الرئيسية بلوق

مصيف صلاح الدين قبلة الأمن والأمان

0

روماف – رأي

إن كان بينكم حكيم هذا يعني أن وضعكم بخير، بهذه الكلمات أبدأ الحديث في كل ما يحصل في إقليم كوردستان والعراق، وعن مكانة حكيم الكورد والعراقيين الزعيم مسعود البارزاني ومصيف صلاح الدين عند العراقيين والكورد وحتى عند جميع الدول إن كانت إقليمية ودولية، وحسب معظم السياسيين العراقيين وحتى الإقليميين يصارحون جهاراً نهاراً بأن جميع المشاكل المستعصية حلولها ممكنة عند ساكن مصيف صلاح الدين، الحكيم والزعيم مسعود البارزاني.

وهنا أقف، أي عند كلمة الحكيم التي اتصفت بها شخصية الرئيس مسعود البارزاني، هو يعرف ما يجب عليه قوله أو فعله، وما يجب عليه تركه أو رفضه أو تجاهله في كافة شؤون الكورد والقوميات المتعايشة معه، لمعرفته الجيدة والخبرة الكبيرة بما هو مُقدِمٌ على التعامل معه، نتيجة التجارب العديدة ولسنوات طويلة الذي خاضه البارزاني في معترك الحياة منذ نعومة أظفاره وحتى الآن. وكذلك الإرادة القوية والعزيمة الجبارة الذي تتمتع بها شخصية البارزاني من الهدوء والصبر وتحمل الصعاب وامتصاص حالات الغضب وخذلان المقابل له لذلك يعطيه فرصة أخرى للتراجع عن أخطائه، كما حصل خلال خيانة البعض من الكورد بالتآمر مع الحشد الشعبي في السادس عشر من أكتوبر عام 2017، نتيجة الخيانة خسارة الكورد لمدينة كركوك والانسحاب من المناطق المستقطعة من كوردستان، وكانت حكمة الرئيس مسعود البارزاني بعودة الوضع إلى ما كان عليه ويمكن للأفضل.

وقد تشكلت شخصية الرئيس مسعود البارزاني من خلال نضاله الطويل واحتكاكه المستمر مع الجميع، الصغير قبل الكبير، الفقير قبل الغني، وتواجده في مقدمة شعبه الكوردي عند الشدائد ومقدمة أصدقائه العرب من السنة والشيعة عند المصاعب، فيكون صادقا في تقديم النصح والمشورة.

هذا ما جعل الرئيس مسعود البارزاني مقصدا للجميع لثقته وإخلاصه وعدم تنازله عن المبادئ، أحبه الأعداء قبل الأصدقاء، وأصبح مرتعاً لحل مشاكل العراقيين، قول الزعيم مسعود البارزاني البصمة ومحل قبولهم، يعتبرون رأيه قانوناً واجب تنفيذه.

قطف الزعيم مسعود البارزاني ثمرة إخلاصه ووفائه من خلال وقوف الشعب الكوردي إلى جانبه، وذلك أثناء يوم الاستفتاء قبل ست سنوات في 25 أيلول عام 2017، عندما حوَّلوا ذلك اليوم إلى عيد ومهرجان، أدهش العالم بهذا الوفاء المتبادل بين البارزاني والشعب الكوردي، كان الحصاد وفيراً، والقلوب تصدح فرحاً والحناجر ترتفع زغردة.

والآن ما حصل ويحصل في بغداد أيضاً نتيجة لِما أبدى البارزاني من مواقف جعل من العراقيين جميعاً يخفضون رؤوسهم احتراماً وتقديراً لمواقفه المبدئية، رغم كل ما مارسته وتمارسه الحكومات العراقية المتعاقبة بعد 2003 من مؤامرات ودسائس ومن انقلابات على الاتفاقية المبرمة مع الإقليم، يبقي البارزاني شعرة التواصل، لقناعته أنه لا حلول سوى حل الرجوع إلى طاولة المفاوضات.

وكذلك عند تعرقل الأوضاع وتلاشي الحلول بين الأطراف العراقية في بغداد، يتجه الأنظار إلى الشمال إلى مصيف صلاح الدين لمعرفتهم وتأكيدهم أن ساكن صلاح الدين عندما يدلي بمشورة أو رأي يكون في مصلحة العراق والعراقيين بكل أطيافه ومكوناته ومذاهبه.

السياسة المتزنة الذي يمارسها مصيف صلاح الدين من خلال ساكنه ورجالاته جعل من إقليم كوردستان مقصد رجالات السياسة الدولية، ونقطة الالتقاء والتلاقي في رسم سياسات محلية وإقليمية، وكذلك لوضع خرائط اقتصادية ومصالحية تترابط وتتوازة مع مصالح وسياسات عالمية، ما جعل من الإقليم نقطة تشابك السياسات والمصالح الدولية، مما أغاظ الأعداء وجعلهم يبتون لـ الإقليم المؤامرات والدسائس، ولكن حكمة البارزاني حطّم كل النوايا الغبيئة.

نستطيع القول، إن البارزاني كـ الماء يُحيي شعبه حباً وأملاً وإخلاصاً من جهة، ويُطفئ نار الحقد والكراهية للخونة والانتهازيين والأعداء من جهة أخرى.

وكذلك مقصد ومرجع للكورد والعراقيين لقدرته على التحليل والاستنباط الدروس من التجارب الماضية ولِما عانوه من ظلم وقهر خلال الأنظمة المتعاقبة وأيضا خلال تشكيل الحكومات الاتحادية، نتيجة التدخلات الإقليمية في الشؤون العراقية وبث النعرات الطائفية والدينية وخاصة التدخلات الإيرانية المتكررة والتي أصبحت هذا التدخل نخراً في العظم العراقي الذي يضعف ويقلل من مكانة العراق، داخلياً وإقليمياً وعالمياً.

ولعلمهم أيضاً إن البارزاني يعمل بكل وفاء وإخلاص ونية صادقة على تغيير الوضع الراهن للبلد ووضع قواعد جديدة والبحث عن طُرق التوافق والتصالح لتغيير ظروف العراق نحو الأفضل.

سيبقى مصيف صلاح الدين مركز الكوردايتي ونقطة تلاقي الكورد في أجزاء كوردستان الأربعة، وقبلة الأمن والسلام وروح التسامح والوئام للعراقيين وجميع القوميات والأطياف الشرق الأوسطية.

حبٌّ على الطريقة الكُردية

0

ولاتي مه – شعر 

 إبراهيم محمود

 

” طبعاُ بمناسبة عيد المرأة العالمي، وعيد الأم، ونوروز “

 

طالما أنك بعيدة عني

أقول : طالما أنك بعيدة عني

سأتوسل إلى الهواء

كي يصلني بك

سأتوسل إلى مفارق الطرق

كي تهديني إليك

سأرجو كبار الجان

كي يحملوك إلي

أو يقرّبوك مني

لا فرق

حينها سأغلفك 

بورق القصدير المتوفر

وعلى نار حبي الكردي الجبلي

سأشويك

بشهيك فائقة 

وأهضمك بعظمك ولحمك

وأثبت للعالم أجمع

أنني كردي قح

لا يترك لمن يحب أثراً

حتى ولو في معدته

**

طالما أنك لست في متناول يدي

طالما يصعب علي بلوغك

سأكتب باسمك أجمل القصائد

تشتهي كل أزهار الأرض

أن تسكنها

سأكتب أروع الأوصاف لتعظيم جمالك السماوي

تشتهي كل النجوم أن تهبط إليها

سأكتب أعذب الكلمات في إبراز صفائك الكريستالي

ليس من نبع إلا ويتمنى أن يتزنر به

سأكتب  أحلى العبارات في تأكيد حلاوتك

لا عسل في الدنيا إلا ويتمنى تذوقَ كامل جسمك

لتنتشي حلاوته

وحين تصبحين ” ملْك يدي “

سأطرد كل هذه الأسماء الغريبة التي أوردتها

وأبقيك وحدك 

منتقماً منك

أقلب فيك الأرض والسماء

معتمداً كل كرديتي الجبلية السافرة

ساخراً من كل أعيادك

ليرضى عني آبائي وأجدادي الكرد

إلى اللحظة، من يوم 13-3/ 2023

في حب على الطريقة الكردية

لماذا لم تسألني ؟!

0

روماف – ثقافة

في هذه الحياة تلتقي بشخص يستحيل عليك أن تتخطاه .

وأنت على دراية تامة بأنه ليس لك .

شخص يمتاز بكل ماتتمناه من الصفات ، هو جزء منك ، بسمة صباحاتك وسر سعادتك ،نعم هو عالمك الجميل لكنه ليس لك .

شخص لن يكون لك ، يشبهك في كل شيءٍ صورة رسمتها في مخيلتك ، تتودد إليه وبذات الوقت تفصلكما قارة من اللقاء .

تعايشه أجمل لحظاتك.. صديقك تارة وحبيب تارة أخرى ومن ثم شخص غريب .

تمضي الأيام ، تدور في عجلتها ووحده القدر يحثك على النبش في جعبتك ، عن ما يجعلك تغض الطرف عنه ولتمسح بذلك تفاصيله من الذاكرة إلا أنك أضعف من أن تسدّ طاقة القدر المستعرة بروحه على روحك فتتذكر تارة أخرى بأنه ليس لك .

أنت لا تمتلك منه إلا بعض اللحظات فأي منطق هو ذاك الذي يسلبك إرادتك في الاختيار ؟

وهنا تقف في منطقة الحياد وتفزع على ارتعاشات قلبك وتتنهد شهيق الرحيل نعم ذاك هو الخيار الوحيد ربما الانسب تتساءل في حيرة .

تقول في قرارة نفسك ربما يكون الانسحاب رغماً هو جلد للروح ودفنها وهي و على قيد الحياة .

تريد العودة الى حيث طفولتك ، إلى بيادر الطمانينة لتزيل عن روحك التعب ولتغطّ في سبات عميق ، كأن تمنح نفسك فرصة التداول للتفكير فيما تورطت به وإلى هذا الحد .

من الوهلة الأولى وملامحك تلازمني حديثك الدافئ الذي ادمنته ، تشاركنا الحزن والشغف معاً ولكن افتنانك شيئاً فشيئاً بات يتلاشى ، لم اعد تلك الأنثى التي اوسمتني اياها ذات عشق ، خلعت عني جلباب الدهشة وتماهيت مع جنون رغباتك .

هو لم يعد يراك جميلة ، لم يعد يفتنه عطرك ، ملمس يدك التي كانت تثير فيه الرغبة بالتحليق .

نعم ماعدت تعنيه كأنثى اصبحت مثل باقي النساء وأنت التي اصطفيته دوناً عن كل الرجال .

إنه قاتلك في الحياة ولاشيء يخفف الم الروح سوى ذلك الصندوق الاسود في قعر الذاكرة .

 

 

 

 

دونالد ترامب مطلوب للإدلاء بشهادته في قضية مبالغ مالية دفعت نيابة عنه للنجمة الإباحية السابقة ستورمي دانيلز

0

روماف – وكالات

طلب الادعاء في نيويورك من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الإدلاء بشهادته أمام المحلفين في قضية ستورمي دانيلز، حسبما أكد محاميه.

وأجرى الادعاء في مانهاتن تحقيقات بشأن ترامب على مدى خمس سنوات بشأن مزاعم عن مبالغ مالية دفعت نيابة عنه للنجمة الإباحية السابقة، حتى لا تدلي بما لديها من معلومات عن علاقة مزعومة بينهما.

وذكرت وسائل إعلام أمريكية أن دعوته إلى الإدلاء بشهادته أمام المحلفين تشير إلى أنه قد يواجه اتهامات.

وتقول دانيلز إنها حصلت على 130 ألف دولار قبل انتخابات عام 2016 مقابل الصمت بشأن علاقة مزعومة.

وينفي ترامب أنهما أقاما علاقات جنسية.

وتشكل هيئة محلفين كبرى من قبل الادعاء لتحديد ما إذا كان هناك أدلة كافية لتوجيه اتهامات في قضية ما.

وتعقد الهيئة جلساتها سرا، وأفادت تقارير أن العديد من مساعدي ترامب السابقين قد أدلوا بشهاداتهم في هذه القضية.

وإذا قام الادعاء بتوجيه اتهام لترامب، فقد تكون هذه أول قضية جنائية تُرفع على الإطلاق ضد رئيس أمريكي سابق.

وهي واحدة من عدة تحقيقات يتم فيها التحقيق مع ترامب، على الرغم من أنه لم توجه أي تهم إليه حتى الآن، وينفي ارتكاب أي مخالفات في كل منها.

ويأتي ذلك بينما يسعى الجمهوري البالغ من العمر 76 عامًا للترشح للرئاسة مرة أخرى.

ولم يعلق الادعاء على أنباء الدعوة التي أوردتها وسائل الإعلام الأمريكية، وأكدها الفريق القانوني لترامب.

ولم تتضح التهم التي قد يواجهها ترامب. وقال جوزيف تاكوبينا، أحد أعضاء الفريق، لوكالة أسوشيتد برس للأنباء إنه لا يوجد أساس قانوني للقضية، وأنه لا يعتقد أن الادعاء اتخذ قرارًا بشأن الاتهامات “بطريقة أو بأخرى”.

وعلى شبكة التواصل الاجتماعي الخاصة به “تروث سوشال”، وصف ترامب التحقيق بأنه مطاردة سياسية من قبل ما وصفه بـ “نظام العدالة الفاسد والمنحل”.

ونشأت القضية من ادعاء بأن ترامب أعطى تعليمات لمحاميه السابق بدفع مبلغ مالي لستورمي دانيلز لمنعها من التحدث علنا عن علاقة مزعومة.

ترامب

صدر الصورة،GETTY IMAGES

وسُجن المحامي مايكل كوهين فيما بعد إثر توجيه عدة تهم إليه.

وأدلى كوهين بشهادته تحت القسم، قائلا إن ترامب قد أمره بدفع مبلغ 130 ألف دولار قبل أيام فقط من انتخابات عام 2016.

وأقر ترامب بسداد المبلغ، لكنه نفى هذه العلاقة، وأي مخالفة فيما تتعلق بقوانين الحملة الانتخابية.

وتركز القضية على دور ترامب المزعوم في التستر على المدفوعات عن طريق تزوير حساباته التجارية.

ووفقًا لصحيفة نيويورك تايمز، التي نشرت القصة لأول مرة، فإنه غالبًا ما تسبق الدعوة للإدلاء بشهادة أمام هيئة محلفين كبرى في نيويورك توجيه الاتهام.

وقالت الصحيفة إنه عرض تطوعي ومن المرجح أن يرفضه ترامب.

وكان الخلاف القانوني حول هذه المزاعم مستمرًا طوال فترة رئاسة ترامب.

وأُلغي تحقيق فيدرالي في قضية ستورمي دانيلز في عام 2021 بعد أن ترك منصبه ترامب، لكن مكتب المدعي العام في مانهاتن يجري تحقيقًا منفصلاً منذ عام 2018.

دونالد ترامب الرئيس الأمريكي السابق و هو الرئيس الخامس والأربعون للولايات المتحدة من الفترة 2017 إلى 2021.

السوشيال ميديا: ونشر ثقافة الكراهية، في الدافع والمدفوع به!

0

روماف – رأي

باتت نتائج الاستخدام السيء لوسائل التواصل الاجتماعي، تظهر على نحو يومي، من حولنا، من خلال تفاقم حالة الخلخلة الاجتماعية، في ظل تاريخ مرير، كان من بينه كل ما زرعه النظام الاستبدادي، عبر عقود، من الجور والظلم، وجاءت السنوات الاثنتي عشرة الأخيرة، في ظل الحرب والحصار، وتكريس الفرقة لتزيد الشرخ، الذي باتت وسائل التواصل الاجتماعي- السوشيال ميديا- في مرحلتها ما بعد الحداثية تعمق من هوته، فغدا  لكل فريق لسان حاله، وبات يطفح على السطح بعض الذين لا يراعون شروط الحوار، كي يتسيدوا المشهد الإعلامي الشعبوي، كي يقفز بعض الجهلة إلى مفاصل و مواقع إعلامية حساسة، فيرى كل منهم ذاته – وزير إعلام- بأرياش منفوشة، من دون أن يكون مهيئاً لذلك، بل لإقناع حتى ذاته، مادام توافر- جهاز هاتف ذكي مزود بخط أنترنيتي وحساب فيسبوكي أو يوتيوبي مجانيين- يمكناه، كما غيرهما من وسائل التواصل، من أن يضع نفسه في موقع هو ليس مؤهلاً له، مستفيداً من توافر مصفقين متابعين لما هو ممنوع، من تبادل الشَّتم والطعن، كمن يشغف ب- صراع الديكة- أو- صراع الثيران- على حلبة مكشوفة، مرئية أمام العالم، كل العالم، إذ نجد جمهوراً كبيراً لمثل هذه- المسلاة- أو الملهاة- دون الانتباه إلى آثارها الكارثية على الصعيد العام، بعكس الخطاب العقلاني الجاد الذي قد لايلتف حوله إلا القليلون.
قبل كل شيء، فإنني لا أنظر- هنا- إلى أصحاب الآراء المتضادة، أو المتناحرة، على حد سواء، فهناك من يحاول أن يكون صوت الحق، بيد أن هناك من يحاول أن يكون الصوت المضلِّل، الانفعالي، الذي يخدم آلة التزوير، إلا إن ما ينتجه هذا الصنف من- معلومة- إنما هو مدمّر، أشبه بجرعة سمِّ عقرب، أو أفعى، أو ببؤرة سرطان، إذ إن توأمة الجهل والإعلام خطر محدق. جد كبير، يهدد البنيان الاجتماعي، فقد تابعنا، خلال الأسابيع الماضية- في أقرب تمثيل أو تشخيص- حيثيات انزلاق هذا النموذج  إلى حفافي أو مستنقع مرحلة كارثية جديدة، عبر اللجوء إلى وسائل خسيسة في إلحاق الأذى ببعض الضحايا، في النيل منهم: عبر اللجوء إلى نعتهم بكبريات الخطايا، ومن بينها: ” وصمة” الجنس، من خلال تسخير- بعضهن- للإيقاع ببعض الضحايا، أو من خلال تركيب وفبركة صور محددة، أو انتقاء لقطات ما، في إطار محاولة إعدام بعضهم، من دون أن يرفَّ لمن وراء مثل هذه الأفعال الشنيعة جفن، بما في ذلك من انتهاك لخصوصيات الآخر التي بات يلجأ إليها من يعيشون تناقضاً كبيراً، إذ إنهم ما بعد حداثيين من خلال استخدام وسائل التواصل والاتصال، كما إنهم- في المقابل- يعيشون بعقلية وحشية، ثأرية، انتقامية، إما كنتيجة لحالة مرضية مبيتة، أو استجابة لمخطط واسع، أو نتيجة هذا وذاك، في آن واحد!
حقيقة، إنه لمؤلم جداً، أن نجد بعض ضحايا السوشيال ميديا، ممن يستخدمونها، في إطار إلحاق الأذى بالآخرين. أجل، إنهم ضحايا قبل من يغررون أو يغدرون بهم،  بعد أن باتوا يجدون أنفسهم في مواقع ليست لهم، وعبر رصيد لا يد لهم فيه، إذ ثمة منجز، يمنح كلاً منا إمكان أن يقدم رؤيته، حول كل ما يجري حوله،  بوساطة أدوات الحوار العلمي، وليس عبر التزوير، والإيقاع.  ولا عبر فرض الرأي على الآخرين، من خلال- السطوة- والصراخ- والشتم، والتهديد، والوعيد، لاسيما إن أي تحليل أول لبنية خطاب هذا النمط ليبين لنا، بجلاء شعبويته، بل سوقيته، وابتذاله، حتى وإن سقط في فخاخه بعض أصحاب الإمكانات الثقافية الإعلامية الذين يتوخى منهم أن يؤثروا على نحو إيجابي، في محيطهم، ومجتمعهم، لا أن ينحدروا إلى استخدام اللغة المتسطحة، لهذا الغرض أو ذاك، إذ إننا نجد من يستطيع عبر هذه الوسائل ممارسة الانتهاكات بحق الآخرين، والنيل من الرموز، والقامات العالية، وتشويه النضال، ونشر ثقافة اليأس بين ظهرانينا، من خلال إطلاق كذبة، أو تدبيج- مشهد فوتوشوب- مزور، أو اختلاق فرية، إذ إن السوشيال ميديا التي كسرت احتكار الإعلام، ومنحت كل فرد، في العالم الافتراضي أن يكون له صوته وحضوره باتت تستخدم خارج وظيفتها التي يفترض أنها أوجدت، من أجلها!
في الحاجة إلى النقد الواعي
ثمة إشارة دائمة، ألجأ إليها، ألا وهي أن هناك حاجة عظمى من قبلنا جميعاً إلى- النقد- كأفراد وكمؤسسات، لتطوير ذواتنا، في إطار عملنا، إلا إن تمييعاً، بل تسطيحاً، أوتبخسياً بات يمارس بحق النقد، من خلال تقزيمه، ونحن في الألفية الثالثة التي يفترض أن يحقق النقد خطوات كبيرة، لينعكس ذلك لأجل خدمة إنساننا ومحيطنا وعالمنا، وذلك من خلال استخدام النقد في غيرإطاره. خارج إطاره، وضد النقد ذاته، عبر تقزيمه، ليكون على مقاس أهواء- بعض الجهال- والكيديين، حتى وإن كان من بينهم حملة شهادات، لأنه بات يستخدم في إطار- الجناية- ليصل إلى حد الجريمة، من خلال قلب المفاهيم، وإمحاء الحدود بين القبح والجمال، وتزيين الجناية والجريمة وتقبيح القيم الإنسانية، و زرع الشك في حده السلبي، في البناء الاجتماعي!
 
لماذا النيل من النماذج المضيئة؟
إذ إن كل من يعمل في سبيل رسالة ما، بات معرضاً لهجوم شنيع- مجاني أو مدفوع الأجر بهذا الشكل أو ذاك- ولا تنجو المؤسسات النشيطة، من ذلك، من خلال نعتها بصفات هابطة، ومحاولات تشويهها، والتدليس عليها، والتنفير منها، بل عبر السعي إلى النيل من كل إنسان يعمل للصالح العام، وهذا مرده إما- الغيرة- والحسد، وهذا هو الحد الذي يمكن تقبله، في إطار: المرض، أو العقد النفسية، أو أنه يكون نتيجة تخطيط من العدو، لضرب أبناء مجتمعنا بعضهم ببعض، لاسيما إن كل ذي حضور مميز بات هدفاً لنصال هذا النموذج المستهتر، الممارس للطعن، باسم النقد، وهوما يجب التنبيه إليه، والحذر ممن يمارسونه، وإن كان علينا أن ندعو إلى النقد، المبني على أسس علمية سليمة.
ثمة من قد يمرِّر شتيمته، أو مشروع فتنة، أو مخطط جريمة، عبر غطاء- النقد الساخر- من دون أن يرتقي الداعي إليه إلى مستوى فهم أو مراعاة النقد، في حدوده الدنيا، فالنقد الساخر فن وعلم وثقافة وهو ليس-مجرور نتن- يفرغ بعضهم أحقاده عبره، وهو اعتداء على النقد الساخر، واعتداء على النقد، وخدمة رخيصة لأعداء الحياة، في خدمة ثقافة الشر، وها نجد تشويه العمل المميز للفرد، أو المؤسسة، والتنفير من المؤسسة، عبر لصق النعوت الكاذبة بها، لقطع كل الجسور بين أفراد المجتمع، وتدمير أواصر الوئام، وهوما كان ظل النظام الاستبدادي يحرص على إدارته، عبر عقود للفتك على إنساننا، وشعبنا، وفي هذا السلوك تطبيق وتنفيذ لهذه السياسة، عن جهل طوعي، أو وعي تطويعي؟؟!
إن العمل جار، ضمن هاتين الحالتين، في إطار استئصال كل ما هو إيجابي، وتشنيع الأمثلة المضية- أية كانت- وفي كل هذا ما يخدم أعداء شعبنا، الذي تستفيد دوائره من هذه الحروب الافتراضية التي تثار، وتعكس صورة سوداء، غير واقعية عن مجتمعنا، من خلال السعي لتعميم الشاذ، وتعويمه، والتعتيم على ما هو مشع. مضيء. نيِّر، نبيل، لاسيما بعد أن بات بعضهم يحاول صناعة تاريخ مزيف له- بعد توافر شرط التعويل على البعد عن المسرح المكاني أو عامل التقادم الزمني، في هذا العصر الافتراضي، فلا يجد مناصاً لذلك، إلا عبر استهداف أصحاب الأيدي البيضاء، والذين أدوا ويؤدون خدمات لمحيطهم، كي يعلوا من شؤونهم، لطالما لاحضورلهم في حضور هؤلاء!
بيادق اللعبة:
ولعلنا نجد بعض أكاديميينا ونخبنا ينجرون إلى هذه اللعبة، إما من خلال السقوط في درك الخطاب المتسيد، أو من خلال تغذيته، عبر متابعته، وتشجيع القائمين عليه، بل حتى توظيف بعضهم لإطلاق أكاذيب صبيانية، بحق منافسيهم، أو المختلف معهم، على أمل الاحتفاظ بأكذوبة مملاة من لدنه على أنموذج أمي ساذج، أو مأجور، أو مغرض، بأنها قد تتحول إلى وثيقة ضد الآخر: مؤسسة، أو شخصاً، وهذا لا يأتي إلا نتيجة عقل- مافيوي- أياً كان من يسانده، وقد روى لي أحدهم بأن أكثر من شخص قد تواصل معه، محاولاً تحريضه ضد سواه، بل إن هناك من أوحى بمده بالمساعدة، وهذا أسلوب جاهل، إجرامي، في جوهره، وما أكثر من ينصاعون لهكذا محرضين، فيتم استخدامهم للإساءة إلى قامات عالية. إلى شرفاء، وهو شأن عديمي التاريخ الذين يستشعرون باستلاب داخلي، بشعور دوني. بيقين آفوي دوني، يدفعهم إلى ممارسة تشويه كل شيء، من حولهم، حتى يستووا بغيرهم، وتكون لهم مكانتهم في هذا الفضاء الافتراضي، بعد أن كانت سيرهم، تواريخهم، خالية من أية منجزات، أو ملأى بالعثرات، والإحباطات، أو حتى بكل ما هو مشين، وقذر!
وهنا، فإن هذا النموذج المحرِّض، الدافع، المزلق، إنما هو أنموذج مريض يعيش بيننا، ولابدَّ من تشخيصهم، والإشارة إليهم، لأنهم  رغم تواريهم عما يرتكبونه من أعمال مشينة، نتيجة جبنهم، أكثر إجراماً من أدوات التنفيذ الذين نشفق على بعضهم، وهم ينفذون ما يملى عليهم، مقابل أن يتسنى لهم الظهور. الظهور ولو- على مزبلة أكاذيب-، وهم- في أفضل الأحوال- ضحايا بلا تواريخ مضيئة تشفع لهم، أو متأتون من بيئات غير سليمة، لا يجدون كمن يحرضهم مكاناً لذواتهم إلا عبر تشويه صور أصحاب القامات النضالية، أو الرموز ذات الحضور في ضمائر ذويهم!
صحيح أن حجم مثل هذه الجرائم الإلكترونية جد كبير، نتيجة إفراغ كثيرين قيئهم وقيحهم عبر أدوات- السوشيال ميديا- إلا إنه منه غير المعقول استمرار هذا الوباء المدمِّر، باعتبار أن هناك قوانين صارمة، في البلدان التي تحترم كرامات مواطنيها، ومن يعيشون على ترابها، لذلك فإن من واجبنا جميعنا نشر ثقافة احترام خصوصية الآخر. رأيه السلمي، ضمن حدوده، وشروطه، مقابل التثقيف القانوني، وتنبيه المحيط بخطورة  انتهاك القانون وإلحاق الأذى بالآخرين، لاسيما بعد أن بات بعضنا يقدم ذاته وهو يمعن في طعن آخرين في هذا الفضاء بأنه يمارس دوراً بطولياً، رغم إن استخدام- اللغة المحرمة- أو السلاح المحرم- حتى في الرأي والحوار، من أعظم الجنايات اللاإنسانية التي يجب أن تحاسب عليها القوانين في شتى أنحاء المعمورة!

انتصر الأسد … مات الشعب

0

روماف – رأي

تتطلّع دول عربية إلى إعادة سورية إلى سجل جامعة الدول العربية، وتتعامل مع خطوات التطبيع الجارية مع نظام الأسد وكأنها إنجازات، يبرّرها بعضُهم بأنها تعطّل عملية التلاحم المصيري بين رئيس النظام السوري وإيران، بينما يسعى آخرون إلى القفز من خلالها فوق حدود العقوبات الأميركية أو التسلّل من تحتها، رغبة من تلك الأنظمة في متابعة مشروع دعم الرئيس بشّار الأسد في الانقلاب على ما سمّي الربيع العربي، ليس سورياً فحسب، بل عربياً، حيث هبّت رياحه، ولا تزال معارك هزيمته مستعرة في دول المنطقة.
وقد ألهم الزلزال المدمر والكارثي الذي حدث في 6 الشهر الماضي (فبراير/ شباط) أنظمة عربية وغيرها إلى منافذ جديدة للعبور إلى دمشق، ليس فقط من باب الإغاثة الواجبة عليهم إنسانياً، لشعبٍ تنازعته الأزمات الاقتصادية تحت وابل سلاح الحرب، وتقاسم دول الاحتلال مقوماته الاقتصادية، ولكن أيضاً من باب السياسة الذي أغلقته الولايات المتحدة الأميركية، وجعلت منه حدّاً فاصلاً بين المدرستين الروسية والغربية في التعامل مع قضايا الحريات والديمقراطية. ما يعني أن الصورة التي يمكن تصديرها من توافد المسؤولين العرب إلى دمشق هي: الاحتفاء بانتصار الديكتاتوريات على مطالب الحرية، ودعم كل أشكال قمع المتظاهرين، سواء بالاعتقالات أو القتل والتدمير. وهذه رسائل لا تخصّ الشعب السوري فقط، بقدر ما تعني شعوب تلك الأنظمة أيضاً، فمدّ أيدي ثلة من الحكّام لانتشال الأسد من عزلته، من دون الالتفات إلى معاناة السوريين، والسعي إلى حل الصراع في سورية، وفقاً لما جاء في قرار قطيعتهم مع الأسد، وعلى أساس القرارات الأممية، هي محاولة اصطياد في ركام جثث الضحايا السوريين، وليس فقط في ماء عكر، ما يعني أن هذه الدول أخذت قراراً اصطفافياً معلناً ضد شرعية قراراتها السابقة، وتبنّيها القرارات الدولية من بيان جنيف إلى 2254. 

ربما من المجحف المطالبة بإبقاء الحصار والعقوبات على سورية بواقعها الحالي

لم يغير النظام السوري سلوكه بدءاً من 18 مارس/ آذار 2011، وحتى ما بعد الزلازل الكارثية المتتالية التي أودت بحياة سوريين كثيرين. لا تزال العمليات العسكرية جارية في المساحات التي تستطيع قواته الوصول إليها وضربها، بالمشاركة مع كل من روسيا بوتين ونظام الولي الفقيه في إيران ومليشياته الطائفية المسلحة، مثل “فاطميون” و”زينبيون” و”عصائب الحق” و”كتائب أبو الفضل العباس” و”الحشد الشعبي” و”حزب الله” اللبناني. أي إن الأسباب التي دفعت الأنظمة العربية إلى القطيعة مع الأسد، فيما لو كانت لأسباب “إنسانية”، لا تزال قائمة، بل في مرحلة أكثر مأساوية مع وجود كارثة طبيعية، وانشغال المسعفين بإخراج ضحاياهم يتردّد صوت القصف في شمال حلب (مارع)، حسب إعلان الحكومة البريطانية، ما يعني أن الأنظمة العربية تعلن تغيير موقفها الإنساني من “ضد” القصف إلى الموافقة عليه أو حتى تأييده! 
ربما من المجحف المطالبة بإبقاء الحصار والعقوبات على سورية بواقعها الحالي، حيث تفيد التجربة أن 12 عاماً من هذا الحصار، والقوائم المتلاحقة للعقوبات على النظام وأزلامه، لم تغيّر سلوكه تجاه الشعب السوري، ما يعني قدرته على تصدير أزمته إلى الشعب بعمومه، وتوزيع انعكاسات هذه العقوبات على تفاصيل حياة السوريين من دون أي تأثر يذكر في حياة الأسرة الحاكمة، أو رفاهية المحيطين به من رجال أعمال وقادة أمنيين. ويضاف إلى ذلك عودة انفتاح الأنظمة على التعاطي مع النظام أمنياً واقتصادياً تحت غطاء الإغاثة، أو من باب الاصطفاف الإقليمي الذي تقوده إسرائيل، بعد تأكيداتها المتلاحقة بالفصل بين موقفها من النظام وهجماتها على مواقع النشاط الإيراني في سورية. حيث لا يمكن الفصل بين موجة التطبيع العربي الإسرائيلي مع حملات التسامح العربي تجاه المقتلة السورية التي كانت محلّ إدانتهم في بيانات المسؤولين وتصريحاتهم، حين كانت موضة القطيعة مع النظام رائجة.

الولايات المتحدة هي المعنية أولاً وأخيراً بفتح الملف السوري على طاولة الحل الدولي

بالتأكيد، لا يمكن أن يكون لتطبيع بعض الدول العربية والإقليمية أثره الكبير على تغيير إيجابي يحصل في واقع السوريين، ولا حتى في إنهاء الصراع، حيث لا يغيّر ذلك كله من أن الولايات المتحدة هي المعنية أولاً وأخيراً بفتح الملف السوري على طاولة الحل الدولي، وتوزيع غنائم هذه المقتلة السورية، لأنها المسؤولة الأولى عن التلاعب بثورة السوريين، ومعها كل ما عُرفت بالدول “الصديقة” للشعب السوري، إذ إنها شجّعت أو ورّطت بالتحوّل من الثورة الشعبية إلى عمل الفصائل المسلحة، بدليل غرفتي الموم والكوك، اللتين رعتهما الدول الراغبة اليوم بتسريع التطبيع، ربما من باب معرفتها بواقع العسكرة، أو انتهاء الأدوار الفوضوية لتلك العسكرة، ثم فجأة تخلت عن ذلك كله بعد أن تم التوريط.
لقد تبنّى الغرب بيان جنيف 2012، ثم تخلى عنه أو ميّع مضامينه بالترجمتين الروسية والأميركية له، ثم سلّم الملف لروسيا، وجاء بعد ذلك نحو عشرين قراراً دولياً، وبينهم مفاوضات أستانة وسوتشي (روسيا وإيران وتركيا)، ثم بتحويل المأساة السورية إلى قضية إنسانية وقضية دستور، مع تحوّل الدول إلى تطبيع العلاقات مع النظام الذي تخلّى عن سيادة سورية، وأسهم بإرادته في احتلال الدول أراضيه وتقاسمها، ما يمكن التسليم به اليوم والاعتراف: نعم مات الشعب … انتصر الأسد.

انتصر الأسد مات الشعب

العربي الجديد

البارزانية.. قيم ومبادئ وإرادة كوردستانية حرة

0

روماف – رأي

نستغرب كثيراً عندما نرى نبتة تتحدى قسوة الحياة تنمو وتخرج من جوف شق من شقوق صخرة ضخمة، ونشاهد كيف أن النبتة تتألق اخضراراً وجمالاً. وما يزيد من دهشتنا أن النبتة وبهذا الرونق تحتاج إلى تربة وماء وهي في مكان لا تتوفر هذه الظروف، ومع ذلك تكبر وقد تصبح شجرة وتعمّر لسنوات وقرون، وهذا الاستغراب يتلاشى ويضمحل عندما يتواجد الأمل والاصرار عندها، وتقاوم الجفاف وصلابة الصخرة، دون أن ننسى إلى حكمة وقدرة ربانية.

البارزانية رائحة الإنسانية

البارزانية تشبه كثيراً هذه النبتة، حيث يلاحظ في منطقة تشبه إلى حدٍ كبير صحراء جرداء قاسية تحمل في طياتها مختلف السياسات اللاإنسانية من الاستبداد والتعصب والظلم وانعدام الضمير والقهر والذل، وكذلك الصلابة في العقلية الشرقية المتعطشة إلى الإقصاء وعدم تقبل الآخر، في وسط هذا الصحراء البشعة والصلابة العقلية تتلألأ نبتة تفوح منها رائحة الإنسانية والمحبة والتسامح، نبتة البارزانية، التي غرسها الأب الروحي للكورد الملا مصطفى البارزاني، وسقاها وجذّرها القائد مسعود البارزاني.

البارزانية ونصرة الإنسانية

وفي المقابل هناك عبارة تُقال، إن من سمع ليس كـ من رأى، هذه العبارة يُسقَط على من فعل خيراً أو حدث كبير أو من قام بشيء عظيم، وسماع الأفعال الخيّرة يتناقله الإنسان جيل بعد جيل، والأهم عندما تكون تلك الأفعال عن طريق المشاهدة بالعين المجردة ليس في منطقة محدودة بل على مرأى العالم أجمع، تُعتبر توثيقاً وتأكيداً على مصداقية تلك الأفعال، أمّا الأفعال الشريرة دائماً وأبداً تتهاوى وتسقط في مزبلة التاريخ.

ومن هنا نلقي نظرة إعجاب ليس فقط الكورد بل العالم أجمع على اللهفة الإنسانية لدى البارزانيين إلى مساعدة ومناصرة المظلوم والملهوف في كل حدث أو مأساة، ومن السباقين وأينما كان دون التفريق في المذهب أو العرق. كما ويرى البارزاني أنه من الواجب عليه تحمل مسؤولية الكورد أينما كانوا، ومن هذا المنطلق سارع البارزاني إلى تأدية المسؤولية والواجب الملقى على عاتقه تجاه أبنائه وإخوته الكورد في شمال وغرب كوردستان -هم الآن أحوج أكثر من أي وقت مضى إلى حضنه الدافئ- بتوجيه إيعاز إلى مؤسسة بارزاني الخيرية للقيام بالمهام الإنسانية الموكلة إليها، فكانت قوافلها تتلاحق تباعاً لتقديم الدعم المادي والمعنوي، السرعة في اتخاذ القرار وتلبية النداء أحد صفات البارزاني الكثيرة، فكان نسيم البارزاني الدواء والبلسم الشافي لجميع جروح الكورد في طرفي الحدود التركية والسورية وبالأخص الكورد العفرينيين.

ذرات تراب كوردستان تهلهل فرحاً لسماع اسم البارزانية

صور كثيرة تتكلم عن البارزنية وتُعبِر عما يجول في عقل وقلب كل إنسان يعيش في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة أجزاء كوردستان الأربعة، والصورة الأحدث كان مشهد ذاك المسن العفريني الذي استقبل قافلة مؤسسة بارزاني الخيرية وهو يصرخ شوقاً ودموع الفرح تنهمر على وجنتيه، والغصة والحسرة التي اعتصرت قلبه لبقائه وحيداً دون سند سنوات عديدة، هذا المشهد له معاني ورسائل كثيرة، منها ما يتعلق بمصيره كـ عفريني الذي يعيش في حقل من ألغام ممارسات الفصائل المسيطرة على عفرين ضدهم وضد وجودهم، وتغيير ديمغرافيتهم. والذي يتعلق أيضا بالسياسة الكوردية السورية والمتمثلة بقواه السياسية وإدارة ظهورهم لكل ما جرى ويجري بحقهم. والأخرى تتعلق بـ اللهفة البارزانية التي فعلت المستحيل لغرس وجودها في عفرين وحضن أهلها لتخفيف معاناتهم، وما حصل دليل قاطع وبجدارة على أن البارزانية ليست حزباً أو كياناً نشأ في البقعة الجنوبية من كوردستان، بل روح الكوردايتية والإنسانية التي تتنقل من ذرة تراب إلى أخرى في أقصى كوردستان إلى أقصاه، وعند رؤية أو سماع اسم البارزانية ليس فقط مشاعر الكورد تتحرك، بل كل ذرة من تراب الوطن تهلهل فرحاً وابتهاجاً، فتخرج الأرض من جوفها أجمل الثمار والأزهار.

كل هذا الاندفاع الكوردي نتيجة الإخلاص والتفاني والنبل والوفاء والتضحية والحنكة السياسية والخبرة العسكرية الذي يرافق اسم البارزاني، كل ذلك لم يأتِ من فراغ فقد اُثبتت هذه المدرسة جدارتها في تحمّل المسؤولية والأمانة وتحمّل القضية الكوردية ورايتها منذ نضال الأب الروحي للكورد الملا مصطفي البارزاني، هذه الأمانة التي انتقلت إلى القائد مسعود البارزاني، الذي لا يغفل له جفن حينما يتعرض أي كوردي أو أي منطقة كوردية إلى تهديد أو كارثة، كما يحدث الآن في المناطق الكوردية التي تعرضت للزلزال.

البارزانية بلسم الجروح الكوردية

منذ الكارثة الزلزالية التي تعرضت لها المنطقة في طرفي الحدود السورية والتركية، وأودت بحياة عشرات الآلاف وجرح مئات الآلاف من المدنيين والقائد مسعود البارزاني في استنفار كامل، ويعطي تعليماته وتوجيهاته، وكذلك تواصل شخصه الكريم بشكل مباشر مع طاقم مؤسسة بارزاني الخيرية لمعرفة سير العمل في تقديم الدعم المادي والمعنوي، كما ويرسل تطميناته إلى العفرنيين بعدم التخلي عنهم، وزاد من معنويات العفرينيين فتح مقر رسمي للمؤسسة فيها، مما رفع من سعادة الكورد ليس فقط في عفرين، بل في كافة مناطق تواجدهم، كل هذه الأعمال ضمّد جراح كورد كورداغي وجيايي كورمانج الذي نزف في الزلزال وكان ينزف خلال السنوات الماضية.

لذا، المدرسة البارزانية غنية عن التعريف بوفائها وإخلاصها وتضحياتها في سبيل شعبهم، وليعلم كل كوردي أنّ من يحمل أمانة هذه المدرسة البارزانية على عاتقه في الدفاع عن قضيته وشعبه يجب أن يكون على قدر تحمّلها، وان لا يتوانى ولا يتخاذل لحظة واحدة في استغلال الفرص لتحقيق الآماني الكوردية بالحوار وشرح القضية الكوردية للآخرين بالطرق الديمقراطية والسلمية، وإن حصل اعتداء، عليه ألا يجبن ولا يُفرّط بالحقوق الكوردية، بل أن يفعل كما فعل البارزاني، بأن أي شيء يساوم عليه إلا كوردستان وقضية شعبه المظلوم.

البارزانية رمز التسامح والمحبة

إن انفتاح البارزاني على العالم من خلال بناء أقوى العلاقات مع الدول المتحكمة في العالم على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، لإدراكه انه بوجود الأصدقاء فقط تكون ديمومة المكتسبات. والآن نرى النتائج حيث قدرته على دعم الكورد في المناطق المتضررة بالزلزال، وإرساله مؤسسة بارزاني الخيرية وبكامل طاقتها عبر الحدود التركية إلى أبنائه الكورد في كوردستان الشمالية ومنها أدخلها إلى كوردستان الغربية في وقت لم يجرؤ العالم بالدخول إليها لوجود فصائل وميليشيات مصنفة لديهم بالإرهابية، كـ هيئة تحرير الشام وغيرها.

كرر البارزاني هذا العمل البطولي في السابق، عندما أرسل البيشمركة إلى كوباني مع الأخذ بعين الاعتبار تجاوز الحكومة المركزية العراقية ومرور قوات كوردية مع رفع أعلام إقليم كوردستان في دولة لا ترحب بالوجود الكوردي وتجاوز الحدود السورية والتي تعتبر المحور الإيراني المعادي للكورد، لمساعدة مدينة كوردية من الهجمة الداعشية الإرهابية وأمام أنظار العالم.

ومن هنا اعتبرت شخصية البارزاني رمزاً للإنسانية والتسامح، واكتسبت شعبية كبيرة في الأوساط المحلية والإقليمية والدولية، هذه المدرسة استطاعت فرض نفسها على الأعداء قبل الأصدقاء، وأصبحت لاعباً فعّالاً في العراق ومنطقة الشرق الأوسط ومصدر أمن لدول إقليمية وعالمية كبيرة.

البارزاني ولملمة البيت الكوردي

ما أعطى البارزاني الجدارة في فرض كارزميته واحترامه وحبه في قلوب الكورد هو تحمّله للمسؤولية في الدفاع عن أي جزء من كوردستان دون أن يفرق بينها، وقدرته على احتواء البيت الكوردي ومحاولاته الحثيثة على لملمة البيت الكوردي ومنعهم من الاقتتال الداخلي. وكما أثبت للجميع أنه لاعب فعَّال ويستطيع اللعب وأخذ القرارات وتنفيذها دون خوف.

وعليه، أعتقد أن مثل هكذا شخصية وهكذا صفات من النادر ان تجده بين شعوب أو أقوام، وفي العراق ومنطقة الشرق الأوسط يعتبر شخصية البارزاني من الشخصيات الفريدة التي يحتذى بها ومحل تقدير واحترام، وهذا محل فخر وعز للكورد وللشعوب المتعايشة معها، فمن واجب الكورد في أجزاء كوردستان الأربعة الاقتداء به، وخاصة الكورد في غرب كوردستان، والسير على نهجه نهج الكوردايتي نهج البارزاني الخالد إن أرادوا الخلاص من سنوات الظلم والقهر وتحقيق الأماني الكوردية في كوردستان سوريا.

الهوس الجنسي الملعون

0

روماف – الحياة والمجتمع

أعتذر مرارا وتكرارا على عنوان موضوعي “لأنه مقزز” ، لأني قرأت الخبر من عدة مصادر و في البداية توقعته خبر كاذب ومزيف ولا صحة له مثل العديد من الأخبار التي أجدها على شبكة الإنترنت على سبيل المثال ، لكن ما أن أكتشفت أنه حقيقي وتعمقت بالتفاصيل شعرت بالتعب والغثيان ، فمجلس النواب الإسباني وافق على “ممارسة الجنس مع الحيوانات طالما لا تؤذيها”..!!

الخبر لا يحتاج تفصيل وشرح ، وبالتأكيد بقية الدول الأوربية سوف تطبق هذا القرار بل و سوف تبتكر ما هو أغرب منه في الفترة القادمة ،ودائما أتساءل لماذا أصبح موضوع التحرر والهوس الجنسي الشغل الشاغل لعدة دول ، بل ومصيري ومن أسس الديمقراطية..؟؟

بالنسبة لي وأنا “مواطن بريطاني” ،أجده بسبب الانغلاق الاجتماعي المحيط بحياتهم والتفكك بأبشع صورته ،يضطر البعض ولا أقول الجميع لأنني أرفض التعميم لكي يفرغ مشاعره وطاقته بما هو متاح أمامه ،حتى أنني أذكر صديقا لي أحب زميلته الجامعية وعندما أعلن لها عن حبه لها توقعت أنه يريد أن يمارس العلاقة الجنسية معها فقط لا غير وبعد هذا كل واحدا منهم يذهب في طريقه ، لكن ما أن عرفت أنه يريد الزواج  والاستمرار معها إلى الأبد أغمي عليها من شدة الفرح ، لأن ما قام به صديقي يعتبر شيء نادر الحدوث.

المصيبة أن بعض العقول لا تدرك أن أساس استمرار البشرية الوحيد هو عبر “علاقة واضحة وعلانية وشرعية “بين “الذكر والأنثى ” ، وكل قوانينهم وابتكاراتهم جلبت عليهم الكوارث ،لأنهم يريدون تغير هذا الأمر .

بروفسور حسين علي غالب بابان

أكاديمي وكاتب مقيم في بريطانيا

babanspp@gmail.com

https://www.facebook.com/babanspp

استياك

0

روماف – ثقافة

ق ق ج

صرخ عاليا والدهشة تشع من عينيه طيور حجل، جاب الصالون الملكي جيئة وذهاباً دونما جدوى، ضرب الجدران بقبضته فسال الدم قانياً على ساعده، مسح بأصابعه الكرسي الملكي بحرقة بينما الدموع تنهمر من عينيه الدهشتين وكأنه يشاهد المُلك لأول مرة:

-ميديا أنا لا أستحقك.. كنت ساذجاً فوجد الغدر موطئاً له في ثناياك..

نزع العباءة والتاج ووضعهما برفق على الكرسي وغادر مطأطئ الرأس مقهوراً.

ملاحظة:

استياك ابن كيخسرو إمبراطور ميدي سقطت إمبراطورية ميديا في عهده إثر خيانة هارباك قائد جيشه وتآمره مع الفرس.

من مجموعتي القصصية الرابعة

JIN JIYAN AZADÎ

المرأة، الحياة، الحرية

https://web.facebook.com/hevi.jan.9/posts/5746752045450881

من المستفيد من الحرب الروسية-الأوكرانية

0

روماف – رأي

إحدى أغبى الحروب في التاريخ المعاصر. الهجوم الروسي-البوتيني على أوكرانيا-الناتو، سنة مرت وهي لا تزال مستمرة، الغباء يتفاقم، والكوارث تتراكم، إنها أوضح صورة عن الجدلية المتداخلة ما بين الغباء والكوارث البشرية.
لو سألوني ثانية اليوم، هل روسيا ستهاجم، لكان جوابي نفسه قبل سنة، بأن الإستراتيجيين السوفييت السياسيين-العسكريين، عباقرة الحرب الباردة، لن ينخدعوا بحيل أمريكا ولن يسمحوا لجيوشهم العتيدة السقوط في المستنقع، بعد الصيت العالمي، والتجارة الرابحة التي كانوا يحصلون عليها من مبيعات أسلحتهم، الأسلحة التي تبينت من خلال الحرب بأنها لم تكن على مستوى ما كان قد شاعت عنها في الإعلام. كما وبما أنهم كانوا على دراية تامة بواقع الاقتصاد الروسي مقارنة بالأوروبي والأمريكي، لو ترك لهم الخيار، لما سمحوا لدولتهم بالانجرار إلى مسيرة الاستنزاف الطويلة الأمد الذي خططت له أمريكا.

كل القوى المتصارعة تخسر بشكل أو آخر، بشريا واقتصاديا ومن ثم عسكريا، وقريبا ستظهر تبعاتها الكارثية وبشكل جلي على الشارع الروسي، والأوروبي وحتى الأمريكي
د. محمود عباس الكاتب


خطأي في التقدير، إنني نسيت أن جميع الطغاة والأنظمة الدكتاتورية تحمل جوانب من الغباء، وعدم التقدير للطرف الأخر، ونسيت أن العنجهية تعمي أبصار أصحابها، وهو ما كان عليه بوتين، يوم فرض رأيه، ولم يتجرأ أي من الإستراتيجيين السوفييت القدامى الاعتراض. وللأسف هذه المنهجية مترسخة في الأنظمة الروسية، ولم تتغير طوال الأحقاب الثلاث، القيصرية والسوفيتية والبوتينية.
كل القوى المتصارعة تخسر بشكل أو آخر، بشريا واقتصاديا ومن ثم عسكريا، وقريبا ستظهر تبعاتها الكارثية وبشكل جلي على الشارع الروسي، والأوروبي وحتى الأمريكي، بعدما أدت إلى ضياع نسبة عالية من الجيل الجديد، إما قتلا في ساحات الحرب، أو الخروج منها معاقون جسميا ونفسيا، إلى جانب خسارتهم للمئات من خيرة المثقفين والسياسيين الروس والأوكرانيين، وتعميق الشرخ المرعب بين الشعبين الذين كانوا على جبهة واحدة طوال قرون عديدة، إن كان سياسيا أو قوميا أو مذهبيا.
لم يتعظ بوتين من الحرب الأهلية السورية، وهو عراب النظام المجرم بشار الأسد طوال السنوات الماضية، ورأى ما حل بالشعب السوري واقتصاد الدولة والمآسي التي يمر بها الشعب والنظام والمعارضة وكل من أقحم ذاته في الصراع، ومن بينهم روسيا، ولربما لم يتعظ حتى اللحظة، ولا يهمه إن سقط بكليته في المستنقع الأمريكي – الناتو، بقدر ما يهمه رأيه وعناده وعنجهيته، وسوف لن يؤثر عليه حتى ولو بدأ الاقتصاد الروسي بالانهيار وتعالى التضخم إلى مستويات لا يحمد عقباه، بقدر ما يهمه قناعاته، على أنه يحمي الشعب الروسي من الخطر الشعب الأوكراني، وأنه يحارب العنصريين الأوكرانيين، النازية الجديدة حسب تعابيره، ولا بد من تفكيك أوكرانيا، والحد من تمدد الناتو، في الوقت الذي كان بإمكانه أن يفعل كل هذا وينجح فيها فيما لو أستمر على تطوير ترسانته العسكرية، وتحسين الاقتصاد الروسي، والخروج إلى العالم بقوة تجارية، إن كان على أكتاف مخزونه الهائل من المواد الصناعية، بدأ من النفط والغاز إلى جميع أنواع المعادن والتي بعضها عصب الحياة للمصانع الأوروبية.
خسرت أوكرانيا، بنيتها التحتية إلى جانب هجرة شعبها والألاف من خيرة شبابها، لكن خسارة روسيا لا تقل عنها فإلى جانب من قتلوا في المعارك والهجرة الواسعة إلى الخارج، تتفاقم الحالة المعنوية، وبدأ يتراجع الاقتصاد، والأخطر من كل هذا الحالة النفسية التي بدأت تسود المجتمع الروسي، المشابه لما حصل أثناء الحرب العالمية الثانية وما بعدها. فاليوم العائلة الروسية كالإوكرانية، تعيش الحداد إما على من فقدوهم أو رهبة من الفقدان، ونعلم أن الشعبين الروسي والأوكراني كانوا يعانون طوال عقود من رجحان نسبة الإناث على الذكور، اقتربت من التعادل في نهاية التسعينات، وهي الفترة التي كانت نسبة السكان الروس يتراجع، إلى أن حلت الزيادة، بعد تدخل واسع من قبل الدولة، بنسبة زهيدة، قدرت بعدة ألاف فرد طوال سنة كاملة، حصل ذلك في نهاية التسعينات من القرن الماضي.
وبالمقابل، تخسر أمريكا، عسكريا واقتصاديا، وهناك بوادر صراع سياسي بين الحزبين الحاكمين، على العديد من القضايا المتعلقة بالحرب، كالمساعدات العسكرية والمادية والمعلوماتية، وهو ما دفع بالرئيس (جو بايدن) زيارة أوكرانيا لرفع معنويات الشعب الأمريكي والأوروبي قبل الأوكراني.
وخسرت أوربا الكثير، شعوبها تعاني اليوم من التضخم، والنقص في الطاقة، إلى جانب الرهبة من الحرب وما قد تحل بالحالة المعيشية مستقبلا وقد تم استقبال قرابة 8 ملايين أوكراني وقبلهم الملايين من سوريا وأفغانستان، وماذا لو تمددت ساحة الحرب وبلغت أراضيهم، كما حدثت في الحربين العالميتين.
كما وعانت دول وشعوب من العالم الثالث، في أفريقيا والشرق الأوسط، والتي كانت تحصل على القمح والذرة الأوكرانية والروسية، وتلك التي كانت تأتيها المساعدات الروسية من الطاقة والأسلحة وبأسعار متدنية، والرهبة من أن تؤثر استمرار الحرب على انقطاع إمدادات القمح والذرة، ومخزون معظم الدول غير كاف لفصل واحد.
قادم الدول المتصارعة، قاتم فيما لو أستمرت الحرب، وظل بوتين على عناده، ودون أن يغير من أوجه الصراع، والذي يتطلب منه الانتقال من الجانب العسكري إلى السياسي – الاقتصادي، دونها سيعاني الشعب الروسي الكثير، علما أن معاناة الشعوب بالنسبة للأنظمة الدكتاتورية لا تعني شيئا، بل تمرر على أنه الصمود في وجه الأعداء، مثلما تفعله كوريا الشمالية والنظام السوري، وأئمة ولاية الفقيه للشعوب الإيرانية، وكوبا، وغيرها من الدول، التي تفضل الصراع على مجاعات شعوبها.
أمريكا لا تزال تكسب، من البعد الاقتصادي، شركاتها وخاصة التي تصنع الأسلحة تعمل بكل طاقاتها، تربح المليارات، ونسبة البطالة في أدنى مستوياتها واقتصادها معافى رغم التضخم المتزايد، لكنها ومع ديمومة الحرب ستواجه المعارضة الأوروبية المتحالفة، وقد بدأت تظهر موجات من الانتقادات على أن أمريكا تنهبهم من خلال عملية الحصار على النفط والغاز الروسي، وبدأت تضع شروط مساعدة أوكرانيا عسكريا بمقدار المساعدات الأمريكية ذات التكنلوجيا المتطورة.
أي عمليا خسارة روسيا لن تكون أقل من خسارة أوروبا مستقبلا، وربما إلى حد ما أمريكا خاصة فيما لو نهضت الصين بشكل جدي في البعدين الاقتصادي والمنافسة العسكرية.
تركيا الدولة الوحيدة التي استفادت من هذه الحرب وبدهاء أو خباثة سياسية، لأن السياسية جلها خباثة قبل أن تكون دهاءً، مثلما استفادت وطوال السنوات الماضية من الحرب الأهلية السورية، وعرفت كيف تستغلهما لمصالحها، بوقوفها في المنطقة المحايدة، تمتص من الجهتين، مثلما فعلته مع المعارضة السورية، بإعادة تركيبتها لتكون الأداة التي تستخدمها كلما دعت الضرورة، في الوقت الذي كانت روسيا تقصفهم بالطائرات كانت هي على علاقة حميمية معها، سياسيا واقتصاديا.
قدمت تركيا ذاتها إلى العالم الثالث على أنها أنقذتها من عوزها للقمح الأوكراني والروسي، كما وعرضت خدماتها للأوروبيين بمد خطوط أنابيب الغاز والنفط من خلال أراضيها، إما من الجانب الروسي أو الأذربيجاني أو التوركمنستاني، علما أنها لولا الدخل الذي تحصل عليه من هذه الخدمات، لعان اقتصادها من ركود متسارع، ولتدهورت عملتها أضعاف ما حلت بها الأن، ولتجاوز التضخم في أسواقها نسبة المائة.
كما وحصلت بوقوفها في منطقة الحياد بين المتصارعين، على الكثير من البعدين السياسي والعسكري. تمادت في عدة بلدان، دون معارضة جدية من الجانبين الأمريكي والروسي، تحتل أجزاء من سوريا، ومنعت قيام فيدرالية غربي كوردستان، وقامت بالتغيير الديمغرافي لمنطقة عفرين، وبها قطعت رابط الاتصال بين المنطقة الشرقية من غربي كوردستان وغربها وحيث جبل الأكراد والبحر المتوسط. تتحكم بمسارات السياسة في ليبيا، وتحارب اليونان للسيادة على جزرها ومساحات من مياهها الإقليمية، مثلها مع قبرص ومصر. تحكمت في الحرب الأذربيجانية الأرمنية من البعد القومي والديني، ولم تعترض عليها روسيا علما أن روسيا كانت عرابة أرمينيا، وكانت ترى ذاتها المعنية بأمر الدولتين مثلما أدعتها مع الدولة الأوكرانية وتدخلت في شؤونها تحت ذرائع وهي ذاتها التي كانت موجودة في مناطقها الجنوبية وحيث جورجيا وأرمينيا وأذربيجان، لكنها هنا لازمت جانب الصمت لئلا تخسر تركيا وهي دولة مهمة في الناتو.
لا شك الجدلية معروفة، هناك دول وشعوب تعاني من ويلات الحروب وأخرى خبيثة تكسب وتستفيد من كوارث الأخرين، أنهم دول على مقاس تجار الحروب. تركيا اليوم تكسب، ويظل السؤال: هل ستنسى أمريكا وأوروبا وربما روسيا هذه التجاوزات والمواقف لتركيا مستقبلا؟ أم أنها كوريثة للإمبراطورية العثمانية، تعيد تاريخها، وما حل بها بعدما تمكنت فرنسا وبريطانيا من تشكيل قوة منافسة للإمبراطورية. مع ذلك فهي اليوم تكسب وتتمادى، ولولا الكارثة الزلزالية لشاهدنا مفاجئات عديدة من جانب حكومة أردوغان قبل الانتخابات، ولربما بعدها فيما لو كسبها، وبعضها تخص مستقبل الكورد في سوريا وقادم الإدارة الذاتية وقوات قسد، وربما قادم سوريا بشكل عام.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
20/2/2023

الزلازل وقابلية الحل في سورية

0

روماف – رأي

زلزال الطبيعة الذي ضرب جنوب تركيا، وشمال غرب سورية، وامتدت تأثيراته إلى لبنان والأردن والعراق بارتداداته الكثيرة القوية، أكد أن دول منطقتنا مرتبط بعضها ببعض ليس على المستوى المجتمعي والسياسي، والتدخلات السكانية بين مختلف الانتماءات القومية والدينية والمذهبية فحسب، بل هناك ترابط جيولوجي، وعمق جغرافي حيوي، إلى جانب الخلفية التاريخية المشتركة، والمصالح الاقتصادية المتبادلة.
كما أكد هذا الزلزال بانعكاساته الكارثية التي تمثلت في الدمار الهائل، والعدد الكبير في أعداد الضحايا والمصابين، وتبعات ذلك كله على الاقتصاد والخطط التنموية مستقبلاً؛ الفرق الكبير بين الدول المستقرّة بمؤسساتها وبنيتها التحتية الفاعلة، والقادرة على التحرّك السريع في الوقت المناسب، وهو حال الدولة التركية. وبين دول أخرى مزّقتها الزلازل البشرية نتيجة إصرار سلطتها الدكتاتورية على البقاء، وإعلانها الحرب على غالبية شعبها تحت شعار زائف تضليلي: “مقاومة المؤامرة الكونية، والصمود في وجهها”؛ وعدم الاكتفاء بذلك، بل وصل الأمر إلى حد الاستعانة بالجيوش والمليشيات الأجنبية، لتساعدها هي الأخرى في قتل السوريين الثائرين على استبدادها وفسادها وإفسادها، وتهجيرهم، وتدمير بلادهم؛ حتى تحوّلت الدولة إلى جملة سلطات أمر واقع، وتمزّقت الأرض السورية بين مناطق نفوذ تتحكّم بها قوى إقليمية ودولية، ومليشيات وافدة ومحلية؛ وتعطّل النشاط الاقتصادي، وتعرّضت الثروات السورية للنهب من مختلف الأطراف، وبات الناس مادّة للاستنزاف، حتى بلغ الحال أن أصبح معظم السوريين، وفي مختلف المناطق، بغض النظر عن سائر التصنيفات، دون حد الفقر؛ يعيشون على المساعدات الدولية، وعلى تحويلات أقربائهم في الخارج، أو يتدبّرون أمورهم  بأقسى الشروط وأسوأها. 
أما السلطة وشركاؤها فقد وجدوا في تجارة المخدّرات، واستغلال مآسي الناس، وفرض الإتاوات على أصحاب الحاجات وأهالي المعتقلين مجالاً لتحصيل الأموال لزيادة ثرواتهم، وإذلال عامة الشعب. ودمّرت البنى التحتية، أو تآكلت، وأصبحت المشافي والمراكز الصحية في وضعية يُرثى لها، تعاني من نقصٍ كبير في المعدّات والكوادر والأدوية. ويؤكّد ذلك كله أن هذه السلطة ستكون عاجزة عن تقديم المستلزمات الإسعافية والخدمات لأولئك الذين فقدوا مساكنهم، وأصبحوا في غضون دقائق مشرّدين في الشارع.

في منطقة شمال غرب سورية، أثبتت المعارضة الرسمية بمؤسّساتها المختلفة فشلها الذريع، وبُعدها عن الناس

وفي منطقة شمال غرب سورية، أثبتت المعارضة الرسمية بمؤسّساتها المختلفة فشلها الذريع، وبُعدها عن الناس، وعدم قدرتها على تأمين الدعم المطلوب ولو في حدوده الدنيا. بل كان اللافت أن واجهاتها أصبحت خارج التغطية نحو أسبوع؛ لتؤكد حقيقة بدهية يعرفها السوريون جيداً، أنها معارضة لا حول لها ولا قوة، ولا تأثير لها، وإنما غدَت جزءاً من لعبة إدارة الأزمة والتسويف بالوعود، وإعطاء انطباع إيهامي بوجود مشروع حلٍّ سياسي، تطبخه لجنة دستورية كسيحة، لم ولن تؤدّي إلى أي شيء مفيد يحتاج إليه السوريون، وينتظرونه.
زلزال الطبيعة الذي ألحق الضرر بمدن وبلدات سورية عديدة، خصوصا جنديرس وحارم وسراقب وجبلة، وتسبب في وقوع نحو ستة آلاف من القتلى، وعدد كبير من المصابين والجرحى، وأثر في حياة الملايين السوريين الذين كانوا يعانون أصلاً من آثار حربٍ كارثية أعلنتها السلطة الأسدية عليهم، وهي الحرب التي أدّت إلى سلسلة من الزلازل المجتمعية والإنسانية التي لن تعالج من دون التوصل إلى حلٍّ مستدام يضع حداً لعذابات السوريين وآلامهم وشعورهم بانعدام الآفاق. زلزال الطبيعة هذا ربما كان فرصةً أليمة تذكّر العالم مجدّداً بالمعاناة السورية المستمرة منذ 12 عاماً، وهي معاناة تشمل مختلف جوانب الحياة، وتؤثر في مستقبل الشباب، ومستقبل الأجيال السورية المقبلة.
وربما من المناسب أن يُشار، في هذا السياق، إلى الأصوات التي ارتفعت هنا وهناك بعد الزلازل مطالبة بالانفتاح على بشّار الأسد وسلطته، تحت شعار الضرورات الإنسانية والحفاظ على وحدة السوريين. كما كانت هناك تصريحاتٌ ولقاءاتٌ وزياراتٌ معلنة قام بها مسؤولون عرب وأمميون إلى دمشق، حيث التقوا مع بشار الأسد. ويؤكّد ذلك كله تجاهل الجميع أمرا يعرفونه جيدا، أن بشّار الأسد لن يكون في مقدوره، مهما حصل عليه من دعم، وبُذلت من أجل تسويقه وتعويمه الجهود، من ترميم النسيج المجتمعي الوطني السوري، وتوحيد البلاد، والارتقاء بسورية إلى مصافّ الدول الطبيعية صاحبة السيادة، المحصّنة تجاه أصحاب المشاريع الإقليمية أو الدولية.

ستستمر المعاناة السورية، ولن تستقر سورية ولا المنطقة، مع بقاء بشار الأسد على رأس السلطة

لقد انتظر السوريون 12 عاماً المجتمع الدولي ليساعدهم على تجاوز محنتهم، ولكن من الواضح أن الوضع السوري الملتهب لم يعد أولويةً لدى القوى الرئيسة المؤثرة في المجتمع المذكور، بل باتت تلك الدول، بعد أن حصلت كل واحدةٍ منها على ما تريده في الأرض السورية، تستخدم المسألة السورية صندوق بريد لتبادل الوسائل، وورقة ضغط تستخدمها وقت اللزوم في المفاوضات في ملفّات أخرى وأماكن أخرى، ومن الواضح أن الدول الإقليمية تدرك، هي الأخرى، ماهية هذه اللعبة وأبعادها، لذلك تحاول استخدام الوضع السوري بما ينسجم مع حساباتها ومصالحها.
وحدهم السوريون يدفعون الضريبة، خصوصا الجيل الشاب الذي قطع الأمل من إمكانية تحقيق تطلعاته في أجواء النفق السوري المظلم الذي لا تلوح في الأفق أية بارقة أمل من شأنها أن توحي بإمكانية الوصول إلى حلٍّ ما، يبشّر بالفرح القريب، ويطمئن السوريين من جميع الانتماءات وفي جميع الجهات السورية، ويضمن مستقبلاً أفضل للأجيال السورية المقبلة.
وما يلاحظ في تصريحات بشار الأسد وتصرّفاته في المناسبات المختلفة أنه ما زال يصرّ على  تعرّض سلطته لمؤامرة استهدفت إسقاطها محاسبة لها على دورها “المقاوم الممانع”، وهو الدور الذي أسهم، بالتنسيق مع النظام الإيراني، في تدمير مجتمعات المنطقة ودولها (لبنان والعراق واليمن)، ويهدّد مجتمعات ودولاً أخرى. هذا في حين أن المؤامرة الحقيقية كانت على الشعب السوري الذي تُرك لمصيره من دون أي مساعدة تمكّنه من الوصول إلى برّ الأمان.
وستستمر المعاناة السورية، ولن تستقر سورية ولا المنطقة، مع بقاء بشار الأسد على رأس السلطة. ولن تتمكّن كل قوى العالم من إقناع السوريين بالعودة إلى حظيرة هذه السلطة، أو إرغامهم على ذلك، بعد كل ما فعلته بهم من قتل وتهجير وتدمير وتغييب.

تحتاج سورية اليوم إلى ترميم النسيج المجتمعي الوطني الذي دمرته سلطة الفساد والاستبداد والإفساد، وإلى العودة الآمنة الطوعية للمهجّرين قسراً 

حقّق السوريون، ويحقّقون، نجاحاتٍ فردية في سائر الدول التي هاجروا إليها قبل عقود، أو تلك التي هاجروا إليها في السنوات الأخيرة بعد الحرب التي أعلنتها عليهم سلطة بشار الأسد؛ وهي نجاحاتٌ تحظى باحترام وتقدير الجميع. كما سجّل الطلبة السوريون نتائج باهرة في مختلف الاختصاصات. وفي الوقت ذاته، تمكّن رجال الأعمال والأكاديميون السوريون من بلوغ مستوياتٍ متقدّمة في ميادين الإنجازات المعرفية والاقتصادية والإدارية المتنوعة، واستطاعوا إثبات مؤهلاتهم المتميزة وفق أرقى مستويات المعايير الدولية؛ ولكن جميع هذه الإنجازات ستظل فرديةً لا تساهم في نهضة المجتمع السوري، وتنميته لصالح سائر مواطنيه مستقبلاً ما لم تكن هناك دولة مستقرّة، ونظام حكم رشيد جاذب يحرص على مواطنيه في الداخل والخارج، ويرسّخ لديهم الشعور بالانتماء إلى مجتمعهم ووطنهم، والاعتزاز بهذا الانتماء.  
هناك كفاءات سورية يُشهد لها في مختلف المناطق السورية، ومن جميع الانتماءات، وهناك كفاءات وخبرات بالمقاييس العالمية خارج سورية. وواجب الوفاء لسورية شعباً وأرضاً يُلزم هذه الكفاءات بالتواصل المباشر، والاجتماع، لتتوافق على حلٍّ يضع حداً للمعاناة السورية، بعيداً عن التخندقات الأيديولوجية بكافة ألوانها القومية والدينية والمذهبية والعلمانية، والشعارات الشعبوية، فسورية اليوم تحتاج إلى ترميم النسيج المجتمعي الوطني الذي دمرته سلطة الفساد والاستبداد والإفساد، وتحتاج أيضاً إلى العودة الآمنة الطوعية للمهجّرين قسراً من أبنائها وبناتها، كما هي في أمسّ الحاجة إلى نهضة اقتصادية متوازنه تشمل جميع المناطق، ولن يتحقّق ذلك كله من دون إرادة وجهود السوريين المخلصين الحريصين على شعبهم. والمعنيون هنا هم في المقام الأول: رجال الأعمال والأكاديميون والإداريون وسائر المؤثرين اجتماعياً، فهؤلاء لو منحوا الفرصة، بعيداً عن سطوة السلطة وأحابيلها، في مقدورهم أن يتوافقوا على حلٍّ يطمئن سائر السوريين، ويضعوا الخطط الواقعية التي تمكّن السوريين من تجاوز قيود الدائرة اللعينة التي تطحنهم لصالح مافيات الفساد الداخلية والخارجية.
كما يمكن لأصحاب الكفاءات المعنيين هنا أن يضعوا خريطة طريق تقنع السوريين أولاً، والجوار الإقليمي والمجتمع الدولي بأن سورية يمكن أن تستقرّ، وتضمن مقوّمات العيش الكريم في ظل وجود إدارة نزيهة رشيدة متوازنة، مخلصة لشعبها، حريصة على وطنها.
واستقرارٌ من هذا القبيل سيمهّد الطريق أمام  تحوّل سورية إلى بوابة الاستقرار والأمان والانتعاش والسلام في المنطقة؛ وذلك على نقيض ما هو عليه دورُها راهناً في إطار مشروع “محور المقاومة والممانعة” الذي أنهك مجتمعات المنطقة ودولها، وعمّم فيها الفساد والخراب اللذين لم يسلم منهما البشر والشجر والحجر.

العربي الجديد

لا يُلام الذئب في عدوانه/ إن يك الراعي عدو الغنم

0

روماف – رأي

رحم الله الشاعر عمر أبو ريشة، ابن محافظة حلب، الذي وكأنه كان يستشرف المستقبل بهذا البيت الذي بات حكمة سوداوية في الذاكرة الشعبية السورية تحديداً، والعربية عامةً.
مناسبة هذا الكلام زيارة بشار الأسد إلى حلب بحجة زيارة جرحى الزلزال، ومواساة أهالي الضحايا، إلى أن تبين للناس جميعاً، وبالصوت وبالصورة، أنها كانت مجرد زيارة استعراضية بمعية قادة الميليشيات الإيرانية الغرض منها هو التبجح بأفعاله وصموده المزعوم على مدى 12 سنة من الحرب التي أعلنها على السوريين بدعم ومساندة مباشرين من الروس والإيرانيين.
فالروس زوّدوه بالأسلحة، ثم تدخلوا بقوتهم العسكرية الوحشية عام 2015 التي استهدفت بصورة خاصة المناطق السكنية والمشافي والمدارس والأسواق الشعبية. كما غطوه سياسيا في مجلس الأمن عبر استخدام «حق النقض/ الفيتو» (استخدمت روسيا في الفترة ما بين 2011 إلى 2022 حق النقض 17 مرة، من بينها 10 مرات وقفت إلى جانبها الصين) بهدف تعطيل القرارات التي كانت تدعو إلى عملية انتقال سياسي فعلية في سوريا، وتقديم المساعدات الانسانية للمنكوبين في سوريا.
أما الإيرانيون فقد تدخلوا منذ الأيام الأولى للثورة السورية 2011 بقوات الحرس الثوري وبأذرعهم من الميلشيات المذهبية (حزب الله، الفاطميون، الحيدريون، الزينبيون…) التي جلبوها من لبنان والعراق وأفغانستان وحتى باكستان؛ وكل ذلك ما كان له أن يتم، ويتسبب في تدمير سوريا مجتمعاً وعمراناً لولا ركون الدول المؤثرة في المجتمع الدولي (ونعني بها الغربية تحديداً لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية) إلى موقف التظاهر بالعجز بناء على آليات مجلس الأمن المشلول، وهي آليات اعتمدت من قبل نظام دولي لم يعد موجوداً أصلاً.
فالدول المعنية هنا كان يمكنها أن تتصرف من خلال مجموعة أصدقاء الشعب السوري التي ضمت في وقت من الأوقات أكثر من 100 دولة، وامتلكت من الشرعية ما لم تمتلكه بعد مجموعة الناتو التي أمدت، وتمد أوكرانيا بكل شيء رغم عدم وجود قرار أممي صادر عن الجمعية العامة أو مجلس الأمن في المنظمة الدولية ينص على ذلك.
وبالعودة إلى موضوع الزلزال وزيارة بشار الأسد إلى حلب، نلاحظ أن الأخير ما زال يدعي بأنه صمد أمام المؤامرة الكونية المزعومة التي لو وجدت بالفعل لكان هو وسلطته الآن في خبر كان؛ بل لو لم تتدخل الدول بالطريقة التي فعلت في الوضع السوري لحسمت الأمور لصالح الشعب السوري. ولكن الذي حصل هو أن إرادات الدول قد توافقت بناء على حسابات مختلفة بالإبقاء عليه، الأمر الذي كلف السوريين مقتل نحو مليون إنسان وتهجير أكثر من نصف السكان، فضلا عن تدمير البلد، وتغييب مئات الآلاف، وبروز عشرات المشكلات الاجتماعية والصحية التي ستستمر على مدى عقود قادمة.
واليوم يزور بشار الأسد سوريين يحقد عليهم، بل لم يوفر سلاحا إلا واستخدمه ضدهم، وفتح البلاد أمام الجيوش والميليشيات وشذاذ الآفاق الذين انتهكوا كل الحرمات وارتكبوا أفظع الجرائم، ليحمي نفسه بهم من غضب السوريين وثورتهم على سلطته المستبدة الفاسدة المفسدة.
ولكن الجميع يعلم أن هذا الحاكم بأمر غيره ما كان في استطاعته أن يفعل ما فعله، ويستمر منتظراً التعويم مجدداً بجهود حلفائه، وحسابات القوى الدولية والإقليمية لا سيما إسرائيل التي وجدت فيه الأفضل لمصلحتها، بعد أن جربته، وتأكدت من التزامه بالشروط المتفق عليها مع والده. فقد اكتفى المجتمع الدولي بإدارة الأزمة كما قيل مراراً، ولم يساعد السوريين على الخلاص سلماً أو حرباً كما ذهب إلى ذلك نيقولاس فان دام في كتابه «تدمير وطن».
وردود الأفعال الدولية التي تابعناها في الأسبوع الأول من الزلزال الذي تعرضت له مناطق واسعة في جنوب وجنوب شرق تركيا، ومناطق  كثيرة في سوريا، خاصة في الشمال الغربي، وهي مناطق كانت تعاني أصلاً من الهشاشة بفعل ظروف الحرب التي فرضتها سلطة بشار الأسد على السوريين؛ أكدت مجددا استمرارية السلبية الدولية ذاتها في التعامل مع الشأن السوري، خاصة من جانب هيئة الأمم المتحدة، والمنظمات التابعة لها، التي تذرّعت بالآليات البيروقراطية، ولم تعمل على تأمين المعدات المطلوبة لرفع الانقاض وإنقاذ الناس في الوقت المناسب، الأمر الذي أدى إلى موت الآلاف من الذين كان يمكن إنقاذهم. كما تقاعست الجهات المعنية عن تقديم الاحتياجات المطلوبة للناجين. هذا في حين أن السوريين رغم ظروفهم الصعبة، لم يقصروا في مساعدة بعضهم بعضاً، ولكن هناك أمور لا يمتلكونها، ولا يستطيعون تأمينها كآليات ومعدات رفع الانقاض ومعدات البحث عن الناجين، والدواء والخيام والألبسة ومستلزمات التدفئة وغير ذلك من الاحتياجات الضرورية. وهنا لا بد من توجيه الشكر إلى الدول والجهات التي قدمت المساعدات إلى السوريين في مختلف المناطق، سواء تلك الخاضعة لسيطرة السلطة أم المعارضة، فهم جميعا سوريون يستحقون المساعدة طالما هم في حاجة إليها.
وكان من اللافت أن سلطة بشار الأسد قد تلقفت الزلزال فرصة تحاول من خلالها فك العزلة عن نفسها، والسعي من أجل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها، أو تجميدها على الأقل. ويشار هنا إلى أن هذه الجهود كانت قد بدأت قبل الزلازل بحملة علاقات عامة استخدمت فيها السلطة المعنية بعض المرتبطين بها، كما استفادت من جهود دول عربية تسعى بشتى السبل إلى التطبيع معها، وحجتها في ذلك أنها سلطة أمر واقع لا بد من التعامل معها، من دون إعطاء اي اعتبار لمسؤولية هذه السلطة بصورة مباشرة عن مآسي السوريين التي كانت، وتلك التي ستكون في حال استمراريتها.
والمناسبة هنا تلزم بالتوقف عند الأداء الهزيل لواجهات المعارضة الرسمية بأسمائها المختلفة، التي لم تتمكن من مواكبة الحدث المأسوي الكبير اعلاميا ولا دبلوماسياً، ولا حتى شعبياً إذ غابت عن الناس في الميدان؛ وذلك على عكس العاملين والمتطوعين في فرق الدفاع المدني (أصحاب الخوذ البيضاء) الذين قرروا منذ اللحظة الأولى أن يعملوا رغم ضآلة الإمكانيات المتاحة قياساً إلى جسامة المطلوب؛ وتمكنوا بآلياتهم المحدودة العدد، وأدواتهم البسيطة، وأياديهم العارية. وبهذه المناسبة أيضاً، لا بد من تقدير المساعدات العاجلة التي وصلت من بعض الدول العربية خاصة الخليجية منها ومن إقليم كردستان العراق.
وربما كان من غير الواقعي هنا، أن نقارن بين التعامل الذي كان مع نتائج الزلزال وارتداداته الكارثية في كل من سوريا وتركيا.
ففي تركيا توجد دولة وحكومة فاعلة. كما أن إمكانيات البلد ووجود المؤسسات المختصة بالكوارث، والخبرات المتراكمة في ميدان التعامل مع الزلازل، إلى جانب التضامن الدولي الواسع؛ كل ذلك ساعد، ويساعد في التخفيف من حدة المأساة رغم هولها، فالزلزال ضرب عشر ولايات تركية واسعة مأهولة، وتسبب في تدمير مدن بصورة شبه كاملة.
أما في سوريا فالوضع كارثي بكل ما تعنيه الكلمة من أبعاد ودلالات. فسلطة بشار الأسد لا تسيطر في الواقع العملي على الأوضاع، بل هي تنصلت من كل مهامها على صعيد ضرورة تأمين الحاجات الأساسية للناس في المناطق الخاضعة شكليا لسيطرتها، لكنها عملياً تحت هيمنة الروس والإيرانيين الذين ألحقوا بالمجتمع والعمران السوريين، وبالاشتراك مع السلطة الأسدية، من الأضرار ما لا يمكن لأي زلزال مهما بلغت شدته وفق مقياس ريختر أن يفعله. وكل ذلك في سبيل الإبقاء على سلطة بشار الأسد لتكون مفتاحهم إلى شرقي المتوسط.
ولكن مع ذلك كله، كان العالم في طريقه إلى نسيان المحنة السورية بعد أن تجاهلها وتناسها في السنوات الأخيرة، خاصة بعد الحرب الروسية على أوكرانيا. إلا أن زلزال الطبيعة ذكّرهم مجددا بالزلازل الأسدية المستمرة في سوريا منذ عامً 2011، وهي الزلازل التي اكتفى المجتمع الدولي بمعالجة نتائج ارتداداتها الثانوية، وغض النظر عن أسبابها الجوهرية. فمناطق الشمال السوري سواء في الغرب أم في الشرق تعاني أصلا من شبه انعدام في الخدمات الأساسية (الماء والكهرباء، ومن انهيارات في أنظمة التعليم والصحة)، كما يعيش الناس أزمة اقتصادية خانقة في واقع الرواتب الخلبية نتيجة السقوط الحر لقيمة الليرة السورية، والارتفاع الأسطوري في الأسعار.
ومرة أخرى نعود إلى ما كتبه الشاعر السوري الراحل أبو ريشة في القصيدة ذاتها قبل نحو ستة عقود: «أمتي كم صنم مجّدته/ لم يكن يحمل طهر الصنم». فالتماثيل في مختلف أنحاء العالم تقام تقديراً وتخليداً لذكرى أولئك الذين قدموا لمجتمعاتهم، أو للإنسانية من الإنجازات المفيدة التي تستحق التقدير والاعتراف بالفضل، أو يجسّدون قيماً إنسانية وجمالية. أما التماثيل التي تقام في بلداننا، وسوريا في مقدمتها، فهي أصنام بائسة يتاجر بها الانتهازيون، وينبهر بها البسطاء، فتكون الشعوب والأوطان قرابين على مذبح ملذات الحاكم ونزواته.
*كاتب وأكاديمي سوري

القدس العربي 

 

سيكولوجيا الاستذئاب الافتراضي: إيذاء القريب والخذلان أمام الطغيان

0

روماف – رأي

كشف انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتوافرها بين أيدي المليارات، في  هذا العالم، النقاب عن بروز ظواهر مستحدثة، جد خطيرة، لطالما كانت- من قبل- ضمن أطر جنينية، فردية، محدودة التأثير، ضيقة الأمداء، شاذة، فيما يخص الآثار الخطيرة الناجمة عن عدم الأهلية للانتماء إلى العمارة الكونية لدى بعض الشذاذ الذين بات بعضهم يرى ذاته في موقع: وزير إعلام، بعد أن أصبح في إمكان جهاز صغير- بحجم كف اليد- ألا وهو جهاز” الهاتف الذكي” قادراً على أن يؤدي وظائف متعددة، خارج وظيفته التي طالما عرف بها، قبل أن يدخل مرحلة مصطلح الذكاء، حيث يلاحظ في زمن انتشار الحروب والفتن، والقتل والدمار، استهداف النسيج الاجتماعي، عبر التسلل من خلال أفراد خارجين عن القانون، يستخدمون هذه التقانات ما بعد الحداثية لأغراض خبيثة، 
 توازي أو تبزُّ في حقيقتها آثار السرطان، أو أسلحة الدمار، باعتبار الإعلام أداة راقية، مهمة. فعالة. ضرورية، ومن حق جميعنا استخدامه، ضمن حدوده، وشروطه، وقوانينه، بما من شأنه أن يخدم رسالة الوئام، ونشر ثقافة السلام بين المحيط. المحيط كله، لا التعامل معه وفق سلوك- قاطع الطريق- أو البلطجي، إذ إننا غدونا- الآن- أمام ظاهرة كونية لابد من وضع حد لها.
من بين هذه الظواهر المدمرة للفرد والمجتمع، والتي قد تدفع إلى تربية أوساط واسعة على ارتكاب الجريمة، تنطع بعضهم إلى إيذاء من هم مقرَّبون منهم، نتيجة ردود فعل ما، أو نتيجة تكليفهم، بمثل هذه المهمات، في ظل استسهال استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، بما لا يعد ضمن نطاق حرية الإعلام، أو النقد، بأشكاله، بل بما يدخل في نطاق الشخصنة، وطعن الآخرين، لاسيما من لدن من قد يعدون من مقربيهم. من ضمن محيطهم الاجتماعي، مستثمرين التزام- كثيرين- ممن تتم الإساءة إليهم بعدم الرد. بالسكوت. بالتعالي على ما يتم، من دون معرفة الآثار التي قد تلحقها هذه  الإساءات بهم، وبذويهم، لهذا السبب أو ذاك، والتحصن وراء الروابط الاجتماعية التي قد تعيب اللجوء إلى-القانون- أو نزول الطرف المتضرر إلى درك استخدام طرائق هذا الأنموذج الذي ينال منه، انطلاقاً من هذه الاعتبارات وغيرها!
وطبيعي، أن من يقبل أداء هكذا مهمات، لاسيما ضد أناس ذوي حضور اجتماعي، أو سياسي، أو ثقافي، ليس في النهاية إلا ضحية نمط تفكير، أو نمط علاقات، وهو-هنا- في حاجة إلى الرأفة، لاسيما عندما لا يكون لهذا الأنموذج تاريخ في مواجهة آلة الخطأ، في إطار الإعلام، أو الموقف، وقد يبدو الأمر أكثر إيلاماً عندما لا نجد له أي دور مشهود في اتخاذ الموقف من الطغاة، بل حتى ممن هم خارج محيطهم الاجتماعي. بلداً، أو قومية، إذ يرضخ لمن بيده أية سلطة، أو أي صاحب سطوة، بينما يستقوى على من هم من عداد مقربيه، حتى في حدود الرد الهادىء، وهو حق طبيعي له، أنى تمت الإساءة إليه، وهذا ما يذكِّر بشخصية من يصب جام غضبه على أسرته، أنَّى كان بينهم، بيد أنه يجبن. ويخنع، في حالة ذل، مشينة، حتى في الدفاع عن ذاته، في حضرة الأغراب الذين يؤذونه، أو يؤذون مجتمعهم، أو الإنسانية!
بعيداً، عن افتقاد هذا الأنموذج لخصيصة الشهامة، والشجاعة، إلا عن بعد،  فهو في أعماقه، يعاني من مشكلة- جبن- حقيقي، إلى درجة عدم المرافعة عن الذات، ناهيك عن معاناته من- مركب نقص- واضح، يدفعه لتقديم ذاته، في صورة يرسمها له خيال مرضي، في مواجهة القريب الذي طالما لا يتوقع بدور ردة فعل من لدنه باتجاهه،  وهذا ما قد نقع على حالات له، عبر الفضاء الافتراضي، وما كان لهؤلاء السقوط في شباك هذه الحالة، لولا أنهم وجدوا في هذا الفضاء ملاذاً لهم، يحقق لهم العملقة ومحاولة التعويض عن الجبن الداخلي، مقابل الانقياد وراء- الحالة- الوحشية، غير الإنسانية، في مواجهة الآخر، من دون أي مسوغ يذكر؟!
وإذا شخصنا، أمام أعيننا أمثلة ما، لحالات شاذة، خارجة على القانون، تنصرف إلى إلحاق الأذى بالقريب، وتتحاشى المتجبر، القوي، في فضاء اختباري ميداني، فإننا نحيل هذا النموذج إلى سؤال صريح و واضح، حول دوره المشهود له، في مواجهة ثقافة احتلال، أو اعتداء عليه، أو على من حوله، من قبل هذا الطاغية، أو ذاك، لنتأكد، بأن حالات التطاول على الآخرين، من دون أية أسباب مسوغة، عبر الفضاء الافتراضي، إنما تعاني من أزمة ما. أزمة داخلية، ولعل عدم اللجوء إلى القانون، من قبل من يقع عليه الحيف يكمن وراء مفاقمة هذا الخطر الداهم الذي يجب أن نقرع الأجراس، للتخلص منه، باعتباره، لا يقل وطئاً عن: حالة كورونا التي استنفرتنا، بل ولا يقل عن مواجهة جريمة: قتل، لأن  هؤلاء، سواء أأدركوا، ما يفعلون، أم لم يدركوا ذلك، إنما يمارسون جريمة منظمة أو عشوائية، بحق مجتمعهم، ومكانهم وإنسانهم، وجيرانهم في العمارة الكونية!
 

 

 

ysar brwaz
t7t ysar

 

حارس الفجر: 6. 2. 2023

0

ولاتي مه – شعر 

سوسن اسماعيل

إلهي …

إنَّها الرابعة بعد المنحنى؛ 

تتبارى الدقائقُ في تماس الانطواءِ 

إنّهُ نشور المديّات وإشاراتها، وهي تجسّ مؤونة للأبديّةِ      

تُشعلَ لوحةً في السُهادِ؛ تترنّحُ الأثقالُ في مضجعها  

تضجُّ ستائرُ الأرضِ؛ حتى ترتشفُ من الفجر نبوءته 

في هدأة أطيار العرشِ      

إلهي …

كيفَ نخلخلُ هذا الوليمة، ونشدو خطوها المنزوي    

لا أوّلَ فيه ولا آخر 

سيقولُ الرضيع: 

سأشربُ من الركامِ المستباح 

بتوقيتِ صدر أمي 

سأجترئُ لعناقٍ في هجير حُلمتيها      

وأتعلمُ تهجئة أوّل الحليب

إلى أنْ أُفطمَ دون موعد 

إلهي …

إنْ دعتك طفلة تحت سقف وازنٍ؛

ستُخبرُكَ بثغرٍ كأنها القسيسُ: لا ارتواء بعدُ من مهجة الظلّ   

طفلة في علبة كبريت لا مآرب لها

تعزلُ رأس أخيها بنجيبِ أصابعها وتناشدُ: 

“اخرجني عمو وسأكون خادمتك”

هناك لا نامتْ مُقلة الحجر

ولا زاهد هنا ليتأوه ..!! 

سنقول إلهي:

إنَّك رحيمٌ بالوصيفات     

صغيرتي؛ تحت وسم الانطفاء  

نحنُ المشطورون أمام سؤال الضحيّة 

هم المُدمّون بالسقوط، موشومون بالغبنِ  

أنيننا يركنُ لمنافي الحدود 

وبابُ الهوى لوائح مُعلّقة    

تسمو بصور المبتورين في أسمائهم     

إلهي …

أيحقُّ لنا الرقص بين أجساد مُجعدة في حضرة سُكْرٍ مُجند؟   

خيمنا المصلوبة بلا أوتاد؛ تتعانقُ على آجال مؤخّرة       

نُبصرُ أتباع الهلال؛ يتراشقون في كرنفالات الألوية    

وكيلا نمدّد في العزاء؛ سنموت دفعةٍ واحدة 

ليشربَ العالم نُخب أقدام أطفالنا

وهي تئنُّ تحت أفواه الحديد  

إلهي …

أرقامُ مقابرِنا لا تهجعُ   

يلحقُنا الضوء ويزأر  

قد تنجو تنهيدة استجداء أو تقاسيم لخوذ الحلفاء 

هكذا يتسربُ اليقين لقلبِ إيزيس؛ فتلمُّ إشلاء الليل 

وتخدشَ مخارج الرّضى على لسانٍ من ذرائع   

هي قصة أخوة الممراتِ 

إلهي …

النائمون كمشاهد مهملة 

يفتحون مداخل السّموات    

يحلمون بمواقدَ لا تلسعُ

وجداول لم يُفرطْ عسلُها 

وبغمامِ من المَنّ والسّلوى             

يتركون أكتافهم شمعدانات 

على نواصي الشرفات حتى لا تسقطُ؛ 

تُسجلُ رصيداً في عنابر الموت …!  

لا فرائض مُنصفة لجدرانهم؛ تتَنحى عن الشرائع    

إلهي …

هم الآثمون

لا خصومة بين الآلهة 

افتحوا المزاد

……!!

مات النشيد .. ؟ 

الفَرَحْ: (فَصْلٌ مِنْ رِواية)

0

روماف – نصوص

وسط صفين من الوجوه الباسمة والزغاريد المتصاعدة وكاميرات التصوير، تقدمنا ببطء، خلف الزفة الاسكندراني.

بيسراي أتأبط ذراعه الأيمن، وأقلّده في توزيع البسمات، بينما رأسي يدور كالمروحة، بحثاً عن شخصٍ أعرفه.

جموعٌ غفيرةٌ…رجالٌ منصوبي القاماتِ سمر البشرة تنافس جلابيبهم وعمائمهم بياض الحليب…أطفال وفتيات يانعاتٍ حالماتٍ يطالعون فستاني الأبيض بانبهارٍ وفضولٍ…. نساءٌ مليحاتٌ فاتناتٌ موشحاتٌ بثيابٍ سودانية، حرائر صفراء وحمراء، وتواتل زاهية الألوان مطرزة بخيوط من ذهبٍ يخطف بريقها الأبصار….والكل يردد:

أقروا الفاتحة لأبو العباس…… يا اسكندرية يا أجدع ناس

والفاتحة التانية لأبو الدرار……. واللى يعادينا يولع نار

والفاتحة الثالثة لسيدى ياقوت …..واللى يعادينا يطق يموت

وبينما رأسي يواصل التلفت كمروحة وعيناي تتفرسان في وجوه الناس، تواصل قدماي التسكع بجوار عريسي في أثر الزفة المتجهة نحو وسط الصالة، حيث تقف الفنانة السودانية بتأهب.

بإعجاب ودهشة أتأمل ملاحتها والهيبة التي تحيطها؛ ليبهرني ثوبها الحريري الأحمر المطرز بخيوط ذهبية، ونقوش الحناء العاكس سوادها لبريق الحلى الذهبية المزينة لمعصميها وأصابعها المكتنزة. وأثناء تجاوزنا إياها ببطءٍ، ألمحها تمسحني بنظرةٍ فاحصة ابتداءً من إكليل الذهب المتوسط لشعري، مرورًا بباقة الورد الممسوكة بيدي اليمنى، وانتهاءً بزيل فستاني الأبيض.

نترك الفنانة وراءنا ونواصل التقدم إلى وسط الدائرة.

يجتاحني شعور بالانقباض لحظة وتوقف الزفة وانطفاء الأنوار.

تنفض الجموع من حولنا، وتُدار أغنية “My heart will go on”، التي غنتها سيلين ديون في فيلم “تايتنكTitanic-“.

 يشدني عريسي إلى صدره، ويحاول جعلي أتناغم مع تمايلاته البطيئة لأداء رقصة الـ “Slowly”، بدون فائدة؛ بسبب شرودي مع تساؤلاتي المريرة عن سبب تغيب أهلي في مناسبة زواجي التي انتظروها بفارغ الصبر.

لحظاتٌ عصيبةٌ تمر، أرقص فيها برعونة، قبل أن تُضاء أنوار كشافات الصالة، لتمتزج زغاريد الفرح بصفافير الحماس، بينما أنا وسط هذا كله، لا أهتم لشيء سوى العثور على وجهٍ أعرفه.

تتوقف موسيقى فيلم “تَايْتَنِكTitanic-“؛ فيصدح صوت الفنانة المتأهبة بموالٍ يردده الكل وراءها:

الليل الليل العّديل والزين …والليلة العديلة ويا عديلة الله

بسم الله ابتديت قولي السَّمِّحْ والزين

والقول ماهو داير البكتب ويِقرا

يشغلني ذهولي من فرح الجموع وانسجامهم مع الفنانة عن همي لبرهة قبل أن تغزوني تساؤلات أخرى أشد مرارة:

–         أيفرحون ويتجاهلون شعور العروس بالحزن والغربة؟ أم أنهم لا يلاحظون بأنني وحيدة…كئيبة… غريبة بينهم بلا أهل أو أصدقاء؟

 وأخيرًا، تُنهي الفنانة موالها…وتبارك بصوت جبلي:

–        ” ألف مبروك للعروسين معتز الجَعَلي وشمس العَشْري”

يضغط عريسي على يدي بحنان؛ فأفيق من شرودي وألتفت إليه لأهديه ابتسامة مصطنعة، قبل أن نواصل التقدم عند صدوح موسيقى سودانية، مزيج آلاتٍ صاخبة (طبول وكمنجات وأورغ ودلوكة)؛ متوجهين نحو الكوشة المزينة بالورود.

وما أن نأخذ مجلسنا، حتى تداهمنا الجموع لتقديم التبريكات؛ ليجتاحني تشتت وشعور بالاختناق من فرط تناوب النساء المعطرات بالخمرة السودانية وبخور الصندل على تقبيل وجنتاي، اختناقًا ينسيني التفكير في أهلي. ولا ينقذني من تلك الحشود وزخم الروائح، إلا صوت الفنانة الجبلي وهو يفتتح أغنية الفَزَع:

العُوقْ الصفوف ورِهاب…أنا قاعد ليو مِلازم الباب

الدَّايِرْني يِجِيني عَدِيلْ

بفضولٍ التفت لأسأل عريسي عن سر تلك الكلمات التي جعلت الجموع تفزع نحو الدائرة؛ فأتفاجأ بانسلاله من جواري برفقة مجموعة شباب أحاطت به أياديهم، وسحبته سحبًا نحو حلقة الرقص. أظل فاغرة الفاه أراقب بدهشةٍ الوجوه الغريبة تتكدس في الدائرة؛ لينتفض قلبي عند رؤيتي أخيرًا لوجه أعرفه: تسابيح.

بلهفة أتابع أخت عريسي، تتقدم بزهوٍ في ثوبٍ أصفرٍ مطرزٍ بخيوط بنفسجية، جلب لذاكراتي فستان ميسم الذي اشترته لحضور زواجي…تصيبني غصة عند إدراك أن أختي لم تحضر لتشاركني الفرحة بزواجي الذي انتظرته طويلًا…. أراقب تسابيح تشق طريقها وسط الجموع لتصل لأخيها (عريسي) وتسلمه كرباجًا طويلًا بمقبض مزخرف بالجلد الأحمر والبني….يقشعر بدني عند تعرفي على سوط العَنَجْ؛ لتستعيد ذاكرتي الآثار الشبكية على ظهر معتز، التي أراني إياها ذلك الخميس في سيارته أثناء وقوفنا أمام محطة “روض الفرج” بدوران شُبْرا.
تلتمع عيون الشباب حماسًا…ويتسابقون لتعرية ظهورهم استعدادًا للجلد بالسوط، رافعين أصواتهم مع الفنانة:

قَطَر الموت بِجِيك يا خَيْ… شِايْلَ المُر مَسُوح وشَرَاب
الدَّايِرْني يِجِيني عَدِيلْ

في خيلاءٍ، يتقدم عريسي ممسكًا بـ”سوط العَنَجْ” بحماسٍ …يقترب من شباب “الرَكْزَة ” المتلهفين لإظهار شجاعتهم؛ فيتحول ذهولي إلى اضطراب وتسارع خفقات قلبي أثناء متابعتي لخطوات عريسي بأنفاسٍ مكتومةٍ. أكاد اختنق عندما يهوي بالسوط على ظهورهم العارية واحدًا تلو الآخر: بالترتيب من اليمين إلى اليسار، دون أن يرمش لأحدهم طرف.

يتفاقم شعوري بالغثيان؛ فأغمض عيني لكيلا أشاهد المزيد…وأعدُ إلى العشرة املاً في استعادة رباطة جأشي….ثم أفتحهما ببطء، لألاحظ انسجام واستمتاع الجميع مستمتع بمنظر ذلك الطقس البربري: عادة “البطان”

أقرر الهرب من ذلك الجو الخانق. لكن قبل أن تطأ قدمي سيراميك أرض الصالة، أسمع صوتًا مألوفًا يستوقفني:

–         رايحة فين؟

انتفض بهلع ثم أعود أنكمش في مكاني…ثم ألتلفتْ لأتفاجأ بمريم، تطالعني بابتسامةٍ ماكرةٍ، ووميض فرحً في عينيها، يقول شامتًا: (لقد ضبطتك متلبسةٍ أيتها العروس الغافلة).

بنظرة لومٍ أحدجها، وبنبرةٍ غاضبةٍ أعنفها على تغيبها عن حضور زفة فرحي…تأمرني بالهدوء؛ فيتضاعف غيظي من ابتسامتها غير المبالية…أوبختها على عدم مراعاة صداقتنا وتجاهل حاجتي لرؤيتها بجواري في يومٍ مثل هذا؛ فتعلل ببرودٍ: “ها أنا ذا أمامكِ الآن”….يشتد غيظي؛ فأتجاهله لأسألها: أين أهلي؟ …..تشير برأسها إلى وسط الدائرة حيث ميسم تتوهجٍ وسط الجموع كتوهجِ البدر ليلة التمام، متمايلةً بفستانها الأصفر الزاهي الراسم لتفاصيل جسدها الممتلئ، محركةً ليديها المخضبة بنقوش حناءٍ والمزينة بأساور ذهبية في كل اتجاه، بينما شفتيها تردد بانسجام مع الفنانة:

حَمْد القوز ومُرْ يا خَيْ….ومِحْوَر للبِطُقُو الكَيْ
الخَلاَّ الرِجال تِنْمَاصْ….أنَا قاعِدْ لِيوْ خَلَفْ كِرْعَيْ
الدَّايِرْني يِجِيني عَدِيلْ

أُبدي دهشتي لمريم من حفظ أختي لكلمات هذه الأغنية الصعبة؛ فلا تتفاعل معي….أسألها عن والداي؛ فتشير برأسها نحو يمين الصالة حيث أبي يجالس بانسجام صديقه عم حسين ووالد عريسي، المزينة لرأسه عمامة بيضاء تفوق ضخامة عمامة الفنان كمال ترباس…..ثم توجهني للناحية الأخرى من الصالة؛ فألاحظ انهماك أمي برفقة أم ياسمين في توجيه فريق العمل المسؤول عن توزيع العشاء.

أسألها باستغراب:

–        لماذا لم أرهم إلا الآن؟

تجيب من بين شعاع عينيها الماكرتين:

–        لأنها لا تعمى الأبصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.

ينتابني اطمئنان لعثوري على أهلي؛ فأرجع أطالع دائرة الرقص…اصطدم بنظرة ميسم أختي….تغمز لي بعينٍ كحيلة وتهديني ابتسامة من شفاه مطلية بأحمرٍ قانٍ…أتابع بدهشة رقصها مع ابن الجراح؛ ليصل انبهاري أوجه لحظة انحناءتها اللينة رمت فيها بعنقها إلى الوراء، مقلدةً لنساءٍ فاتناتٍ ساحراتٍ، انحسرت ثيابهن التقليدية عن شعورهن المُسرحة بعناية، إثر رقصهن اللين وهنَّ يرميْنَ “الشَبَّال”.

التفتُ ناحية مريم؛ لأبدي دهشتي من إجادة أختي للرقص مع حبيبيها السوداني، ولأطالبها بمرافقتي للخارج هربًا من ثقل الأجواء التي بدأت يصيبني بالدوار…لكنني أتفاجأ باختفائها من جواري؛ لأهوي في غموضٍ جديد وشعورٍ مريرٍ بالغربة.

أعود ألتفت ناحية عريسي أملًا في جذب انتباهه؛ ليتفاقم يأسي وشعوري بالغثيان عند ملاحظة انسجامه في الرقص والعرض، والاستمتاع بجلد الظهور العارية، غير آبه لعروسه الجالسة بمفردها في الكوشة…..أقرر الهرب بمفردي.

أتلفت بحذر وافرح عند ملاحظة اختفاء وجهي من شاشات العرض المنتشرة في الصالة، بعد انصباب تركيز جميع الكاميرات على تصوير الظهور الدامية لشباب “الرَكْزَة”.

بهدوء، أتسلل إلى الخارج؛ لتنتابني خفة ما أن تلفح وجهي نسمات الهواء البارد…أحسُ بأنني أولد من جديد.

بحماسٍ أتوغل أكثر نحو الخارج؛ فيغوص حذائي في العشب الرطب؛ لأوشك على السقوط لولا تمسكي بأصيص فخاري لنبتة صبار معمرة…. بخطىً متحفظة، أسير نحو الحديقة الواسعة، بعد التقاطي لزيل فستاني تجنبًا لاحتمالية سقوطٍ ثانية.

تباغت أنفي رائحة ريحانٍ ممزوجة برائحة سيجار؛ فأتلفت حولي بفضولٍ بحثًا عن مصدر رائحة التبغ…. تتجاوزني قشعريرة عند اكتشاف اختلاف كل ما في المكان حولي، وإدراكي بأنني قد خرجت إلى مكان آخر، لا علاقة له بحديقة الورود الملونة، التي تلقتنا فيها الزفة قبل قليل، عند مدخل الباب الزجاجي المؤدي للصالة.

تتضاعف دهشتي عند ملاحظتي لقصرٍ عتيقٍ شامخٍ في آخر الحديقة…أتعرف عليه بسهولة: “دار الحجر”. ينتابني فرح واستغراب من انتقال أحد الأماكن التاريخية في صنعاء لحي الزمالك بالقاهرة…تتحول دهشتي لتوجسٍ عند رؤية أسراب خفافيش تجوب الأجواء…أتراجع خطوة للوراء بنية العودة إلى صالة الفرح؛ لأتفاجأ باختفاء الباب حيث خرجت، واختفاء الأصيص ونبتة الصبار، رغم صوت الفنانة المواصل الصدوح بأغنية “الفزع”.

أستجمع شجاعتي وأتقدم نحو القصر، أملًا في الاحتماء به، من غرابة الجو من حولي. أتعثر في خطواتي؛ بسبب خفضي لرأسي تفاديًا للخفافيش، بينما صوت الفنانة يصم أذناي بكلمات أغنية “الفزع:”

السودان بِخِيره فيهو رجال بِغِيروا،
كَتَّرْ ألف خِيرُوا يا جَنَا“.

بنفسٍ لاهث وقلبٍ يلهج بالدعاء، أتجاوز شجرة ضخمة أمام مدخل القصر؛ لأدلف إلى الداخل…تخترقني رائحة نفتالين نفاذة تضاعف من توجسي…تعاودني فكرة الهرب من جديد…أهم بتنفيذها لولا أن يستوقفني صوت أنين، ظننته مواء قطة في البداية، قبل أن أتبين أنه صوت انسانٍ يناديني باسمي ويرجوني أن أفتح له الباب؛ لكي أحرره من سجنه.
استعيذُ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، ثم أتلو المعوذتين وقل هو الله أحد بصوت عالٍ، دون أن يهدأ روعي.

يتحول خوفي إلى فضول لما يباغتني الصوت بسؤال:

–        “هل نسيتِ “كِشْ مَلِكْ”؟

يدفعني الأدرينالين لصعود الدرجات ركضًا؛ لهفةً لمعرفة أسباب حبس صديق طفولتي في هذا المكان الموحش.

بأنفاسٍ متسارعة، أصعد خمسة طوابق؛ لأشعر، كلما اقترب الصوت، بقلبي يكاد يقفز من صدري….أصل أخيرًا إلى غرفة في آخر الطابق السادس؛ فأتوقف خلف بابها لالتقاط أنفاسي قبل أن تنفرط أشواقي وعتابي:

– افتقدتك كثيرًا يا وضاح، كم اشتقت إلى عينيك وابتسامتك وجنونك ولعبنا سويًا! لماذا لم تسأل عني طوال هذه السنوات؟ لماذا ليس لديك حساب فيس بوك أو انستجرام أو أي وسيلة كانت ستمكنني من الوصول إليك؟

يأتيني بصوته باردًا:

–         هذه هي الحياة، أحيانًا يلزمنا عمرًا كاملًا لنعثر على أحبابنا الحقيقيين. وقد لا نعثر عليهم ابدًا.

أقمع نفسي لئلا أسترسل في اللوم؛ فأضيع الوقت بدل اقتناصه لأملي بصري بوجه صديق عمري بعد غياب سنواتٍ طوالٍ لم أنسه فيها.

بيدٍ راجفةٍ، أُدير مقبض الباب، لأتفاجأ بأنه مغلق بالمفتاح….أسأل صديقي عنه؛ فيجيبني بتهكم:

–        ابحثي عنه جيدًا! فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
أتلفت حولي بغيظٍ، قبل أن أهتدي لأنظر تحت قدماي؛ لأعثر أخيرًا على مفتاحٍ صغيرٍ في حجم قرط أذنٍ، ملتصقًا بطرف زربية خضراء كنتُ أدوس عليها.

بلهفةٍ، أنحني لالتقاطه بأنامل مضطربةٍ متلهفة لأن تتشابك مع أنامل صديق الطفولة وحبيب الروح.
وفي أثناء مصارعتي لأشواقي، واجتهادي لإدخال المفتاح في ثقب الباب، يأتيني صوته لائمًا معاتبًا باردًا مستنكرًا، استعجالي في الزواج من أجل إرضاء أمي وأختي….تلجمني المفاجأة وتمنعني من سؤاله كيف عَلِم بتفاصيل زواجي الذي لم تكتمل مراسمه بعد…..ومن جديد، أجد نفسي أصارع ألغازًا أخرى في هذه الليلة الغريبة.

يطول الصمت المربك من خلف الأبواب؛ فيكسره وَقْعُ خطواتٍ متسارعة تصعد الدرج، وأنفاسٍ لاهثة تسابق أصواتٍ غاضبة ترغي وتزبد….أتبين صوت أمي يناديني مزمجرًا: شمس؟ إنتي فين؟، ثم صوت أم ياسمين يوبخها شامتًا لائمًا لها على عدم احسانها لتربيتي، حتى أجرؤ على الهربِ في يوم زفافي…يسمرني الخوف في مكاني….ثم أفيق من صدمتي عند اقتراب الخطوات؛ لأعاود محاولة استخدام المفتاح الصغير.

بأعجوبة، أنجح أخيرًا في إدخاله في ثقب الباب.

لكن للأسف، في اللحظة التي يُفتح فيها الباب، تدركني أمي وجارتها؛ لتمسكا بي وتصرخان بصوت واحد:

–         فين الفستان؟

أُنزل بصري على جسدي لأصاب بالدهشة عند اكتشافي أن ثوب الزفاف الأبيض قد تحول لثوب صنعاني تقليدي مزركش بالأسود والأحمر يرسم تفاصيل جسدي النحيل بدقة.

وبينما أمي وجارتها تسحبانني بقوةٍ على سيراميك أرضية الدَرَج، التفت لأُلقي نظرة من فوق كتفي؛ أملًا أن يخرج وضاح ليحلق بي؛ لأقع في حيرة أكبر ولغزٍ جديد عند اكتشافي أن من يقف وراء الباب يطالعني بعدم اكتراث ليس صديقي كما كنت أظن، بل فتاةٌ تشبهني، وكأنني أنا.
بهستيريةٍ، أصرخ ملئ حلقي:

–        من أنتِ؟

 فتجبيني بالقهقهة دون أن تحرك ساكنًا.

يتردد صدى صراخي في أرجاء القصر، تارةً يُطالب شبيهتي أن تنقذني من يدي أمي وجارتها، وتارةً يرجوها أن تفسير سبب تخفيها رواء صوت وضاح، وتارة يلعن هذه الليلة.
يجف ريقي من الصراخ، وتخور قواي؛ فاسقط متدحرجة في السلم الأفعواني، طابقًا وراء طابقٍ.
وقبل ارتطامي ببلاط الطابق الأرضي، أستيقظ على يد ميسم تهزني بعنفٍ:

– شمس! شمس! إصحي يا شمس، شمممممس!”

الفصل رقم 23/ من رواية “صنعاء القاهرة الخرطوم “
*تصدر قريبا في طبعة ثانية من دار الدراويش للنشر والترجمة
*الصورة في ترام الاسكندرية/محطة الرمل
نوفمبر 2022
لقراءة القصة من المدونة، الرابط 👇:

 

شرق المتوســــــط .. عصف زلزالي مزدوج

0

روماف – رأي

بقلم الجيولوجي : شريف علي  

المصدر : باسنيوز

صبيحة الاثنين السادس من شهر شباط فبراير الجاري  وعلى غير ما اعتاد عليه سكان المنطقة الغربية من كوردستان وجنوب تركيا و شمال سوريا من أن الهدم والتدمير والقتل يعقب الغارات الجوية وتحركات الدبابات والمدافع ، لكن هذه المرة كانت الواقعة أسرع من لمحة البصر ومصدرها ليس من الجو بل أعماق سحيقة وبفعل جزء يسير من قوة الطبيعة التي عصفت بالمنطقة وما عليها لتحولها خلال ثوان إلى تلال من ركام يدفن تحته عشرات الآلاف من البشر.

No description available.
نوع الزلازلالعمق /كم
الضخمة30-70
المتوسطة70 – 300
العميقة300 – 700

في هذه القراءة المقتضبة نحاول إلقاء بعضا من الضوء على هذه الحركة الخاطفة للقشرة الأرضية ” الزلزال”وقوتها التدميرية الهائلة ، حيث أشار مدير المعهد الفليبيني لعلم البراكين والزلازل ريناتو سوليدوم أن الزلازل التي تبلغ قوتها 7 درجات تمتلك طاقة تعادل نحو 32 قنبلة ذرية كتلك التي ضربت هيروشيما.رحسب ما سجلته مراكز الرصد الزلزالي في أنحاء مختلفة حول العالم فإن شدة الزلزال الذي تعرضت له جنوب تركيا وشمال سوريا صبيحة الأثنين 6 فبراير فقد تخطت حاجز الشدة التدميرية لتصل إلى 7,8 درجة على مقياس ريختر أي ما يعادل تفجير 60 مليون طن  من مادة الـ TNT وهو ما صنفته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بأنه الزلزال الأعنف والأقوى الذي شهدته المنطقة منذ أكثر من مائة عام حسب المعايير المعتمدة عالميا حيث حددت

No description available.

أجهزة الرصد بأن بؤرة الزلزال تقع على عمق 17.9 كم تحت سطح الأرض وهو أقل عمقا حتى من بؤر الزلازل الضخمة التي تتراوح عادة بين 30 الى 70 كم ، في حين كان المركز السطحي ( النقطة من سطح الأرض التي تقابل شاقوليا  بؤرة الزلزال) كان على بعد 26 كيلومترا تقريبا شرقي مدينة مرش عند فالق (صدع) شرق الأناضول. وأطلق الزلزال موجات باتجاه الشمال الشرقي، مما تسبب في حدوث دمار في وسط تركيا وسوريا.

كيف حدث الزلزال المدمر:

معلوم أن القشرة الأرضية بما فيها تلك الواقعة تحت الغلاف المائي لسطح الكرة الأرضية وعلى أعماق سحيقة تعرضت لتصدعات وتشققات خلال ملايين السنين، لتقسم القشرة إلى أقسام سميت بالصفائح  التي بدورها تباعدت عن بعضها في طبقاتها العلوية لتصل إلى ما هي عليه الآن من قارات وبحار ومحيطات مستقرة على صفائح معينة  أهمها:

No description available.

الصفيحة الأوراسية والصفيحة الإفريقية  والصفيحة العربية  و الامريكية الشمالية والجنوبية و الهندية وغيرها يفصل بينها الصدوع التي تتطور مع الزمن مسببة في انقسامات جديدة  حتى ضمن الصفيحة الواحدة ، كما هو الحال بالنسبة للصفيحتين الأوراسية والعربية في شرق المتوسط ، حيث أن لزوجة غلاف الكرة الأرضية تحت تلك الصفائح تجعلها قابلة للحركة وبالتالي إمكانية تصادنها أو انزلاقها بجوار بعضها أو حتى انغماص إحداها تحت الأخرى مما يسبب حدوث ظواهر طبيعية كارثية ضخمة مثل الزلازل و بروز سلاسل جبلية واندفاعات بركانية وتوسع بحري هائل )تشكل البحر الأحمربين الصفيحتين العربية و الإفريقية )، وهذه بطبيعة الحال لها تأثيرات هدامة على المناطق التي تحدث فيها كما حصل مؤخرا في شرق المتوسط.وهي المنطقة الواقعة على نقطة تلاقي ثلاث صفائح قارية (العربية ، الأناضولية ،و الإفريقية )، حيث أدى إندفاع الصفيحة العربية بإتجاه الشمال وبمحاذاة صدع البحر الميت الممتد من خليج العقبة حتى خليج الأسكندرون، إلى تحرك صفيحة الأناضول والتي هي جزء غير مستقر من الصفيحة الأوراسية نحو الشرق بمحاذاة صدع شرق الأناضول، و إصطدامه بالصفيحة الأفريقية ،ما نتج عنه التفجير الهائل الذي قدر طاقته بقرابة طاقة تفجير 60 مليون طن من مادة TNT انتقلت على شكل موجات إهتزازية قوية عبر القشرة الأرضية لمسافات زادت عن الألف كيلومتر مسببة دمارا كبيرا في المناطق التي طالتها، رافقها انزياح ملحوظ لصفيحة الاناضول بحدود وصلت الى 3 متر،الامر الذي دفع كبارالعلماء في ابحاث الزلازل الى الاعتقاد بانه نسخة متجددة من الزلزال الذي حصل عام1939 وكان منشأه صدع شمال الاناضول بل اعظم منه كون الزلزال الأخير تميز بقرائن فارقة لعل أبرزها:

  • قرب مركزالزلزال من سطح الأرض,
  • تتبع الزلزال الأول بزلزال مماثل بعد ظهر اليوم الثاني أي حوالي الـ 9 ساعات .

حيث نفى الخبيران الفرنسيان المتخصصان في الزلازل، رومين جولفي من جامعة غرينوبل، ولوران جوليفيت من جامعة السوربون أن تكون هزة اليوم الثاني – هزةإرتدادية  – التي عادة ما تكون أقل قوة من الأساسية – وهذه حالة نادرة الحدوث بعد الزلزال الأساسي كما هو الحال في الزلزالين الأخيرين، حيث نشأ الأول إثر الإنزياح الصفيحي الذي حرر جزءا من  الطاقة الهائلة المحتبسة منذ آلاف السنين بفعل الحركة البطيئة للصفائح ،في حين يتم  إعادة تنظيم جزء منها في قشرة الأرض، ما قد يؤدي إلى حدوث زلازل جديدة في المستقبل .

No description available.
  • تحرك القشرة الأرضية في منطقة الأناضول بمقدار 7.3 أمتار حسب ما أعلنته إدارة الكوارث و الطوارئ التركية .وهذا ما أشار إليه شريف الهادي، رئيس قسم الزلازل بالمعهد القومي المصري للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية متفقا مع ما ذهب إليه الخبيران الفرنسيان، وإشارة إلى إمكانية حدوث زلازل قوية لاحقة،وإن كان لا يمكن التكهن بتوقيت حدوثها لكن يرجح إمكانية حدوثها صدعي البحر الميت وشرق الأناضول.هذا ناهيك عن مئات الهزات الإرتدادية في المنطقة  (كما هي في الصورة المجاورة ) والناجمة عن إمتداد النشاط الزلزالي إلى الفجوات المجاورة، تلك التي أعقبت الزلزال الأساسي  بالإضافة إلى ما هو متوقع حدوثها لمدة تصل إلى سنة أو أكثر حيث لا تزال أجهزة الرصد تسجل يوميا عدة هزات في المنطقة المنكوبة وجوارها وبدرجات متفاوتة  بين  3 و4.5 درجة حسب مقياس ريختر.وهو الأمر الذي يتطلب بشكل أساسي:
  • عدم إخضاع الحالة الإنسانية الطارئة للمعايير السياسية،ومزاجية السلطات المتنفذة في المنطقة،وضرورة فتح أكبر عدد ممكن من المعابر المؤدية إلى المناطق المنكوبة .
  • استمرار وزيادة تقديم المساعدات الإنسانية العاجلة، ومحاولات إنقاذ العالقين تحت الأنقاض رغم التضاؤل الكبير في فرص بقائهم أحياء.
  • ضرورة توزيع تلك المساعدات على كل المستحقين في المناطق المنكوبة دون تمييز، بل وتحت إشراف الجهات المانحة .
No description available.

أخيرا لا بد من الإشارة إلى  البعض من التدابير الأساسية  لا بد من إتخاذها عند أول إحساس بالهزة، وإتباع التعليمات الآتية:

– إن كنت داخل مبنى، إحمِ نفسك تحت طاولة متينة أو سرير. لا تهرب أثناء الهزة لتفادي وقوع الأشياء عليك، كالتلفاز أو الرفوف أو الزجاج المتناثر.

– إن كنت في الشارع، إبتعد عن الأبنية أو الأسلاك الكهربائية. ولا تحتمِ بشرفة أو سقف كي لا تقع عليك أنقاض.

– إن كنت في السيارة، أوقفها بعيداً عن الأبنية والأسلاك الكهربائية، وابقَ في داخلها احتماء من الحطام أو الردم.

وبعد الهزة مباشرة:

– لا تدخل الى مبنى متصدع أو متضرر لئلا يقع لك حادث بسبب الردم أو الانهيار.

– لا تستعمل المصعد الكهربائي كي لا تحتجز في داخله.

– في حال الدخول اقطع امدادات الغاز والكهرباء. لا تضئ شعلة ولا سيجارة لتفادي أي انفجار أو حريق.

– أخلِ الأماكن الخطرة، ولا تنسَ الحاجات الضرورية (تذاكر الهوية، راديو على البطارية، مصباح كهربائي، أدوية) وذلك بانتظار النجدة.