يوسف حمك
المآسي و المواجع في أغوار نفوس الكرد – مكتملٌ نضجها – لعنتها تلاحقهم منذ الأزل .
و الزمن صادقٌ بوعده ، للحرص على إيذائهم في كل العصور .
و الغدر قطع على ذمته عهداً ، بعد إبرام عقدٍ مع الطواغيت و الأشرار في كل الأصقاع ، ألا يهجرهم في قضاياهم الجوهرية ، كما نقل الشجون إلى قلوبهم .
و صفعة الخذلان على وجوههم في تتابعٍ بلا انقطاعٍ . و كلما لاح لهم بريق أملٍ مختمرٍ ، أوشك بالانفلاق في عقر انتظارهم الطويل ، بادروا لضرب عنقه بمقصلة وأد الأحلام ، فينحدر المبتغى صوب الفناء .
و لأن الوجوه المندثرة بملاءة المكر تسقط أقنعتها ، فور إلحاح المصالح ، فإن الآمال المنتظرة قدومها تطير في مهب الريح ، كلحظةٍ عابرةٍ تمر بعجالةٍ ، و في المسائل الحاسمة تتراجع خلفك متنصلةً بوعودها . فيبقى حق الكرد الراسخ في قلب التاريخ رجوعه مؤجلاً .
أزمة وعيٍّ – غير قادرةٍ على تجاوز نرجسية رموزهم – مجبولةٌ بثقافةٍ ماضويةٍ ، مشحونةٌ بقوةٍ خارجيةٍ . و وجوه سياسييهم تتوارى خلف قناع الوطنية متاجرةً بالقضية و بيعها بدمٍ باردٍ ، مع استعدادها لارتكاب أبشع الجرائم تجاه شعوبها ، و الإفراط في القسوة ، و استبدال الضمير بالخسة و الدناءة .
انقسامٌ حادٌ بين الأطراف السياسية أثقل كاهل الشعب ، و خلافاتٌ عميقةٌ بين القادة استنفدت صبر أبناء الوطن . فكان التشرذم القاتل ، و التشتت المميت ، و التباعد الهالك .
و ناهيك عن الصراع بين أعضاء الحزب الواحد . فحدوث انشقاقاتٍ لهشاشة الترابط الداخليِّ ، و رخاوة الحس المشترك ، و انعدام الديموقراطية ، و هيمنة الرجل الأول في الحزب .
إضافةً للاقتتال بين الأجنحة العسكرية المتناحرة على السلطة و المال و توسيع النفوذ ، كما النظرة الأحادية للقضايا ، و تقديس رؤية الذات ، فتهميش كل ماهو مخالفٌ و اجتثاث الآخر .
ففي خضم الملمات هذه ، و التصدعات بين أطراف الحركة الكردية ، مبادراتٌ دوليةٌ غير جادةٍ تجري للتقارب بين أحزابها ، و التوافق على الثوابت منذ أمدٍ طويلٍ ، و في مناخٍ متوترٍ للغاية .
المباحثات تسير بخطى السلحفاة ، مردودها بعكس النتائج المرجوة .
( الثقة غائبةٌ … و النوايا للمكيدة ناصبةٌ و للطرف المقابل مبتزةٌ … المحاصصة الحزبية أعظم عائقٍ … الدافع الوطنيُّ في قلوبهم ليس له حضورٌ …. و الإملاءات الخارجية لها حصة الأسد … )
بعض المتضررين من التحقيق الوحدة يعقدون العزم على تدمير الثقة و اختلاق العوائق و القلاقل .
و كلما لاح في الأفق شعاع أملٍ ، سارعوا إلى إخماده و الإطاحة بأيِّ تقاربٍ .
تناحر الأطراف المتحاورة سموم خلافاتها تكتم أنفاس الجماهير ، و فشل ممثليها في التفاوض تعصر انفوسهم ، تشنجاتها التقليدية استهتارٌ بالوطن و تقويضٌ لجدية المباحثات ، و الصراع على الموارد المادية و الثروات يدك بنيان العملية التفاوضية ، و إرضاء بعض القوى الإقليمية و الدولية للمفاوضين أولى من بذل المساعي الفعلية لتوحيد الصف الكرديِّ و تحقيق رغبات الجماهير و إيجاد مخرجٍ من الانقسام المقيت .
فجوةٌ عميقةٌ بين مصالح الشعب التي تندرج في لائحة الوفاق و التضامن ، و بين مصالح القادة التي تكمن في التنافر و التشرذم و كبح نفوذ الطرف الآخر ، فالتركيز على الفئوية و الحزبية .
لذا فخيار أبناء الشعب هو تنظيم مسيراتٍ شعبيةٍ حاشدةٍ ، و اعتصاماتٍ ضاغطةٍ على المسؤولين و الرجوع من خلفهم . فصرخات الاحتجاج و التمرد على قادتهم أولى من الاحتفالات الصاخبة ، كما رفع الأصوات الغاضبة عالياً أفضل من الأغاني و حلقات الرقص و التصفيق لأصحاب الشعارات الطنانة .
فتصريحاتهم الخلبية ضاق عليها الوقت ، و لم تعد لجرعات الأمل ذي التركيز العالي أي مفعولٍ .
و الوحدة المنشودة مازالت في دائرة الشعارات تراوح مكانها .
و الجماهير تريد من قادتها أفعالاً ، و لا ترغب سماع عقم خطاباتهم أو القفز فوق خلافاتهم دون تسويتها .
و الطامة الكبرى تكمن في أن الكثيرين من المطبلين غائبون عن الوعي لإفراط حديثم عن المنجزات المزعومة ، و بعض المعجبين مأجورون يقبضون ثمن تصفيقهم . و البعض الآخر يقفون في المنتصف لا يخرجون من صمتهم .
ولا أحد من هؤلاء أو قادتهم يتحمل المسؤولية الفعلية ، أو يأخذ أقواله على محمل الجد .
فكل نوروزٍ و أنتم مطالبون بعدم الجري خلف القادة بعيونٍ مغمضةٍ .