قصة قصيرة..
كان أبو حنان يجفف عرق جبينه بكم قميصه المتسخ من نقله لأغراض البيت حيث أنتهى للتو ، عندنا سلم عليه سيفو الجار المقابل للوافد الجديد إلى الحي ،
دسَ أبو حنان رزمة من العملة السورية من فئة الألف ليرة التي باتت رخيصة كأرواح الناس ، في يد سائق سيارة الهوندا “ابو مزكو” ذو الشاربين الكثيفين الذي مضى على عجل ، فأغلق الوافد الجديد باب المنزل وأسند ظهره للباب وأطلق تنهيدة مصحوبة بوابل من الدموع ..!!
في اليوم التالي قامت أم حنان بتزيين شباك الغرفة المطلة على الحي بعلب الالبان الفارغة منها و التي تم ملؤها مسبقاً بتراب أحمر قامت بجمعه من برية قرية ماباتا وذلك قبيل ثلاثة أشهر من القصف اللعين ،
البذور التي زرعتها في تلك العلب قد أطلقت العنان للحياة منذ فترة وجيزة وفاحت عدة ورود ملونة “حمراء صفراء بيضاء ”
أطفال الحي يلعبون سوية بالكرة في الشارع المطل على منزل حنان الجديد ،
فتحت حنان النافذة لأول مرة و قامت بسقاية الورود وهي تراقب الاطفال بحزن مكتوم ،
دعاها احد الأطفال إلى مشاركتها لهم في اللعب ، ولكنها لم تنبت ببنت شفة ، تكرر هذا المشهد يومياً ، حتى ألف الجميع مشهد الفتاة في النافذة المفتوحة وسط حديقة صغيرة من الورود ، حتى جاء ذاك اليوم الذي دخلت فيه كرة الأطفال إلى داخل الغرفة عبر النافذة المفتوحة على مصراعيها للحياة …!!
طلب الجميع من “حنان” أن ترمي لهم بالكرة ، ولكنها لم تفعل أي شيء …!!!
فصاح أحدهم بها : كم أنتِ متعجرفة ، لا تلعبين معنا وحتى أنك لا تتكلمين …!!!
أحد الصبية طرق باب المنزل فخرجت والدة حنان التي كانت تستمع إلى حوار الأطفال ،
وقالت : سأجلب لكم الكرة أنتظروا هنا ،
تجمهر الأطفال أمام الباب لم تمض لحظات حتى عادت أم حنان بالكرة وأعادتها لهم ،
تجرأ أحدهم وقال لها : لماذا لا تلعب أبنتك معنا يا خالة….؟
-فردت بحزن : أبنتي لا تستطيع ذلك …!!!
-لماذا …؟
– أدخلوا إلى غرفتها وستعرفون …!!!
تجمع الأطفال داخل غرفة حنان ، كان ثمة سريرٌ حديدي ذو لونٍ أخضر يحتاج إلى دهان جديد ، ومنضدة صغيرة عليها بضع كتب مرتبة بعناية وتم فرش الغرفة بسجادة خضراء تتوسطها ورد حمراء مرسومة لوحدها ، بينما كانت حنان تجلس على كرسي ذو عجلات مزدوجة صمم ليستعمل بدلاً للمشي ، تأملت أعين الأطفال
كرسي حنان ولاحظوا أنها لا تملك قدمين ……!!!!!
لم ينطق أحدهم بأي شيء ..!!!
كان المشهد مأساوياً
يحدثهم بكل ما جرى ويجري ،
المشاهد تتابع كشريط سينمائي
يحدثهم عن وابل القنابل المحرمة دولياً
التي هطلت على قرية حنان القريبة من ماباتا
شمال غرب عفرين ، وكيف أنتشلت حنان من بين الركام وعولجت في مشفى آفرين …
كان المشهد يحدثهم عن شعبٍ لا يملك قيادة
عن أملٍ تائه ، وعن ضمائر نائمة ، وعن ساسة تجار
عن ألمٍ يباع ويشترى ، عن وطنٍ رتبَ على عجل في حقيبة سفر ، وهُرب من فوق الأسلاك الشائكة ، وعبر حقول مزروعة بالالغام ، عن أحزابٍ متصارعة بجدل بيزنطي ، بينما تستباح القرى والمدن في تلك الجغرافيا الحزينة .
و آذار يغني لنوروز بنغمٌ حزين ، حزين جداً في عيني حنان ..
رائد محمد
هولير ذات ربيع ..