السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الكورد في سوريا

فرهاد حبش

تتسم السياسة الخارجية الأمريكية (Foreign Policy of America) بحضورٍ كبير في الملفات الدولية العالقة، وتُعدّ من أهم وأقوى السياسات في العالم، لما تمتلكه من نفوذٍ عسكري واقتصادي وسياسي واسع.

وتقوم السياسة الخارجية الأمريكية على أهداف ومبادئ واضحة منذ استقلالها وتأسيسها عام 1776، إلا أن الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، يختلفان في الوسائل والآليات التي يستخدمانها لتحقيق هذه الأهداف. ومن أبرز تلك الأهداف: المصلحة الوطنية (National Interest)، التي تركز على المصالح الاستراتيجية، كالأمن القومي، والهيمنة الاقتصادية، والتفوق الجيوسياسي. وتسعى الولايات المتحدة، عبر أدواتها المتنوعة، العسكرية والاقتصادية والسياسية، إلى تحقيق هذه الأهداف في مناطق عدة، سواء في شرق آسيا أو شرق أوروبا أو الشرق الأوسط.

بدأت علاقة الولايات المتحدة بالكورد في سوريا من خلال الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، حيث قدمت دعماً عسكرياً كبيراً لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، إلى جانب تأسيس قواعد عسكرية في كوردستان سوريا منذ عام 2014. وقد اتسمت هذه العلاقة بالطابع العسكري البحت، دون أن تتطور إلى شراكة سياسية حقيقية.

وقد تمثلت أبرز أهداف السياسة الأمريكية في سوريا في: القضاء على تنظيم داعش، وتقليص النفوذ الإيراني في المنطقة (وقد تحقق ذلك جزئيًا)، ومنع التقارب الروسي – الإيراني – السوري آنذاك، وتحقيق توازن في العلاقات بين تركيا وقوات سوريا الديمقراطية، والحفاظ على العلاقات الاستراتيجية مع تركيا كعضو في حلف الناتو. إن هذا التوازن لم يترافق مع اعتراف سياسي بالكورد أو دعم لمطالبهم، وفي مقدمتها مطلب الفيدرالية الكوردية.

خلال احتلال تركيا للمناطق الكوردية (عفرين، سري كانيه، وكري سبي) لم يتلقَّ الكورد دعماً عسكرياً أو سياسياً من جانب أمريكا، لتخوّفها من انتزاع علاقاتها ومصالحها مع حليفها تركيا، وهنا نعلم بأن أمريكا تفضّل حلفاءها التقليديين السائدين منذ عقود على الكورد (الحلفاء الجدد).

وقد برز هذا الموقف بشكل واضح خلال زيارة وفد الإدارة الذاتية وقوات قسد إلى دمشق، حيث صرّح المبعوث الأمريكي إلى سوريا، توماس بارك، بأن “الفيدرالية في سوريا غير ممكنة”. وقد جاء هذا التصريح في سياق المساعي الأمريكية لتطبيع العلاقات بين الحكومة السورية الانتقالية وإسرائيل.

وتسعى الولايات المتحدة، من خلال الضغط على الحكومة الانتقالية، إلى تحقيق هذا التطبيع، مستعملة الورقة الكوردية، وواعدة برفع العقوبات وتقديم دعم اقتصادي عبر مشاريع إعادة إعمار سوريا، وتوجيه الكورد للقبول بخيارات “لا مركزية إدارية” بدلاً من “الفيدرالية”. وتثير هذه المقاربة تساؤلات حول تأثيرها على مستقبل الكورد في سوريا.

بعد كل هذه المؤشرات والتحولات السياسية التي طرأت على الوضع الكوردي في سوريا، ما هي الأوراق التي بقيت للكورد؟ هل سيقبلون بالواقع المُرّ، أم لديهم خيارات أخرى، سواء كانت سياسية أو عسكرية؟ بنظري، أخطأت قوات سوريا الديمقراطية باتفاقها مع الحكومة الانتقالية بالبنود الموقعة، وتهميش نتائج المؤتمر الكوردي الموحّد الذي عُقد في مدينة قامشلو بكوردستان سوريا. وذهابها بوفد يمثل الإدارة الذاتية فقط يجعل الكورد أكثر ضعفاً في المعادلة السورية. نلاحظ حتى الولايات المتحدة لم تُعطِ الأهمية للمؤتمر الكوردي، وكل هذا يدلّ على أن الأولوية الأمريكية هي أولاً تطبيع العلاقات بين سوريا وإسرائيل، ولديها استعداد للتنازل عن الكورد مقابل هذه الصفقة.

خلاصة:
تتسم السياسة الأمريكية تجاه الكورد في سوريا بالبراغماتية؛ فهي تدعم قوات سوريا الديمقراطية عسكريًا، وتحقق أهدافها الاستراتيجية في سوريا والشرق الأوسط عمومًا، دون أن تقدم اعترافًا سياسيًا بالكُرد، تجنّبًا لإثارة غضب حلفائها الإقليميين، وخاصة تركيا.


اكتشاف المزيد من Romav

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *