من جعل الحراك الكوردي أداة رخيصة (1)

لا شك أن أغلبية القيادات الحزبية نية وطنية صادقة، لكن ضعف الثقة بالذات، وقلة الوعي، وضحالة الرؤية السياسية، أثرت على القضية، ومكانة الحراك، وخلفت الكوارث للمجتمع

د. محمود عباس
د. محمود عباس د. محمود عباس 89 Views
تتصدر المسائل الكوردية العديد من المحافل والمؤتمرات الدولية التي تخص الشرق الأوسط، وتعوم على نشرات الأخبار العالمية والإقليمية، رغم انعدام الدولة، والحضور الهش للحراك على المستويين السياسي والدبلوماسي، وإمكانياته الهزيلة والتي هي دون مستوى القضية وثقل الأمة.
  وبدأت قضيتنا تدرج ضمن العوامل المؤثرة على الاستراتيجيات المتعلقة بشرقنا، بل وأحيانا ترجح كفة الموازين السياسية، وتخلق خلافات أو توافقات دولية، أي بالإمكان القول أنها خرجت كطفرة من غياهب التناسي.
 كل ذلك لأن العالم أنتبه إلى قوتنا الخام وضحالة حراكنا، وبإمكانهم استخدام القوة لمصالحهم وتوجيه أطراف حراكنا حسب أجنداتهم دون كثير عناء. 
 ولإدراك الأنظمة الإقليمية للحقيقة المرة هذه، لم تعد تبالي بطمس القضية، بل وجهت نشاطاتها لعزلها عن الحضور الكوردي كشعب وقوى عسكرية، والفصل بينها وبين الحراك والإدارات التي تتعامل معها الدول إن كان بشكل رسمي أو غير رسمي، وهذا ما يؤدي أحياناُ إلى بروز الخلافات بين الدول المعنية ليس على خلفية التعامل مع الحاضر، بل على ما يخطط للمستقبل، والمتوقع منه، أي أننا أصبحنا الأن نواجه تحالفات إقليمية أكثر خباثة، بأبعاد عصرية مبنية على الخوف من القادم الكوردي، وتطوير لاستراتيجياتهم بحيث تتلاءم والظروف الجارية، كما وأصبحوا يتعاملون مع الشعب الكوردي وحراكه بأساليب تجاري التطور الثقافي والتكنولوجي والإعلامي، في الوقت الذي لا تزال حراكنا تنتهج الأساليب الكلاسيكية المتخلفة، وتقاد من قبل قيادات عاجزة عن مواكبة العصر، ولا قدرة لها أو لا تعمل على تطوير ذاتها.
  ومن بين الإشكاليات التي تكرس القوى المحتلة لكوردستان عملها عليه في البعد الكوردستاني:
1- حماية العديد من القيادات، التي تكرر ذاتها طوال العقد الماضي، من الزوال أو التغيير أو التنحي، والتي بعضها تفضل ديمومة الجاري من أجل مصالح ذاتية، رغم وطنيتها.
2- دفع الأطراف الكوردية إلى السجالات حول موازين الوطنية والخيانة، العمالة أو الحريصة على قادم الأمة، أي فرز شرائح تكون جل تفكيرها محصورة في حلقات اتهام الآخر المخالف، وبالتالي هدر القوى الخام الكوردية في صراع داخلي، مع عرض تبريرات منطقية لكل المطروح.
3- عدم تجديد الصور النمطية البالية المترسخة في ذهنية الشريحة المتحكمة بالحراك، حول أساليب النضال، والعلاقات الداخلية، والتعامل مع القوى الإقليمية، والمؤدية بعضها إلى نشر ثقافة تقسيم كوردستان إلى أجزاء مختلفة ومنعزلة، تابعة لأوطان افتراضية.
4- التعامل مع الأطراف السهلة قيادتها من الحراك، ومساعدتها للظهور كممثلين عن الشعب في المحافل الدولية، وإقناعهم على طرح القضية بأضحل نماذجها السياسية.
5- تغييب منطق المعارضة والسلطة على الأبعاد الديمقراطية، ضمن الحراك وفي الشارع الكوردي، ونشر منهجية الأنظمة الشمولية والمعارضة الفاسدة، كالتي انتشرت ما بعد الربيع العربي.
لهذه وغيرها من الإشكاليات التي أصبحت تخطيها من ضرورات المرحلة:
1- لا بد من إيجاد أساليب تواكب العصر، كقبول وجود معارضة كوردية واعية، في وجه القوى المهيمنة الكوردية أو الإقليمية.
2- تكثيف الحوارات بين شريحة السياسيين والكتاب المؤمنين بالتغيير وتنوير الذات والمجتمع، قادرة على النقد والتصحيح على سوية المرحلة، من التقييم إلى تعرية الأخطاء.
3- من السذاجة البحث عن خلق مرجعيات، والتي ستؤدي إلى سقوط كلية الحراك في المستنقع ذاته، وهو ما شاهدناه من خلال الحوارات التي جرت طوال إحدى عشرة سنة الماضية، فرغم ضلوع الطرفين المتحاورين بوساعة وعمق الشرخ بينهما، إلا أنهما ولمصالحهما الحزبية تكالبا على التحايل، وتخدير المجتمع بتصريحات فارغة، تحت منطق خلق مرجعية كانوا على قناعة تامة بأنها شبه مستحيلة.
  لا شك أن أغلبية القيادات الحزبية نية وطنية صادقة، لكن ضعف الثقة بالذات، وقلة الوعي، وضحالة الرؤية السياسية، أثرت على القضية، ومكانة الحراك، وخلفت الكوارث للمجتمع، وأعدمت قناعة الشارع الكوردي بهم. كما وأن توجههم نحو البحث عن قوى خارجية بعضها معادية للقضية، لمساعدتهم على إلغاء الأخر، أدت إلى إضعاف الطرفين، لأنهما بالأساليب الساذجة تلك فتحوا الأبواب للقوى المتربصة بالكورد والتلاعب بمصيرهم. ولم تنقذهم من الانتقادات الحادة من قبل الشارع الكوردي، عندما حاولوا التغطية تحت منطق العلاقات الوطنية أو السياسية وأصبحوا أدوات سهلة الاستخدام، فلا هم استفادوا من أساليبهم، ولا تمكنوا من إلغاء الكوردي الآخر، فظل كلا المتنافسين أشباه موالي للغرباء، وبالتالي ليس فقط عجزوا عن تقديم الخدمات المرجوة للشعب، بل جعلوه بضاعة سهلة المقايضة عليه.
 وهنا وحيث الوطنية تفرض ذاتها، عليهم دون الحراك الواعي الملغي من الساحة، معالجة هذه الإشكالية بالتحديد بأساليب مختلفة:
1- التنحي عن القيادة وفتح الأبواب للأجيال القادمة لإنقاذ الحراك من المستنقع.
2- وإن لم يمتثلوا للأول، لا بد من تطوير الذات، رغم شبه عدمية حصول مثل هذه الاحتمالية، فعلى الأقل عدم الوقوف في وجه أطراف الحراك المواكب للعصر.
3- النأي عن التبعية للقوى الإقليمية، وعدم التكالب عليه للحصول على القوة، أو السماح لأي منهم بفرض شروطهم، وألا يسمحوا للمتربصين بالتدخل فيما بينهم، ولا تعني هذه قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع العالم الخارجي، فالحد من التبعية للخارج، مرحلة من مراحل الوعي للإحاطة بقضايا الشعب.
4- على قيادة قوى الإدارة الذاتية، وخاصة المتحكمة بزمام الأمور، ليس فقط تقبل النقد، بل التوقف عليه ومناقشته، ومن ثم التحرر من شمولية الفكر والسلطة، ومحاولة مواكبة المفاهيم العصرية، والتخلي عن المدارك الطوباوية التي تتعارض والعصر.
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
9/7/2022م
شارك المقال