أثبتت تجارب العقدين الأخيرين الفشل الذريع للاداء الانتخابي للجناح السياسي المرخص لحزب العمال الكردستاني في تركيا – ها د ب – والذي يواصل تلقى التعليمات في كل صغرة وكبيرة من مركز – قنديل – العسكري بالرغم من تعرض مسؤوليه بشكل مستمر الى المساءلة القانونية والإجراءات العقابية من السلطات الحاكمة.ويسجل عليه قصور الرؤيا، واضاعة الكثير من الحظوظ لمصلحة شعب كردستان تركيا، ونتيجة لذلك خسر الكثير من شعبيته، بل فقد السيطرة على معظم مجالس البلديات في المحافظات الكردية، والخشية ان تسير الأمور كسابقاتها في الانتخابات المزمع اجراؤها في منتصف الشهر الجاري.
(الأحزاب الكمالية في تركيا، وحزب البعث في سوريا والعراق، والبان ايرانيزم في ايران وتاليا الإسلام السياسي الشيعي)، هذه التيارات القومية المتطرفة التركية، والعربية، والفارسية، وقفت ليس ضد طموحات الكرد المشروعة بل عملت على التخلص منهم ففي مراحل سابقة ولاحقة عبر حروب الإبادة، والتمثلية القومية، وتغيير التركيب الديموغرافي لمناطقهم.
وهي نفس التيارات المؤدلجة الدكتاتورية التي حكمت في تلك البلدان بطرق ملتوية، واستخدام الدين وسيلة، واحيانا عبر الانقلابات العسكرية، وضد الديموقراطية، وحقوق الانسان، بل تحولت في مراحل معينة الى حوامل للمذهبية، وتمثيل المصالح الفئوية والعائلية، ومصدر للفتن والحروب الاهلية، بمعنى كل طرف سياسي، او حزب آيديولوجي عنصري تجاهل الكرد، وقضيتهم، وحقوقهم كان في الوقت ذاته ضد الديموقراطية، والوحدة الوطنية، والتقدم الاقتصادي، والتطور الاجتماعي والسلام، والتقدم..
واجهت الحركة الوطنية السياسية الكردية طوال تاريخها، إشكالية التميز بين أصدقاء وخصوم الكرد، بين من يعترف بواقع الكرد، ووجودهم، وحقوقهم، وبين رافض، ومعادي، والاشكالية الاخرى كانت ومازالت في الإدمان على إضاعة الفرص، ولااستثني أحدا وانا من بينهم.
حزب كمال اتاتورك – حزب الشعب الجمهوري – االشوفيني تجاه الكرد والشعوب غير التركية الأخرى، حارب الكرد قبل وبعد معاهدة – لوزان – وقاد حملات الإبادة بحقهم، ووقف ضد وجودهم في كل المراحل، وناصب منجزات إقليم كردستان العراق العداء، واستقوى طوال تاريخه بالعسكر الذي كان دوما من حصته، ولم يعترف يوما بحقوق الكرد في برامجه، ومشاريعه السياسية عندما كان في الحكم والمعارضة، ونفذ ( غزو قبرص ) التوسعي العدواني، اما انه تناوب عدد من ذوي الأصول الكردية على رئاسة الحزب : ( عصمت اينونو – حكمت جتن – كمال كليجدار اوغلو – ) فلم يكن ذلك الا وسيلة لتضليل الراي العام، واستثمار افراد انتهازيين مجردين من العزة القومية والوطنية، يبحثون عن مصالحهم الشخصية، لقد التقيت في أوقات مختلفة مع – حكمت جتن – وكمال كليجيدار اوغلو – وهما من ذوي الاصول الكردية، ومع رئيس الحزب الأسبق ذو الأصل الشركسي – دنيز بايكال – وكانوا جميعا ( باستثناء موقف جتن نسبيا – ينكرون وجود كردستان تركيا، ولايعتبرون انهم ينتمون الى شعب له تاريخ وحضارة الى جانب الشعب التركي ، ويرفضون فيدرالية كردستان العراق.
برنامج تحالف المعارضة او الطاولة السداسية حيث رشح – كليجيدار اوغلو – للرئاسة، يخلو كليا من أي موقف إيجابي تجاه الكرد والقضية الكردية في تركيا، وهذا يعني وفي حال نجاحه لن يكون ملتزما باية مبادئ او وعود حول حل القضية الكردية هناك، بالإضافة الى الموقف السلبي تجاه وجود نحو أربعة ملايين لاجئ سوري في تركيا، وعلاقات سابقة وراهنة مع نظام الأسد، وهذا لايعني ان حزب العدالة الحاكم برئاسة اردوغان قد حسم امره إيجابا تجاه القضية الكردية وكذلك القضية السورية، بل انه كما أحزاب المعارضة يتجنب الخوض في الموضوع الكردي في تركيا، ولكن يسجل له انه تحاور في مرحلة ما بشان الملف الكردي وللمرة الأولى بعد الرئيس السابق – توركوت اوزال – وتقبل وساطة إقليم كردستان العراق ولكن لم تتحقق نتائج تذكر.
كرد تركيا، ومن خلال تعبيراتهم السياسية، ومجتمعهم المدني، معنييون ومسؤولون عن اتخاذ الموقف السليم بصورة موحدة، وهم ادرى بشؤونهم الداخلية ونتمنى ان لا تتكرر الأخطاء السابقة في إضاعة الفرص التي يتحمل – ب ك ك – مسؤولييتها ؟ على امل ان يكون لهم موقف واحد مستقل ومدروس انطلاقا من مصالح الشعب الكردي، ومصلحة الديموقراطية في عموم تركيا، لان اتخاذ الموقف السليم من جزء يشكل فيه الكرد اكثر من نصف اكراد العالم، قد يساهم في تصحيح المسار التدميري الذي يسلكه – ب ك ك – تجاه مختلف أجزاء كردستان وخصوصا في سوريا.
ولايمكن في أي حال تبرير عداء او كره اوساط كردية من الرئيس الحالي – اردوغان – بلجوئها الى العمل حتى مع ( ابليس )، فلديهم في حال اتحادهم خيارات كثيرة يمكن من خلالها تحقيق إنجازات قومية، ووطنية، وديموقراطية، والاسابيع القادمة كفيلة بتوضيح المسار ونتائجه .
اما قلقنا النابع من الحرص، فله مبرر بسبب تهديدات – ب ك ك – لكل من لاينصاع الى ارادته، ولان هناك جذور تاريخية تربط قيادات هذا الحزب أولا با – الارغنكون – أي تركيا الكمالية العميقة، وبالبعث السوري منذ عهد حافظ الأسد، والعراقي تاليا خلال مرحلة معسكر مخمور في عهد البعث وسنجار بعهد الحشد الشعبي حاليا، والشيعية السياسية المركزية بايران، ثم نظام الأسد الابن البعثي أخيرا.
ومن الواضح جدا والمؤلم بالوقت ذاته ان تلك السياسات، والمواقف قد اضرت بالقضية الكردية بالمنطقة، وحالت في العديد من المراحل دون إيجاد الحل الديموقراطي السلمي لها على ضوء مبدا حق تقرير المصير، إضافة الى تهديدها لكل المكاسب التي تحققت بفضل التضحيات الجسيمة وخصوصا في إقليم كردستان العراق.