشهد فوتوشوب- مزور، أو اختلاق فرية، إذ إن السوشيال ميديا التي كسرت احتكار الإعلام، ومنحت كل فرد، في العالم الافتراضي أن يكون له صوته وحضوره باتت تستخدم خارج وظيفتها التي يفترض أنها أوجدت، من أجلها!
في الحاجة إلى النقد الواعي
ثمة إشارة دائمة، ألجأ إليها، ألا وهي أن هناك حاجة عظمى من قبلنا جميعاً إلى- النقد- كأفراد وكمؤسسات، لتطوير ذواتنا، في إطار عملنا، إلا إن تمييعاً، بل تسطيحاً، أوتبخسياً بات يمارس بحق النقد، من خلال تقزيمه، ونحن في الألفية الثالثة التي يفترض أن يحقق النقد خطوات كبيرة، لينعكس ذلك لأجل خدمة إنساننا ومحيطنا وعالمنا، وذلك من خلال استخدام النقد في غيرإطاره. خارج إطاره، وضد النقد ذاته، عبر تقزيمه، ليكون على مقاس أهواء- بعض الجهال- والكيديين، حتى وإن كان من بينهم حملة شهادات، لأنه بات يستخدم في إطار- الجناية- ليصل إلى حد الجريمة، من خلال قلب المفاهيم، وإمحاء الحدود بين القبح والجمال، وتزيين الجناية والجريمة وتقبيح القيم الإنسانية، و زرع الشك في حده السلبي، في البناء الاجتماعي!
لماذا النيل من النماذج المضيئة؟
إذ إن كل من يعمل في سبيل رسالة ما، بات معرضاً لهجوم شنيع- مجاني أو مدفوع الأجر بهذا الشكل أو ذاك- ولا تنجو المؤسسات النشيطة، من ذلك، من خلال نعتها بصفات هابطة، ومحاولات تشويهها، والتدليس عليها، والتنفير منها، بل عبر السعي إلى النيل من كل إنسان يعمل للصالح العام، وهذا مرده إما- الغيرة- والحسد، وهذا هو الحد الذي يمكن تقبله، في إطار: المرض، أو العقد النفسية، أو أنه يكون نتيجة تخطيط من العدو، لضرب أبناء مجتمعنا بعضهم ببعض، لاسيما إن كل ذي حضور مميز بات هدفاً لنصال هذا النموذج المستهتر، الممارس للطعن، باسم النقد، وهوما يجب التنبيه إليه، والحذر ممن يمارسونه، وإن كان علينا أن ندعو إلى النقد، المبني على أسس علمية سليمة.
ثمة من قد يمرِّر شتيمته، أو مشروع فتنة، أو مخطط جريمة، عبر غطاء- النقد الساخر- من دون أن يرتقي الداعي إليه إلى مستوى فهم أو مراعاة النقد، في حدوده الدنيا، فالنقد الساخر فن وعلم وثقافة وهو ليس-مجرور نتن- يفرغ بعضهم أحقاده عبره، وهو اعتداء على النقد الساخر، واعتداء على النقد، وخدمة رخيصة لأعداء الحياة، في خدمة ثقافة الشر، وها نجد تشويه العمل المميز للفرد، أو المؤسسة، والتنفير من المؤسسة، عبر لصق النعوت الكاذبة بها، لقطع كل الجسور بين أفراد المجتمع، وتدمير أواصر الوئام، وهوما كان ظل النظام الاستبدادي يحرص على إدارته، عبر عقود للفتك على إنساننا، وشعبنا، وفي هذا السلوك تطبيق وتنفيذ لهذه السياسة، عن جهل طوعي، أو وعي تطويعي؟؟!
إن العمل جار، ضمن هاتين الحالتين، في إطار استئصال كل ما هو إيجابي، وتشنيع الأمثلة المضية- أية كانت- وفي كل هذا ما يخدم أعداء شعبنا، الذي تستفيد دوائره من هذه الحروب الافتراضية التي تثار، وتعكس صورة سوداء، غير واقعية عن مجتمعنا، من خلال السعي لتعميم الشاذ، وتعويمه، والتعتيم على ما هو مشع. مضيء. نيِّر، نبيل، لاسيما بعد أن بات بعضهم يحاول صناعة تاريخ مزيف له- بعد توافر شرط التعويل على البعد عن المسرح المكاني أو عامل التقادم الزمني، في هذا العصر الافتراضي، فلا يجد مناصاً لذلك، إلا عبر استهداف أصحاب الأيدي البيضاء، والذين أدوا ويؤدون خدمات لمحيطهم، كي يعلوا من شؤونهم، لطالما لاحضورلهم في حضور هؤلاء!
بيادق اللعبة:
ولعلنا نجد بعض أكاديميينا ونخبنا ينجرون إلى هذه اللعبة، إما من خلال السقوط في درك الخطاب المتسيد، أو من خلال تغذيته، عبر متابعته، وتشجيع القائمين عليه، بل حتى توظيف بعضهم لإطلاق أكاذيب صبيانية، بحق منافسيهم، أو المختلف معهم، على أمل الاحتفاظ بأكذوبة مملاة من لدنه على أنموذج أمي ساذج، أو مأجور، أو مغرض، بأنها قد تتحول إلى وثيقة ضد الآخر: مؤسسة، أو شخصاً، وهذا لا يأتي إلا نتيجة عقل- مافيوي- أياً كان من يسانده، وقد روى لي أحدهم بأن أكثر من شخص قد تواصل معه، محاولاً تحريضه ضد سواه، بل إن هناك من أوحى بمده بالمساعدة، وهذا أسلوب جاهل، إجرامي، في جوهره، وما أكثر من ينصاعون لهكذا محرضين، فيتم استخدامهم للإساءة إلى قامات عالية. إلى شرفاء، وهو شأن عديمي التاريخ الذين يستشعرون باستلاب داخلي، بشعور دوني. بيقين آفوي دوني، يدفعهم إلى ممارسة تشويه كل شيء، من حولهم، حتى يستووا بغيرهم، وتكون لهم مكانتهم في هذا الفضاء الافتراضي، بعد أن كانت سيرهم، تواريخهم، خالية من أية منجزات، أو ملأى بالعثرات، والإحباطات، أو حتى بكل ما هو مشين، وقذر!
وهنا، فإن هذا النموذج المحرِّض، الدافع، المزلق، إنما هو أنموذج مريض يعيش بيننا، ولابدَّ من تشخيصهم، والإشارة إليهم، لأنهم رغم تواريهم عما يرتكبونه من أعمال مشينة، نتيجة جبنهم، أكثر إجراماً من أدوات التنفيذ الذين نشفق على بعضهم، وهم ينفذون ما يملى عليهم، مقابل أن يتسنى لهم الظهور. الظهور ولو- على مزبلة أكاذيب-، وهم- في أفضل الأحوال- ضحايا بلا تواريخ مضيئة تشفع لهم، أو متأتون من بيئات غير سليمة، لا يجدون كمن يحرضهم مكاناً لذواتهم إلا عبر تشويه صور أصحاب القامات النضالية، أو الرموز ذات الحضور في ضمائر ذويهم!
صحيح أن حجم مثل هذه الجرائم الإلكترونية جد كبير، نتيجة إفراغ كثيرين قيئهم وقيحهم عبر أدوات- السوشيال ميديا- إلا إنه منه غير المعقول استمرار هذا الوباء المدمِّر، باعتبار أن هناك قوانين صارمة، في البلدان التي تحترم كرامات مواطنيها، ومن يعيشون على ترابها، لذلك فإن من واجبنا جميعنا نشر ثقافة احترام خصوصية الآخر. رأيه السلمي، ضمن حدوده، وشروطه، مقابل التثقيف القانوني، وتنبيه المحيط بخطورة انتهاك القانون وإلحاق الأذى بالآخرين، لاسيما بعد أن بات بعضنا يقدم ذاته وهو يمعن في طعن آخرين في هذا الفضاء بأنه يمارس دوراً بطولياً، رغم إن استخدام- اللغة المحرمة- أو السلاح المحرم- حتى في الرأي والحوار، من أعظم الجنايات اللاإنسانية التي يجب أن تحاسب عليها القوانين في شتى أنحاء المعمورة!