روماف – رأي
عزالدين ملا
منذ أن انتهت الحرب الباردة بعد انهيار الإتحاد السوفييتي عام 1990، وتفردت الولايات المتحدة الأمريكية كـ قوة عظمى، تغيرت المفاهيم السياسية وطريقة التعامل والتوازن في السياسة العالمية، مما دفعت أمريكا في بداية تلك المرحلة العمل بسياسة التفرد والهيمنة من خلال استخدام سياسة القوة كما حدث في أفغانستان عام 2001 والعراق عام 2003، ولكن هذا الخلل في التوازن لعدم المساواة في ميزان السياسة الدولية نتيجة وجود قطب واحد فقط، سياسة التفرد والهيمنة أحدثت خللاً، وأفرزت فوضى وإرهاباً عالمياً وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وتخوف الأوروبيين من الهيمنة الأمريكية على العالم وتصدير مشاكلها الداخلية إليهم، مما دفعهم إلى تصدير تلك المشاكل على شكل فوضى وإرهاب إلى مناطق أخرى بعيدة عنهم، وأكثر المناطق تقبلا لتلك الأفكار هي شعوب قارة آسيا وأفريقيا، وأكثرها قابلية هي شعوب منطقة الشرق الأوسط لوجود تعقيدات إثنية وعرقية وطائفية وقومية، وأيضا العقلية التعصبية والإقصائية والتهميش الذي فرضته الأنظمة الدكتاتورية، فكانت بيئة خصبة وملائمة لتنفيذ ما تبطنه أمريكا والدول الأوروبية وملاذاً عميقا وواسعاً لإحتضان الفكر التطرفي.
هذه السياسة في التفرد والسيطرة من قطب واحد أدخل الخوف والرعب إلى مضجع الدولة العميقة والماسونية، خوفا من سحب بساط القوة والتوازن وفلتان حبل السيطرة من بين أيديهم، سعوا إلى تجديد القطب الآخر وتقويته من خلال إعادة إمبراطورية روسيا الإتحادية، فتم تقديم الدعم والمساعدة وأغدقت عليها بالأفكار والأموال والمشورة، مما لعبت روسيا دورا مهما في العالم خلال السنوات الماضية وخاصة في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرون، وبذلك أحدثت بعض التوازن.
إن ما يحدث في سوريا والعراق وليبيا والجزائر تدخل في تلك الخانة. رأت أمريكا أن سياسة القوة لن تجدي نفعا، فقامت بإحداث تكتيك وتغيير في سياساتها، من حروب مكشوفة إلى حروب الظل وحروب بالوكالة، وجدت أمريكا فيها ربحا دون خسارة مادية أو بشرية، وأيضا استخدام سياسة الضغط والمساومة.
ما يجري الآن في أفغانسان ومنطقة الشرق الأوسط والعالم كـ “كل”، يدخل في خانة حروب بالوكالة والظل. كشفت هذه السياسة الوجه الحقيقي لِما يصبو إليه مآربهم وعرى زيف إدعاءاتهم عن الديمقراطية والحرية والدفاع عن حقوق الشعوب المظلومة، كل ذلك حدث نتيجة إشتداد الصراع بين القطبين، يدفع ضريبة هذه السياسة الشعوب المضطهدة والفقيرة، كما حدث في العديد من دول منطقة الشرق الأوسط، ما يحدث في سوريا هي هذه السياسة المتبعة في صراعاتهم، ساحة مفتوحة للتنافس والتفاوض والتقايض.
منذ بداية الحدث السوري والصراع يتحول من شكل إلى آخر ومن مقايضة إلى أخرى. البداية كانت وقوف الدول إلى جانب المعارضة ضد النظام الأسدي في دمشق، وطالبوا بالتغيير والإصلاح، لكن مع مرور السنوات ونتيجة التضارب بين مصالح الدول الكبرى أمريكا وروسيا والدول الإقليمية تركيا وأيران أخرجت الثورة من مضمونها الثوري والوطني وحولتها إلى أزمة، كما تحولت المعارضة والموالاة على السواء إلى أدوات وميليشيات وأذرع هذه الدول تنفذ وتدافع عن مصالحها، أما النظام هو أداة تنفيذ مشاريع الدول الكبرى ليس الآن فقط، كان كذلك منذ بداية إستلامه للحكم في إنقلاب تحت مسمى الحركة التصحيحية.
هذه التحركات الجديدة على الساحة الشرق أوسطية عامة والسورية خاصة، توحي بوجود مقايضات جديدة، من جهة تقوية موقف النظام من خلال روسيا التي تعمل على إعادة المناطق إلى سيطرة النظام، ومن جهة أخرى قضم مناطق جديدة لصالح تركيا.
لذلك، فجميع التحركات على مستوى العالم تدخل في خانة ترتيب وترغيب وضغط بين الدول، وخاصة أمريكا التي تعمل على تعزيز سياستها ونفوذها في الشرق الأوسط، وإغلاق الطريق أمام التمدد الصيني التجاري والإقتصادي. والتفاهم الأمريكي والروسي والتقايض على تقاسم مناطق النفوذ لتحقيق توازن شرق أوسطي مصلحي نفذوي. من خلال هذا التوازن قد يتحقق هامش من الحرية وحقوق الشعوب، هذا ليس لأنهم أرادوا ذلك، ولكن مصلحتهم يتطلب تحقيق ذلك، وعلى الشعب السوري أن لا يفكر في يوم من الأيام أن هذه الدول قد حققت بعض هذه الحقوق، بل جاء هذا الهامش الحقوقي لتوهيمهم بأنهم دول تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقط لإستمرار استنزاف خيراتهم ودماء أبنائهم.