ليس بمقدور أي شيءٍ أن يقهر قراءة الكتب ، أو يتغلب على المطالعة في المتعة و الفائدة و اكتساب العلوم .
و مهما بذل المرء من جهدٍ ، يستحيل دخوله إلى عالم المعرفة و الثقافة بلا قراءةٍ .
القراءة لذيذةٌ ، تمنحك المتعة ، و لفكرك الخصوبة .
و المداومة على المطالعة يسمو بها شعورك و يرتقي ، فيزيد ثراء عقلك علماً و معرفة .
سحر حروف الكتاب ، يثير التحريض لتعقب الأسطر ، فمطاردة دلالات معاني كلماتها .
بالقراءة تُفتح أبواب الثقافة على مصراعيها دون قرعٍ ، و مداخل المعرفة تنفرج أمام القارئ ، و تتسع منافذها بلا استئذانٍ ، ليتجول في بساتينها ، يقطف أصناف ثمار العلوم ، فيخزنها في ذهنه .
و في أرجاء الكتب يجوب أقاصي البلدان ، و يطوف السهول و الجبال و الوديان ، متنقلاً من مجتمعٍ لآخر ، مستمعاً لحكمة الفلاسفة ، منصتاً للعلماء ، مكتسباً معارف المفكرين ، متسلحاً بخبرة المبدعين .
و بالمطالعة يتعرف على أبطال الروايات و الحكايات ، فيبادلهم الود ، يمد لبعضهم يد الصداقة ، و لزمرة الشر يقف خصماً لدوداً و كارهاً لكل شرورهم ، يتعاطف مع المدافعين عن الحق في أي بقعةٍ على وجه البسيطة ، و يعادي المستبدين و الغزاة في أي عصرٍ كانوا .
بقراءة الكتب خفايا التاريخ تتوضح لديه ، و على عباقرة الماضي يتعرف ، فيمسي شاهداً على كل العصور ، و من علماء و أدباء الحاضر يستحضر علومه كما توليد معانيها ، و من النوابغ يستوحي أفكاره .
نعم القراءة تضيء العقل الخافت ، و تهذب السلوك السمج ، و تنمي الموهبة الراكدة ، و بها يجد المرء ذاته ، و مدارك عقله يتوسع فضاؤها ، و قدراته الذهنية تترعرع نمواً ، و يكتمل فكره نضجاً و ارتقاءً .
دماغه يتعزز نشاطه للعمل ، و قدراته الإبداعية تُشحذ قريحتها للابتكار و الاكتشاف .
حينما تتوقف عجلات الأوطان عن السير ، فإنها لا تدور إلا بالقراءة ، و تطوير المجتمعات لا يتم إلا بتوظيف العلوم و الثقافة .
يُقال : إن الخليفة العباسيًّ المأمون كان يعطي وزن الكتاب ذهباً ، لمن يترجمه إلى العربية . تحفيزاً للقراءة ، و جني العلوم من الأمم الأخرى ، و الانتفاع بثقافتها .
و لضخامة فائدة القراءة ، فإنَّ السياسيَّ و الصحفيَّ الأمريكيَّ وليام روجرز قد حثَّ على ضرورة مصاحبة الكتب ، و الحض على معاشرة الحكماء و العقلاء و حاذقي البصيرة ، لاكتساب المعرفة و العلوم بقوله : ” يتعلم الإنسان بطريقتين : القراءة ، و مرافقة من هو أذكى منه “
و في أغلب الروايات أن الجاحظ عميد أئمة الأدب في عصره ، قضى نحبه مطموراً تحت أكداس الكتب المنهارة فوقه ، و هو في العقد التاسع من العمر . ففاز بلقب / شهيد القراءة /
أما العقل البليد ، فهو مهملٌ بالقراءة ، و بالقضايا العبثية يهدر وقته سدىً ، و من المعرفة خالٍ ، و فكره من العلوم و الثقافة فارغٌ .
و مهما كان المرء عبقريَّ العقل متَّقد الذكاء ، إن لم يكن قارئاً ، و برفقة الكتب مولعاً ، و على مطالعتها مدمناً ، و بقراءتها شغوفاً ، سيذوي نور عقله ببطءٍ ، و ينخفض منسوب ذكائه بتمهلٍ ، حتى يغدو عقله خافتاً ، و فكره هشاً ضامراً .
لذا فمن الضرورة سعي الكبار و دوام حرصهم على غرس بذور حب القراءة في نفوس الأطفال ، و تعلقهم بالكتب و المجلات التي تناسب عقولهم الصغيرة ، ليتخذو القراءة تقليداً بهيجاً لهم .
و طبقاً لدراسةٍ بريطانيةٍ : ” إن عدم قراءة الكتب ، يزيد المرء بلاهةً ، و في قدراته العقلية خللاً “
و ناهيك عن الجهل و تكلس العقل ، و ضآلة مقدار المعرفة ، و قحط الفكر ، كما تخلف المجتمع عن الركب الحضاريِّ و توغله في متاهات الجهل و الفوضى و الانغلاق على نفسه ، و بقاء الوطن في مؤخرة الأمم . بدلاً من الضبط و التنسيق بين أفراده ، و توعيتهم بالعلم و المعرفة ، و تعميم التفاهم ، و النهوض بالوطن رفعةً و رقياً .