روماف – مجتمع
أمل حسن
يروى : إنه في يوم من الأيام كانت هناك عائلةٌ مكوَّنة من أربعة أفراد ، الوالدان والأبن وزوجة الأبن تدعى رجاء ، يعيشون جميعهم تحت سقفٍ واحد في إحدى القرى و يقضون حياتهم بسعادة وغنى.
كونهم من أثرياء تلك القرية ومن العوائل التي يُضرب بهم المثل بالصدق والأمانة والعمل الصالح ، وكما جرت العادة الدينية أقتربت وقت زيارة بيت الله الحرام قرر رب العائلة أن يسافر طلباً للحج فجَمع عائلتهُ ليستودعهم الخير في غيابهِ.
قائلاً : سأذهب إلى الحج لإكمال أركان ديني ، و لكنْ قبل أن أغادرَكم أوصيكم لبعض الأمور الهامَّة والأعمال الصالحة التي اريدكم أن تتقيدوا بها اثناء غيابي عنكم ،كالبقاء كما عهدتكم من أخلاق وصدقٍ في التعامل والثقة في الكلام والمودة في التعامل مع الآخرين.
قبل ذهابي إلى هذا الطريق المقدس فالطريق رحلتنا إلى الحج طويلة والحياة لا تؤتمن ، وساعة الرحيل لدار الآخرة لا يعلمها إلا الله سبحانهُ مردداً قولهِ تعالى : لا تدري نفس بأية أرض تموت ، و لهذا فمن الضروري قبل مغادرتي ، أن تؤكِّدوا لي بأنكم ستقومون بما أقولهُ لكم.
فقال الجميعُ : سننفِّذُ وصيتك بمشيئة الله.
فقالَ : أن تعملوا بنيَّةٍ حسنةٍ ، و تنتبهوا إلى جيرانكم ، لأنَّ الجار قبل الدار و تحترموا الضيف ، و إذا طرقَ أحدهم بابكم وطلب منكم عوناً ، فأتمنى ان تلبُّوا لا تردوه ، فالإنسان لولا الحاجة لما طرق باب الآخرين فلا تتردوا بمد يد المساعدة ، و أنْ تتعاطفوا مع الضعفاء و المظلومين و تمدَّوا يدَ العَونِ لهم ، و هنا سأقول لكم : أستودعكم الله..
غادر العمُّ بعدَ أن أدَّى الوصية لأهلِ بيته ، و مضى وقتٌ على مغادرة العم الصالح ، و في نهاية مساء يوم الخميس ، أعدَّتْ زوجة العمّ صالح طبقاً ممتلئاً بالطعام ، و وضعت الخبز معَ الوجبةِ ، و قالت لزوجة ابنه : ابنتي رجاء اذهبي بهذا الطعام إلى بيت جارنا في آخر الحي، قالت رجاء : كما تريدينَ يا حماتي.
فحملت رجاء الطبقَ و ذهبت به إلى البيت المقصود ، و في الطريق قبلَ وصول رجاء إلى ذلك البيت سمعت مُواءً خفيفاً يشبه الأنين لقطةٍ و صغارها يتضوَّرونَ فعرفت من خلال ملامحهم إنهم جياعٌ، فالتفتَتْ رجاء إليها ورقَّ قلبها من منظر القطة ، ففكَّرتْ أنْ تقدّمَ الطعام للقطة و صغارها وتنسى جارتهم ، وترجع إلى البيت وإبقاء الأمر سراً وهذا ما فعلتهُ.
و عند رجوعها إلى المنزل ، سألتها حماتُها : هل أوصلتِ الطعامَ بسلام، فقالت نعم .
ومضى أكثر من شهر ، وأقترب موعد عودة الحجاج إلى ديارهم ، ورجع العم صالح بعد إن اصبح يلفب بالحاج صالح، و بعد فترة عودتهِ المبروكة وإنتهاء من حفلة التبربكات والزيارات من الأهل والأحبة كما جرت العادة اجتمعَ مع عائلته ذاتَ مساءٍ ، و قالَ لزوجة ابنه رجاء : تعالي و اقتربي مني ، ماذا فعلتِ في غيابي؟!
أتمنى أن تصارحيني يا ابنتي فلي غاية بطلبي هذا؟
قالت رجاء : سأقولُ الحقَّ و الـلّٰـهُ على ما أقول شهيد يا عمّي ، فأنا لم أعمل شيئاً سوى أنَّني ذاتَ مرة قدَّمتُ صدقةً وجبةَ الخميس إلى قطة و صغارها ، لكني لم أخبر زوجة عمّي لم أخبر أحداً بذلك لإني وعدتها بتسليمها وخذلتها و قبل انتهاء رجاء من كلامها أسرعَ العمُّ الحاج صالح نحوَها و قبَّلَ جبينها ، و طلبَ منها أنْ تؤمنَ بالـلّٰــهِ العظيمِ ، و قالَ لها : أنتِ قمتِ بعملٍ عظيم ، و لهذا فكلَّما كنتُ أطوفُ حولَ الكعبة و أُقبِّلُ الحجرَ الأسود، فكنتِ أمامي تطوفينَ و تقبِّلينَ الحجرَ الأسودَ.
ثمَّ التفتَ إلى أفراد العائلةِ و ذكَّرهم بالحديث النبوي عن الصدقة فقالَ : عن النبي مُحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أنهُ قال : سبعة يظلّهم اللهُ فى ظلّهِ يومَ لا ظلّ إلا ظلّهُ .. و ذكرَ : و رجلٌ تصدَّقَ بصدقةٍ فأخفاها حتّى لا تعلم شِمالهُ ما تنفق يمينهُ .
فاندهشَ الجميعُ من كلامِ العمّ صالح وصدقوه…
أيُّها الناسُ و الإخوة الأعزَّاءُ أهمية هذهِ القصة وخُلاصتها هيَ أنهُ إذا أرادَ أحدُ الناس القيام بفعل الخير أو التبرُّع بصدقة حسنة وجارية ،الأفضلُ أنْ يقدِّمها إلى الفقراء و المحتاجين ، سواءً كانَ ذلك الفقير أو المحتاج من البشر أو من الدواب ، و الأفضلُ من هذا أيضاً أنْ تكونَ تلك الصدقةُ مخفيةً بمعنى مستورةً ، فيكونُ أجرها أعظمَ .