قراءة في رواية حياة السيد بيير
تأليف /جي دي موباسان
ترجمة : سامي غنيم
دار تبارك للنشر والتوزيع.
أحمد إبراهيم.
في رواية (حياة السيد بيير) ، لا يقدّم لنا موباسان حكاية عادية عن عائلة تخلّ بتركيبتها الأسرار، بل يرسم لوحة شاحبة عن الانهيار الهادئ لهوية رجل. حين يكتشف بيير أن أخاه جان ليس شقيقه البيولوجي ، لا تنهار الأسرة أمامه فجأة، بل يتشقق داخله بالتدريج، كما يتسلل الحزن إلى العظم، لا يعلن عن نفسه مباشرة، بل يتفشى كمرض لا يُرى، وسط نسيّان تام من الأم..
هنا لا تدور الرواية حول صراع خارجي، بل تتحول الأزمة إلى الداخل، ليقتحم دفئ الأسرة ويحول امانها إلى قلق.
فبيير لا يخسر أخاه، بل يخسر مرآته. ولا ينكسر فقط لأنه خُدع، بل لأنه أصبح غريباً في عقر داره، ألم بيير كان وجعاً يحمل معنى الصدمة، صدمة القدر، من أكثر شخص يحبه.
الأم، التي بدت منذ البداية شخصية هادئة، تمثل مأزقاً إنسانياً معقداً، إنها امرأة أحبت رجلاً منحها ما لم يمنحها زوجها، فخانت، لا بدافع الشهوة، بل بدافع الفراغ العاطفي. وها هو موباسان يرينا الخيانة لا بوصفها فعلاً شريراً، بل كاستغاثة للقلب من جفاف الحياة. لقد شعرت بالذنب، نعم، لكنها لم تتبرأ من حبها، لأنها ببساطة لم تتلقَ الحب من شريكها، لم تلق آيةً حقوق زوجية تُشعرها أنها موجودة بين اضلع رجل يحتويها ، فأصبحت أمام مأزق أخلاقي.
جان، في المقابل، ضحية بلا ذنب، وبيير لا يلومه، لكنه لا يستطيع إلا أن يتألم. الألم الذي نعيشه أحياناً لا يكون عدوانياً ولا عادلاً، بل موجة داخلية تسحقنا ونحن نفهم جيداً أن لا أحد اختارها. وحين يواجه بيير جان بالحقيقة، لا يفعلها بدافع الانتقام، بل كمن يفرغ شيئاً ثقيلاً من داخله. تلك المواجهة كانت اعترافاً أكثر منها إدانة، وقد جائت في غير أوانها.
ورغم كل ذلك، لا ينهي موباسان روايته بحل، بل بنوع من الهروب النبيل، رحلة بحرية، وعمل كطبيب. لا لأن بيير نسيّ الأمر ، بل لأنه اختار أن يواجه الحياة من جديد، في مكان لا تلاحقه فيه الملامح التي فقدت معناها. السفر هنا لا يعني التخلّي، بل إعادة تعريف الذات، ورحلة تكوين المستقبل المجهول، بجهد فردي، جان نال الحظوة والمال الذي تركه عشيق والدته، صديق العائلة المقّرب ( المارشال) فكانت تلك الهبة لعنة على هذه العائلة وكانت أولى حلقات مسلسل السقوط.
موباسان لم يكتب عن الخيانة بوصفها سقطة، بل عنها كشرخ في المعنى. لم يُدن، ولم يُبرّئ، بل اكتفى بأن يرفع الغطاء عن الإنسان حين يتعرى أمام حقيقته. وربما كانت أعظم مأساة بيير ليست اكتشافه أن أخاه ليس شقيقه، بل اكتشافه أن كل ما عاشه كان قائماً على الخداع و تصديق صامت، حين تنكسر الثقة، لا تنكسر في الآخر فقط، بل تنكسر في أنفسنا. لاسيما حين تنكسر ليظهر الوجه الحقيقي لأقرب المقربين، البعيدين دوماً عن دائرة الشك.
اكتشاف المزيد من Romav
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.