روماف – رأي
نادرا ما أتابع مسلسلات عربية في رمضان، خصوصا خلال السنوات الماضية، بعد أن تأسّست المنصات التي تعرض الأعمال الدرامية كاملة بدون إعلانات. لهذا اعتدت على اختيار أعمال محدّدة، عادة ما تكون قد لاقت استحسانا ممن أثق بذائقتهم. كان هذا الموسم استثناء، ذلك أنني حاليا برفقة عائلتي في شقّة صغيرة جدا في فرنسا، لا متّسع فيها للعزلة بعيدا عن شاشة التلفاز، حيث تتابع والدتي معظم المسلسلات العربية المعروضة. وهكذا اكتشفت مع والدتي ممثلين لم أسمع بهم سابقا، وتذكّرت آخرين كنت قد نسيت وجودهم (وبالكاد ميّزتهم)، واكتشفت إنتاجات درامية عربية مشتركة كسرت الاحتكارين، المصري والسوري، للدراما التلفزيونية.
مبدئيا، ما زال الإنتاج الدرامي المصري، حسب هذا الموسم على الأقل، هو الأكثر حضورا وتنوّعا وتميّزا، فعدا عن العدد الكبير للمسلسلات المصرية المقدّمة، فإن فيها قضايا اجتماعية كثيرة تثير نقاشات جدّية في المجتمع وعلى صفحات السوشيال ميديا. ويمكن هنا الحديث مثلا عن مسلسل “تحت الوصاية” لمنى زكي، والذي استدعت أحداثه تحرّك مجلس النواب لطرح قضية الوصاية على الأطفال في حالة وفاة الزوج أو غيابه، وهو أمر بالغ الأهمية في المجتمعات العربية، ولو تمّت الموافقة على تعديله لكان هذا من أهم ما يمكن للدراما التلفزيونية أن تفعله غير الترفيه. وسبق أن قدّمت نيللي كريم مسلسل “فاتن أمل حربي” في رمضان العام الماضي، وكان سببا في تغيير قوانين الحضانة في مصر. كما يمكن هنا أيضا التنويه بما يثيره مسلسل “جعفر العمدة” لمحمد رمضان من تجاذباتٍ خطيرة داخل المجتمع المصري، كونه يروّج العنف والبلطجة واحتقار المرأة والكسب غير المشروع من دون أي محاسبة قانونية، ما جعل محامين يتوجهون ببيان إلى وزارة الثقافة للمطالبة بتغيير نهاية المسلسل التي تنتصر للشعبوية البلطجية ضد القانون. ويلفت النظر أيضا في المسلسلات المصرية تراجع مستوى النجوم المكرّسين، مخرجين وممثلين، لصالح جيل شاب يقدّم قضايا معاصرة بأداءات فنية متميزة وأحداث سريعة بعيدة عن الترهّل الفني.
وعلى ذكر الترهّل، تبدو الدراما السورية لهذا الموسم بارعة به، فعدا عن مسلسلات البيئة الشامية التي تقدّم المكرور والممجوج، لم يستطع لا مسلسل “عاصي الزند” لتيم حسن (عن حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى في سورية)، ولا “النار بالنار” لكاريس بشّار وعابد فهد (عن مرحلة معاصرة تتعلق بوضع اللاجئين السوريين في لبنان) أن يحافظا على بدايتيهما الناجحتين، فالأول تراخى مع محاولة نجمه التظارف وتقديم شخصيةٍ لا تختلف كثيرا عن شخصيته في مسلسل “الهيبة”، ما أوقع العمل في مطبّات كثيرة، ليس أولها اللهجة ولا آخرها تقديم شخصية البطل الشعبي الأسطوري، مع اقتباساتٍ لم يُشر إليها من أعمال عالمية معروفة. بينما تحول الثاني إلى عملٍ مترهّل بأحداث مفتعلة مملة وبأداء سمج من غالبية نجومه، ولا يمكنني كمشاهدة الاقتناع بالذريعة التي قدمت عن خلافٍ حاصلٍ بين كاتب العمل ومخرجه.
أما ما يلفت النظر حقيقة فهي المسلسلات اللبنانية التي يشارك فيها نجوم سوريون مثل مسلسل “للموت 3″، الذي لم أستطع فهم على أي كوكب تجري أحداثه، وأين في عالمنا الحالي تجري تلك الحوارات بين شخصياته التي تتحدّث كلها الخطاب نفسه، ويقدّمها ممثلون وممثلات يملكون التعابير نفسها والملامح نفسها.
وعلى ذكر الملامح، أتذكّر أن أحد الأصدقاء كتب ذات مرّة تغريدة عن ضرورة ذكر اسم طبيب التجميل، الذي تقصده النجمات العربيات، في نهاية تترات الأعمال الدرامية. ذلك أنه لم يعد من الممكن تمييز واحدةٍ عن الأخرى، كلهن يملكن الخدود المرفوعة والذقن المنحوتة والأنف الدقيق، والقدّ الممشوق، والأسنان البيضاء والشعر الطويل، والأظافر الطويلة الملوّنة، والشفة العليا الملتصقة بالأنف لفرط الحقن فيها. والمدهش أنهن، بكل هذه الأشكال المصنّعة، يقدّمن أدوارا متنوعة، فلدى غالبية الممثلات في مسلسلات تاريخية ابتسامة هوليوود وأظافرهن ملوّنة ومرتبة، حتى من تلعب دور فلاحة أو ابنة بيئة فقيرة، خصوصا السوريات واللبنانيات الشابّات والمخضرمات، بينما قليلا ما نجد هذه الفروق بين الشخصية والممثلة في الدراما المصرية.
ثمّة ملاحظة أخرى في هذا العام، هي البلاغات التي قُدّمت في العراق وتونس والمغرب للحكومات لمنع عرض أعمال درامية محلية، لأنها تمسّ قيم المجتمع أو تشوّه صورة المجتمع وأفراده، ما يعطي صورةً عن التراجع الشعبي العربي في فهم العلاقة مع الفن عموما، ومع الدراما التلفزيونية بشكل خاص.
العربي الجديد