قصة قصيرة
وطأت قدم أم حسو الأرضية الأسمنية الجديدة ، لم تأبه لنصائح سائق الحافلة الصغيرة الذي أوصلها للمعبر الحدودي المراهق ، توجهت مباشرة صوب الجسر العسكري الأخضر المغلق بسلاسل حديدية من صنع بلاد الصين ، ما أشبه تلك السلاسل بعقول أصحاب تلك الأقفال ، هذا ما قالته أم حسو وهي تشتم جهة الشمال ، ألتم من حولها مجموعة من الحراس والموظفين والموظفات وعلى أكتافهم نجمة صفراء ، وسألوها : إلى أين يا خالة ؟
، فردت بتجهم : إلى جهنم ،
إلى تلك الضفة ، سأغادر جنتكم ،
قالوا لها ومن لك هناك وانت طاعنة في السن ، فردت : لي ولد أخذته مني خجو البلهاء ، “يضحك الجميع”
وأين يسكن أبنك …؟
لا ادري ، قال لي عندما تحدثت إليه قبل ثلاث سنوات ونيف ، أنه في جنوب كوردستان ، وقال لي سائق الحافلة ، أن ما بعد هذا النهر هي جنوب كوردستان ، هل كلامه صحيح أم كذب علي هو الأخر ، كما يفعله ولدي بي …؟
لم تتلقى الأجابة ، منعوها من العبور ، فهاجت عليهم وأشارت بيديها إلى الجهات التائهة وقالت :
هذه كوردستان وهذه كوردستان ، لماذا تمنعون عجوز مثلي من لقاء أبنائها ، لماذا ، وانتم كورد وهؤلاء كورد ، لماذا ، ايعقل أن يفرق بين قلبي وطن ما ، نهر كهذا …؟؟؟
أيعقل أن يفرق بين قلب أم ما ، نجمة وشمس …؟
شفق احد الموظفين على أم حسو وأخذها إلى مكتبه وتواصل مع عدة جهات وأخرج لها أذن بالخروج ، أخذ قاربٌ صغيرة الخالة أم حسو مع أحلامها ، وبمسافة دقيقتين من عرف الملاحين انتقلت من ضفة الفردوس إلى ضفة الجحيم ، أستقبلها ضابطٌ شاب وسيم وأوصى أحد الموظفين بها ، الذي أوصلها لسائق سيارة أجرة ،
إلى أين يا خالة …؟
قالت : إلى حيث يسكن الملعون ولدي …؟
وأين يسكن ..؟
ردت بتعجب : هنا في جنوب كوردستان …!!!
قال : سأخذك إلى مخيم دوميز ، فهو الاكبر وابحثي عنه كيفما تشائين ..!!
كانت تقرأ للطريق كفه المتعب ، وسرقت من ظلال الجبال حزنها القاتم ، قالت للسائق : لقد تعبتم ، تعبتم كثيراً ؛ فلا عجب أن تحمر الزهور التي تنبت ها هنا ، لقد ألتحق زوجي بالثورة وعاد مجنوناً بعد اتفاقية الجزائر ، امام باب المخيم ، أوصلها السائق الحذق مروض الحديد المنزلق ، إلى أحدى اللجان الخدمية ، وتم البحث عن أسم ولدها ، في صندوق بلاستيكي أخرق يدعى كمبيوتر …!!
قالت لهم أتبحثون عن حسو في هذا الصندوق يا حمقى ..!!
أنه ولدي اعرفه ، أنه يتسكع هنا أو هناك …!!
قال أحد الموظفين : يا خالة أسم ابنك حسين **** *****
أليس كذلك ..؟
ردت : نعم هو بذاته ..
فقال بتأسف : لقد غادر إلى اوربا ، أخذته أحدى المنظمات الأجنبية مع عائلته إلى هناك منذ ثلاث سنوات ….!!!!
ألا تعلمين أنه سافر ، ألا يتصل بك ، ألا تمتلكين هاتفاً ، هل بينكم جفاء ، هل قمت بطرده ، هل هو ملك لنفسه أم لزوجته وووووو
كثرت الأسئلة على كاهل المرأة العجوز ، رفعت عكازتها عالياً ، كانت الدمعة محصورة بين ثنايا جفنيها ، ارادت كسر شيء ما ، للحظة ما ، كانت ترتجف ، تذكرت حياتها في حي عنترية و مرت الذكريات الغابرة كشريط سينمائي أمام عيني حظها العاثر المتعب ، هوت العجوز على الأرض ، تحسست الأرضية البلاستيكية للكرفان ، تحررت دمعتين من سجن المقلتين ، وتنهدت بكلمة اخيرة ” آخ كوري من ” .
رائد محمد .. هولير
ربيع سنة ٢٠١٥م .