السياسة فن يتم تداوله على مدار الساعة ودخل هذا الفن ضمن مناحي الحياة اليومية، كأسلوب متبع في كل زمان ومكان، في الماضي كان هذا الأسلوب حكراً على الكبار مِمَنْ يتحكمون في مصير منطقة أو شعب ما، وكانت السياسة تدار في المجتمعات آنذاك كـأسلوب دبلوماسي يقع على عاتق شيخ عشيرة أو زعيم قبيلة لتحقيق الأمن والاستقرار، وزيادة التآلف والترابط بين أبناء العشيرة أو القبيلة وبعدها ضمن الإمارة والممالك.
أما في عصرنا، عصر التكنولوجيا والمعلوماتية، أصبحت السياسية حديث القاصي والداني، يتحدث بها الصغير قبل الكبير، الشباب قبل الشيوخ، دخل هذا الأسلوب في تفاصيل حياتنا اليومية حتى أصبح جزءاً رئيساً لا يمكن الاستغناء عنها.
ولكن، ومن هذه الكلمة، من أحد حروف المشبه بالفعل (لكن)، أي أننا نحن شعوب الشرق نتشبه بالغرب والعالم في ممارسة السياسة، ما يحرّنا أن ممارستنا للسياسة يُجلب الوبال والخراب علينا لعدم معرفتنا بمداخلها وكينوناتها ودهاليزها الإقليمية والعالمية وحتى المحلية، لأننا نستخدمها ليس لرُقيينا وتقدمنا بل لخلق المؤامرات والدسائس فوق بعضنا البعض وبذلك يستفيد الغرب من ممارساتنا السياسية في سلب ونهب خيراتنا إلى جانب الاستفادة من تخلفنا وتراجعنا في جعل مناطقنا سوقاً لتصريف بضائعها وأزماتها ومقايضاتها.
إن استخدام فن السياسة يختلف في منطقة الشرق الأوسط أو بالأحرى المجتمعات المتعصبة عن باقي دول العالم، حيث نرى أن فن السياسة لدى الدول الأخرى تكون لتحقيق مكاسب علمية وعملية تعود بالنفع والفائدة على مجتمعاتهم وتحقق التقدم والازدهار، والتطور في جميع المجالات، كما وتحقق الرفاهية لمواطنيها، أما لدى شعوب الشرق الأوسطية والمجتمعات المتخلفة والمتعصبة، يتم استخدام هذا الأسلوب في الاستعلاء والقمع، ويكون موجهاً نحو داخل مجتمعاتهم لبث الفتن وتجويعها، حيث يمارس من قبل سلطة مستبدة أو إدارة فاسدة لتنفيذ مآربها على حساب شعوبها، حتى تحولت هذه الأساليب في السياسة إلى أداة دمار ونهش أجساد مواطنيها وهلاكها.
هذا كله ويعتبرونه سياسة، وهنا وجب التنويه، أن ما يمارس من فنون السياسة لدينا يأتي من البيئة والعقلية والتربية والتلقين التي تنبعث من العادات والتقاليد البالية المتوارثة تدخل أغلبها في خانة الانتقام والثأر والحقد والحسد والأنانية، تلك الصفات تدمر المجتمعات وتفنيها وتجعلها متخلفة ومذلولة وخنوعة للغير، الغرب يستفاد من خيرات تلك الشعوب الخنوعة والمذلولة ويزدهرون ويتقدمون على حساب ثرواتهم ومواردهم، أما نحن المجتمعات الشرقية نتباهى بتلك العادات والتقاليد البالية التي ترزح تحت خط الفقر والجوع والعوز، فقط التباهي بكل ما هو موجود في عقولهم وخيالاتهم المريضة.
هذا ما يظهر جليّاً في الدول الشرق الأوسطية التي تتعرض إلى الفوضى والخراب، وحكوماتها تبقى ساكتة وساكنة دون البحث عن لب المشكلة وحلها، بل تربط ما تتعرض له دولها إلى مؤامرات خارجية، إن الدق على هذا الوتر أصبح مكشوفاً للجميع، أي رمي كامل فشلهم وانتهازيتهم وانحطاطهم على وتر المؤامرات المشروخة التي عفى عليها الزمن، ولا تجدي نفعاً لأن شعوبها وصلوا إلى نوع من الوعي بما لا يمكن استغباؤهم كما في الماضي.
بيد أن هناك أيضاً قسماً كبيراً من شعوبها ما زالوا يسيرون خلف تلك الشعارات كالقطيع دون أن يدروا إلى أي هاوية ومستنقع يسيرون، والسبب هو اللاوعي وعدم تحكيم العقل، وما يسيّرهم هي العاطفة المرتبطة بما تم غرسه في النقطة العمياء من الدماغ، التي تجعل من صاحبها يسير دون دراية نحو تدمير ذاته وهو واهم بأنه يفعل الصواب، وهذا ما دفع بالأزمة السورية إلى ما هي عليه، وستبقى تسير في نفس السرداب المظلم نحو مستنقع سوداوي إن لم نداوِ تلك النقطة العمياء والسير اللاواعي خلف عواطفها السلبية بالتثقيف والعمل على كافة الصعد ويداً بيد على سحب ما تم غرسه من التوهيم والتبطين مستغلة براءة شعوبها، وتفعيله من خلال الوعي بأدوات وأساليب يدفعها إلى التمييز ما هو الصواب من الخطأ.
إن تم وضع الإصبع على الجرح، يبدأ التداوي، رويداً رويداً يلتئم الجرح ويشفى، لتبدأ الخطوة التي تليها، خطوة بناء الأخلاق والإنسان، ومن ثم نحو بناء المجتمع ومنه إلى التطور والرفاه ومستقبل مشرق، وهذا ما نحتاج إليه في مجتمعنا ووطننا السوري، لِنكن السباقين إلى تحقيق ذلك، شعبنا السوري لم يعد يتحمَّل المزيد.