إلى وليدي في الثالث من عنفوانه
كلّ عام وأنت الانتماء لغربة الروح
وأعشاش كفّك الصغير مهجع لأسراب نبضي
ما زالت يا ولدي في رحاب أنفاسي، حبيس الحنين
كلّ مساء تنثر خصلات شعري فوق وجهك الصغير
متلحفاً
متمرّغاً بعطري وأنفاسي
وأنا بنول الحبّ أرفو أبطال حكايات طوباويّة بمخض خيالي…
يا قبلتي وصلاتي
ما زلت تزحف إليّ كلّ صباح لترعى من صدري البراعم والزهور
أظافرك اليانعة أقلّمها بشهقات مخاوفي
وخصلات شعرك البنّية تموء من بين أصابعي
تشاجرت أمّي ذات يوم من على شرفتها مع صبيان الحيّ حين سألوني ما اسمي
وأنا اليوم ألهث كخيل في مرتفعات الحداثة والتكنولوجية
لأحميك من جنود ملثّمين في العالم الافتراضي الموبوء بالجهالة والحثالة
ركلتك الأولى لجدار رحمي
حوّلت أنقاضي لصروح وحدائق معلّقة
تيمّمت بالانتظار، وأنا أحيك تخيّلات لوجهك كيف ستبدو
مكوثك هذا وسكينتك لن يطولا
كالقطط ستسأم من الدلال وتنمو مخالبك
مهرولاً أحد أيام شباط تنبش عن زهرة تستأنسها
تاركاً أثر خربشات طفولتك على جسد ذاكرتي
وندبة خلّفها مشرط الطبيب يوم مخاضك العسير واليسير…
يا وريث ضياعي وتيهي
لا في جعبتي غير مفتاج باب بيت مخلوع وأنقاض مدمّرة
في بقعة صارت جيفة وقضية مخصيّة…
ما زلنا كما يوم ولادتك
ملطّخين بالحياة وزمكانها المسعور، نفتّش باكيين عن الهوية، وعن صدر يهيل تراب السلام علينا
لاجئون وسلال ذاكرتنا عالقة على سياج شبح مدينةٍ تصرخنا
ولأننا سليلو الفقد والخبور العاطفي
أترقّب أنا التقويم وحقائب توضب فيها أماني الرحيل
ستأتي مَن تخطفك مني، وليس من قلبي
وتحرّر يديك من خطوط يدي؛
لترسى سفن طمأنينتك على شواطئ امرأة
تلتجئ لأحضانها لحظة هذيان، وتداعب خصلات شعرها المشتهي
ستسكب سوائل الحبّ في قلب امرأة تحتويك من بعدي وفي بُعدي
بفراقك سأبلع أقراصاً منوّمة لأشواقي
سألثم قمصانك المعطّرة بحبيبات دمعي
وأربت على شغب ذاكرتي ليغفو
أوصيك يا فورة دمي وامتداد جذوري
أن تصافح الوفاء صديقاً وفياً
ولا تنسَ مَن كانت تربطك بها حبل سرّي.
وصيّة لولدي
كاتبة وشاعرة سورية