روماف – رأي
صلاح بدر الدين
لن اتناول العلاقات التاريخية بين الهاشميين ، او المملكة الأردنية الهاشمية وبين الكرد ، فهي من شأن المؤرخين لانها بدأت منذ عصر الإمبراطورية الأيوبية ، ومرت بمراحل متعددة ابان العهد العثماني ، والنزوح من والى فلسطين ، انتهاء بالانتداب الفرنسي لسوريا ، ومرحلة الاستقلال ، وتنصيب الملك فيصل ملكا على العراق وعلاقاته بكردستان العراق ، حيث شهدت تلك المراحل استقرار عائلات من أصول كردية في مناطق ومدن الأردن ، ولعبت دورا في بناء الدولة الأردنية ، وتطوير اقتصادها ، وتعزيز مؤسساتها الإدارية ، والعسكرية .
العلاقات السياسية الأردنية الكردية بالعصر الحديث
وبدأت بتواصل الزعيم الراحل مصطفى بارزاني مع الراحل الملك حسين ، الذي كان له مواقف إيجابية معروفة من القضية الكردية في العراق خصوصا ، ومن العلاقات العربية الكردية بالمنطقة عموما ، وتطور هذا التواصل فيما بعد الى علاقات دبلوماسية بين عمان واربيل ، وزيارات المسؤولين الكرد العراقيين الى الأردن وخاصة الرئيس السابق لإقليم كردستان مسعود بارزاني ، والرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني .
من المعلوم ان كلا من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ، والملك الأردني الحسين بن طلال ، كانا من الزعماء العرب القلائل الذين توسطوا مرارا بين قيادة كردستان العراق والنظام العراقي ، حرصا منهما على وقف النزيف ، وتحقيق السلام ، وصيانة علاقات الصداقة الكردية العربية ، وقاما سوية او كل على حدة بالتدخل مرارا ان كان بناء على رغبة الطرفين ، أو كمبادرات ذاتية وذلك بعكس حكام سوريا البعثيين الذين كانوا يصبون الزيت على النار ، وارسلوا جيشهم لمحاربة الثورة الكردية ونصرة توأمهم البعثي ببغداد ، وحاكم الجزائر هواري بومدين الذي تحول طرفا ضد الشعب الكردي بكردستان العراق ابان تنظيمه لاتفاقية الجزائر المشؤومة بين الشاه وصدام .
منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي ، وبدايات التسعينات ،كنت أقوم بزيارات دورية الى عمان بغية اللقاء مع عدد من رفاقي بقيادة ( حزب الاتحاد الشعبي ) سابقا الذين كان بمقدورهم الوصول الى هناك لانه اقرب نقطة الى سوريا ، وعلى هامش تلك الزيارات كنت أتواصل مع الأصدقاء في الجالية الكردية الأردنية ، وجمعية صلاح الدين الايوبي الخيرية الكردية ، كما قمت بالقاء محاضرة حول العلاقات الكردية العربية بمعهد شومان ، ولانني دعيت في تلك الفترة رسميا لحضور ( المجلس الوطني الفلسطيني ) الذي عقد بعمان وذك باسم الحركة الكردية فاغلب الظن كنت مكشوفا امام اعين الرقيب في الأجهزة الأمنية لذك البلد الذي اعتبرته صديقا .
رب ضارة نافعة
في احدى زياراتي بتلك الفترة تلقيت ايصالا من كشك الامن العام المسؤول عن ختم جوازات القادمين وكنت احمل جواز سفري الألماني ، يتضمن وجوب مراجعة دائرة المخابرات بعمان خلال اربع وعشرين ساعة من تاريخ الوصول ، وقد خلق ذلك قلقا لدي وتوقعت الكثير من الاحتمالات كان من بينها اسوؤها أي تسليمي الى سوريا ، ولااخفي انني مررت بلحظات صعبة في تلك الساعات ، وفكرت مليا الا ان قررت الاتصال بالصديق الراحل الدكتور اشرف الكردي الذي كان الطبيب الخاص للملك الراحل ويحظى بالاحترام الشديد من لدن العائلة المالكة .
اتصلت بالدكتور اشرف وشرحت له ماحصل وابديت القلق ، ولم تمضي ساعة حتى حضر الراحل الى الفندق الذي أقيم فيه واستقبلته وهم مبتسم كعادته ومازحني : ” على أساس الاكراد لايخافون ” فاجبته : عانينا الكثير من الأنظمة الحاكمة عزيزي ” ثم بدأ بتهدئتي قائلا انهم لايريدون ايذاءك أو اعتقالك بل يرغبون بالتحدث معك كقائد سياسي كردي ، واسهب : المخابرات عندنا بالأردن تختلف عن الأجهزة الأمنية في أنظمة المنطقة ، وهم رجال سياسة ومختصون بالقانون ، يحاورون خصومهم واصدقاءهم بكل شفافية ، ويخدمون بلدهم ..” .
وفي صباح اليوم الثاني تلقيت اتصالا هاتفيا بغرفتي ، من شخص قال لي انه بانتظاري امام الاستقبال لنقلي الى المكان المحدد بايصال المطار ، ورافقته الى مبنى المخابرات ، ولم يكن بعيدا عن فندقي ، ثم انتهى بي المآل الى مكتب فخم يجلس امامي شخص مكتوب على طاولته ( المقدم … ) ورحب بي ثم عرف عن نفسه انه مسؤول ملف سوريا والعراق ومن ضمنه الملف الكردي بالبلدين ، وكان ودودا وشرح لي اننا هنا لا نستدعيكم بل نريد التحاور معكم بشأن القضية الكردية ، واردف نريد علاقات مع حزبكم في سوريا ، ومع الحركة الكردية بالمنطقة .
كانت اجابتي السريعة تقديم الشكر على الاهتمام ، وتبيان اننا في ( الاتحاد الشعبي الكردي في سوريا ) لانبني العلاقات مع الدول والأنظمة ، واننا حزب صغير ، علاقاتنا تقتصر على حركات التحرر والقوى التقدمية ، وفي الوقت ذاته يمكنني مساعدتكم وعلى الفور في بناء علاقات مع الحركة الكردية بالمنطقة ، ومركزها الرئيسي كردستان العراق ، ثم استأذنني وخرج لمدة ماتقارب الربع ساعة وابلغني عن موعد مع ( الباشا ) غدا تعقبه مادبة غداء .
أحضروني بالموعد المحدد من الفندق الى مكتب رئيس المخابرات اللواء – سميح بطيخي – الذي كان بغاية الود ، والاطلاع الواسع على تفاصيل القضية الكردية ، وبدأنا بالحديث وشرحت لهم أحوال الحركة الكردية بشكل عام ، وباالاخير وجه لي السؤال المحدد : هل يمكنك بحكم موقعك مساعدتنا في بناء علاقات وتواصل مع الاخوة في كردستان العراق وتحديدا مع قيادة الرئيس مسعود بارزاني ؟ فاجبت : ساحاول وقد انجح ، طبعا كنت متاكدا ان الاشقاء يريدون الخروج من عزلتهم واختراق الحصار المفروض عليهم من نظام صدام ، وتامين منافذ ، ومعابر الى العام الخارجي .
مساء ذلك اليوم اتصلت بمكتب الأخ الرئيس مسعود بارزاني لاعلمه من حيث المبدأ ماحصل ، وكان جوابه بالإيجاب والاستعداد للتواصل مع الأردن ، ثم أبلغت الأصدقاء وتوجهت الى أربيل لتنظيم زيارة الأخ نيجيرفان بارزاني رئيس حكومة الإقليم آنذاك ، واتفقنا على تاريخ الزيارة على ان اسبقه الى عمان عدة أيام لترتيب تفاصيل الزيارة ، واتفقت مع الدولة المضيفة على استقبال الأخ نيجيرفان بشكل رسمي وفي صالة كبار الزوار بالمطار وبالإضافة الى المحادثات مع رئيس المخابرات سيتقابل مع الملك عبد الله الثاني .
وقد حصل مااتفق عليه بالكامل ، وعقد السيد نيجيرفان والوفد المرافق له لقاءاته الرسمية ، وعقد الاتفاقات العديدة التي لامجال لذكر تفاصيلها التي تخص الاشقاء ، ثم اختتم زيارته بمأدبة عشاء على شرفه أقامه رئيس الحكومة الاردنية بحضور شخصيات سياسية مرموقة ورؤساء حكومات سابقون ، وشخصيات كردية اردنية من بينهم الراحل الدكتور اشرف الكردي ، وعلى هامش الزيارة التقى بمبعوث الرئيس الفلسطيني الأخ أبو مازن الذي ارسله من رام الله خصيصا الى عمان .
ومن ذلك اليوم بدأت العلاقات الكردستانية الاردنية ، وكان الأردن اول بلد عربي يفتتح قنصلية باربيل ، ثم كانت الخطوط الجوية الأردنية السباقة في تسيير الرحلات من عمان الى أربيل والسليمانية ، كما افتتح الاشقاء مكتبا غير معلن بعمان لمتابعة وتنسيق العلاقات .