في رثاء نوادر الرجال

روماف – مقالات

يوسف حمك 

ما أقسى قلبك أيها الموت ، كم مرعبٌ أنت ، و ما أقبح وجهك ! مخادعٌ و غدَّارٌ ، خصمٌ ماكرٌ تأتي على غفلةٍ . و ما أشد بأسك ! كما لئيمٌ أنت أيها العدو المشترك للجميع ! حينما تمزق الأجساد ، و تطحنها طحناً .
و كم جريءٌ للغاية أنت ، عندما تنتشل أعز الناس من لذة الحياة !
و تخطفه على مرأى محبيه و حراسه دون أن تحسب لهم وزناً !

كم عنيدٌ في صراعك مع الحب و الحياة .
للفرح عدوٌ أنت ، و للسعادة ألد الخصوم .
وحدها التعاسة من صميم عملك ، و تجلب معك الحزن و العويل إلى كل بيتٍ تدخله .
لا يصدك سد الأبواب و كل المنافذ ، حتى القلاع الحصينة تعجز عن ردعك .
بلطجيٌّ أنت و سفّاحٌ . ولاؤك ليس للمال و المناصب ، أو التبعية للطغاة .
تبيع الأرواح بالمفرق و الجملة مقابل وجع القلوب و عذاب النفوس .

فجيعةُ رحيلِ عزيزٍ – لا لقاء بعده – موجعةٌ للغاية ، و لاذعةٌ كرش الملح على الجرح . و أمواج الحزن على القلوب تتهيج ، و الحزن للروح يتأجج ، و العذاب يستفحل بعجالةٍ .
ينطفئ نور العين فجأةً ليسود الظلام ، و كأن وجود الفقيد على قيد الحياة كان لعبةً .

في اللحظات الأولى من سماع نبأ الرحيل ، يصبح طعم الحياة مراً كالعلقم ، لحظاتٌ رهيبةٌ و مرعبةٌ و أنت تصارع أعاصير الحزن .
تداهمك موجة البكاء التي قد لا تجدي البتة ، لكنها ربما تخفف اجترار الوجع .

نعم بفقد العزيز تنفطر القلوب ، و النفوس تشتعل حسرةً و ألماً ، ولاسيما إذا كانت العشرة الطويلة تجمعك به ، و كان مميزاً بشمائل ارتفعت به ، و في مجتمعه كان عالي المقام ، و مسيرة حياته كانت عامرةً ، و تاريخه حافلاً بالجوانب الحميدة ، و الحديث عن صفاته الطيبة لا يقفل بابه ، و بصماته طُبعت في كل مكانٍ ، تاركاً خلفه جرحاً في كل القلوب ، و له مرتبةٌ أسمى ، فنكاد نسمع أنين كل فراغٍ تركه ، و الكثير من الناس اجتمعوا على محبته ، و برحيله أحرق قلوبهم .
قد يكون غادر من أمام أعينهم للأبد ، غير أنه لم يفارق تلك القلوب المكسورة ، و لن يخرج من أعماق الأرواح المجروحة .
لذا فكتابة مقالةٍ في رثائه ، لا تعالج جروح القلب ، و لا ترمم تصدعات النفس ، و لا حتى إن اعترتنا نوبة بكاءٍ .

ما ذنب المرء أن يُتخم قلبه بوجعٍ لا يفارقه ، حينما يصله خبر خطف أعز الناس كالصاعقة ؟!! فلا يفيق من هول الصدمة إلا بصعوبةٍ ، من زيارة الموت المشؤومة تلك .

عن صهوة الحياة يترجل الأحبة بصمتٍ ، ليتركوا غصةً مرةً في الأحلاق ، في وقتٍ يعصرنا كابوس البعد و التشرد .
نغمض أعيننا ، كي نراهم على شاشة الذاكرة ، بعد أن خذلونا برحيلهم الأبديِّ و على حين غرةٍ .

العيون تقطر دماً لا دمعاً ، و الروح تذوب وجعاً ، أما الحزن فيغدو ظلنا لوقتٍ مديدٍ ، فنشعر بالضعف فجأةً ، حتى و إن كنا أشد الأشخاص قوةً .
و ناهيك عن الرحيل في غير أوانه الذي يجعل اللسان يتلعثم ، و القلم في تسطيره للكلمات يتعثر .
ثم تثير الشجون ، و تُفتح الجروح ، و الكثير من الآمال تندثر .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى