عز الدين ملا
في خضم كل ما يجري على الساحة السورية خاصة والاقليمية عامة، هناك مؤشرات دالّة بتغيير جذري لخارطة العالم الجغرافية والسياسية والاقتصادية، وما يحصل في الشرق الأوسط من تحركات ومقايضات واتفاقيات دليل على أن هناك تغييراً قد يحصل، من خلال هذه المجريات والتغييرات قد يكون للكورد حصة فيها إن أحسنوا اللعب في السياسة الدولية.
التخبطات التركية والإيرانية في منطقة الشرق الأوسط تدل على أنهما يحاولان من خلال هذه التخبطات خلط الأوراق لمنع أي تغيير قد يضرهما وخاصة مع استلام الإدارة الأمريكية الجديدة، التي قد تكون لها توجهات جديدة، ويمكن أن يكون في نهاية المطاف تقسيمات جغرافية وسياسية جديدة.
تركيا تعمل على توسيع نطاق ساحتها، وخلق توترات لفرض وضع عدم الاستقرار يؤدي بالضغط على أمريكا وروسيا لتغيير بوصلة سياساتهما وخططهما في منطقة الشرق الأوسط.
إيران التي تعمل على دعم فصائل وميليشيات تابعة لها في العراق واليمن وسوريا ولبنان لبث الفتنة والفوضى التي تؤدي بالضغط على أمريكا وأوروبا لتغيير مواقفهم وخططهم المستقبلية نحوها.
وما لاحظناه من تقارب وتجاذب بين دول وخوف وإرباك لدى دول أخرى دليل على أن هناك استراتيجية جديدة قد تُعتمد في المنطقة وخاصة بعد استلام جو بايدن زمام الرئاسة في أمريكا، فما حصل خلال الاتفاق السعودي القطري يدخل في خانة الحفاظ على كياناتهم من رياح التغيير، فيعُد ذلك من أسرع الإتفاقيات في التاريخ الحديث، حيث أدركت دول الخليج أنهم إن لم يتسابقوا ويستغلوا الوقت فأن رياح التغيير ستدمرهم، فكان لهم ذلك.
بدأ الجميع الترحال إلى تكتيك جديد وتغيير ما كان يعمل من أجله خلال السنة الماضية، السياسة فن الممكن كما يقال، ولكن هذا الفن يتحرك من اتجاه إلى آخر وحسب ما يريده كل طرف حتى يصل إلى مبتغاه وتحقيق مصلحته. والفرق بين العام الماضي وهذا العام هو أن العام الماضي كان التخبط السياسي الذي فعله الرئيس الأسبق دولاند ترامب أربك الجميع مما دفع العديد من الدول إلى الحذر وإعادة حساباتها. والآن وبعد استلام جو بايدن مقاليد السلطة في أمريكا، بدأت بوادر الارتياح لدى الدول، الذين سارعوا إلى تنبيهه لمخاطر ما فعله سابقه من قرارات، المعروف عنه أي بايدن سياسة المرونة والتوازن، وميله إلى الطرق السلمية، لذلك سارع بعد حفل تنصيبه مباشرة إلى إلغاء معظم تلك القرارات، التي كانت من الممكن أن تضر باستراتيجية أمريكا على مدى البعيد.
الآن، العمل على قدم وساق من قبل الدول والأطراف في التواصل والتجاذب الاستراتيجي والسياسي، ولكن إن أخطأ أي طرف في حساباته قد يخسر الكثير، أمريكا التي حيرت العالم بسياستها خلال رئاسة دولاند ترامب الذي ضرب كل القيم والمبادئ التي كان تنادي بها أمريكا في عرض الحائط، حيث أثبت ترامب عقليته التجارية، والإقتصاد من أولوياته.
لذلك انهارت القيم والمبادئ، وتحولت منطقة الشرق الأوسط إلى غابة يحكمها وحوش مفترسة، قتل، دمار، تشريد هنا وهناك، تحول الإنسان إلى حيوان مفترس لا يأبه لأي شيء ولا يرأف، فكان سباق دول الشرق الأوسطية إلى إرضاء ترامب، كما فعلت دول الخليج.
كان كل ذلك يفتح قريحة الدول الديكتاتورية من العراق وإيران وسوريا وتركيا على الظلم والإضطهاد من خلال دعم الجماعات والميليشيات المسلحة والإرهابية، الذين لم يتوانوا إلى تنفيذ رغباتها المرعبة تجاه الشعوب والأوطان، فرضت هذه الجماعات الإرهابية نفسها بقوة السلاح، أباحت كل شي وحللت النهب والسلب والقتل من خلال حجج هي تراها شرعية لأعمالها الغير الأخلاقية، أصبح الخوف يسكن كل زاوية وكل بيت، فما كان من السوريين سوى الهجرة والهروب من هذا الواقع المرير أو الرضوخ والقبول بالأمر الواقع، وهذا وضعه أمام خيارين إما يصبح وسيلة تعتمد عليه هذه الجماعات لتنفيذ مهماتها، أو السكوت وجلوس في بيته وتنفيذ قرارتها القرقوشية ودفع ما تبقى لديه من أموال.
لذلك تأمَّل الجميع خيراً في الإدارة الأمريكية الجديدة، صحيح أن السياسة والإستراتيجية الأمريكية لا تتغير بل تسير وفق ما رسمتها المؤسسات الأمريكية المعنية، ولكن هنا يبقى الأسلوب وطريقة الرئيس الأمريكي في تنفيذ هذه السياسة والاستراتيجية، وهنا، وحسب خبرة الرئيس الأمريكي الجديد ومعرفته بكل خفايا منطقة الشرق الأوسط وأداوتها، سيكون له طريقة يعيد المياه إلى مجاريها، وينفذ خطط أمريكية بأسلوبه السلمي والمرن، ومن الممكن وهذا وارد كبير جدا أن يتم حلحلة المعضلة السورية في عهده، ومن الممكن استغلال كل ذلك بالنسبة للكورد من خلال تعريف الدول الكبرى وخاصة أمريكا مدى أهمية مصالحها في المنطقة إذا ما تمَّ ربطها بمصالح الكورد، ويتحقق ذلك إن أحسن الكورد اللعب في الساحة الإقليمية من خلال فرض هدف وموقف كوردي موحد، وكذلك كسب ثقة أمريكا وحلفائها.