في منتصف التسعينيات من قرن الحربين العالميتين ، كنت أقفُ جهة الشرق من الحافلة الصفراء التي تقلُ وجوهاً صفراء من لون الأضطهاد المؤلم من كراج مدينة قامشلو إلى تربسبي ، القبور البيضاء المتناثرة على نهر جراح حيث تنتصب بيوتٌ طينة وآلام وطن ، كنتُ أراقب المشهد أمامي بصدمة الطفل الصغير ، كانت الصور المتتالية تتشرب بالمرارة رغم حلاوة قطعة الكاتو المسجونة في غرفة أصابع اليد اليمنى ، كانت السيدة العجوز تلطم نفسها وتولول وتشتم أبنها الفارع الطول الذي كان يطأطأ رأسه خجلاً ، فهو قد أخطأ قبل برهة ، خطأ غير مقصود منه ولكنه يتحمل نتيجة ذلك لوحده ، رغم أن صاحب المعمل الطوراني “صاحب معمل السمنة” يتحمل سوء صنعه “لمسكة “تنكة” السمن التي خرجت عن مجراها عندما اراد الشاب الفارع الطول أن يدخل الحافلة الصفراء كشحوب ركابها ،
[ruby_related heading=” اقرأ المزيد ” total=5 layout=1 offset=5]فسقطت “التنكة” المملوءة بالسمن الشبه السائل ، كانت العجوز ترفع أكمام فستانها المزركش في محاولة منها لجمع السمن الأصفر من على الأرضية الأسفلتية السوداء كحظها العاثر ، رغم محاولة بعض المسافرين عن ثنيها من هذا العمل ، فالسمن قد تلوث بالخيبات منذ القدم ولا فائدة لملمة الجراح ، كان المشهد يبدو أكثر سوداوية بوجود بعض الغربان السود وهم يحتسون “السينالكو” المشروب الغازي ، وأصوات قهقهاتهم تمزق سماء الوجع ….