روماف – رأي
إبراهيم اليوسف
لابد من الاعتراف، أن النقد الأدبي له قواعده، وأسسه، ومدارسه النقدية المتعددة، حيث إنه- بهذا المعنى- علم خاص، له مختبره الخاص الذي لا غنى عنه، فالناقد الكبير هو مبدع في قراراته، أي أنه عارف كيف تبنى القصيدة، من خلال لغتها وصورها وأخيلتها، في ما إذا كان الشعر مجال اختصاصه، وهو ما ينطبق على القصة، أو الرواية، أو المسرح، حيث عليه أن يكون على معرفة بعوالم هذه الفنون الأدبية جميعها، بل وإن هذا لينطبق كذلك على الناقد في مجال الموسيقا أو التشكيل، كما أن هناك خصائص كثيرة أخرى لابد أن يتمتع بها الناقد، في أي من تلك المجالات المعروفة، وفي مقدمتها الذائقة، والمعرفة والموهبة، كما أن عليه قبل كل هذا وذاك أن يتمتع بالحيادية، تجاه كل ما يكتب .
إذا كان كل هذا مطلوباً من الناقد، حتى يستطيع أن يسجل مقاربته للنص الإبداعي، أو المادة الإبداعية المتناولة، فإن التطور الصحفي الهائل، ولد حاجة كبرى تكمن في أن تؤدي الصحافة شيئاً من النقد الصحفي، تجاه الكثير من النتاجات الإبداعية التي تنتجها بطون المطابع، ضمن المساحة المتاحة، وبما يناسب إيقاع الأوعية الصحفية، الأمر الذي أوجد ما يمكن وسمه ب”النقد الصحفي”، حيث بتنا نجد متابعات متعددة للمجالات الإبداعية المختلفة، وهي تكاد تشبه النقد من جهة، إلا أنها تختلف عنه، في أنه يكتب بإيقاع جد سريع، من جهة أخرى، بحيث يكتفي بتقديم القليل من الإضاءة إلى جانب ما من الإنتاج الإبداعي، تتناول مفصلاً ما منه، كأن تتم ملامسة اللغة، أو الصورة، أو الخيال، أو البناء، في القصيدة، أو ربما يقوم هذا النقد الصحفي بالإشارة السريعة، إلى جملة مقومات المادة الإبداعية، على نحو برقي وامض، ضمن الحيز المتاح، وهو بالتأكيد غير المتابعة، أو عرض الكتاب اللذين يكتبان بلغة صحفية صرفة، ومن هنا فإننا نجد أن بعض الأدباء الذين يعملون في مجال الصحافة، يقومون بهذه المهمة، وهذا ما أسس- بحق- حالة واضحة من النقد الصحفي الذي لا يمكن تجاوزه .
وإذا كان هذا النقد مهماً ضمن شروط وعاء النشر، لاسيما عندما يمتلك الناقد الصحفي أدواته الفنية، ويعرف كيف يستخدمها في الاتجاه الصحيح، بحيث لا تكون قراءته السريعة بديلاً عن النقد الفعلي، فإن هناك خطورة كبيرة قد يشكلها هذا الأنموذج النقدي، عندما تتم ممارسته على نحو غير مدروس، فيتم إعطاء أحكام قطعية بطريقة دعائية، لهذا الإنتاج الإبداعي، وغض النظر عن بعض الهنات التي تعتوره، أو أن يقوم النقد الصحفي، بعكس هذا، كأن يغض النظر عن النقاط المضيئة في هذا الإنتاج، ويركز على المآخذ الموجودة، من دون أن تكون له معاييره، ومقاييسه، لأن هذا النقد مطالب بأن يتحلى بالشرط النقدي، لا أن يقفز فوقها، لئلا ينحرف عن المهمة المطلوبة منه .
ومن هنا، فإن الناقد الصحفي، يستطيع أن يفعل المشهد الإبداعي، ويكون وسيطاً بين المتلقي والمبدع من جهة، كما أنه قادر على أن يلعب الدور نفسه بين المبدع والناقد، يلفت نظر هذا الأخير إلى أعمال محددة، يستهدي بها، مشكلاً حالة حوارية، لاسيما عندما يختلف الناقد المتخصص مع ما كتبه الناقد الصحفي، أو يتفق معه، ويضيف إلى نصه ما يسهم في تفعيل الحركة النقدية، بمستوياتها كافة .