قنبلة الشيخوخة

شمس عنتر

تراني أنا الذي أدخل الشيخوخة.. أم ترى الوطن بأكمله هو الذي يدخل اليوم سن اليأس الجماعي؟

أحلام مستغانمي…..

متكورة على نفسها ، الركبتان تغوصان في البطن الضامر وقد توسدت الرصيف .

يا خالة لماذا أنت ِ هنا ؟ هل أنت ضائعة ؟ أأنت من الحسكة

كانت نعيمة قد عاهدت أن لا تعطي أمراً للسانها بالحركة فبقي متحجرا ، فقط العيون تتكلم ، لكن أنّى لهم أن يفهموا هذه اللغة الموجعة!

الذاكرة عصتها وهي تحدق في وجوههم ، أحدهم يشبه خليل! آه يا وجع قلبي ! خليل : اسمع جيدا إنها المرة الأخيرة التي أنذرك فيها ،أنا تعبت ، اخوتك في أوربا هانئين وأنا هنا لخدمة العجائز .

أمك من جهة و أبي من جهة أخرى .يجب أن تجد حلا، لم أعد أطق صبراً على هذا الوضع. يهمس خليل ، ولكنها أمي ، أمي !

هزتها تلك المحادثة كما تهز البراكين الصخور ، كلحظة الانفجار المدويّة ، واصاب قلبها خدش حارق .حينها فقط أيقنت أنها فقدت مؤونة العمر ووصلت إلى المحطة الأخيرة .

بقيت أياما تعاني من اصداء تلك المحادثة . فيما كانت تزور جارتها العجوز أرعبها مشهد تقييد يدي جارها إلى السرير. لا تلوميني يا أم خليل إنه يمزق حفاضته. جمرات من الحسرة سكنت بين طيات قلبها ومنشارا في احشائها يذهب ويجيء ببطء ، غطت جبهتها بيدها التي تشبه خريطة مرسومة عليها الكثير من التضاريس.

في اليوم الذي كانت كنّتها تتجهز لزيارة والدها وتعد أطفالها بعصبية بالغة .

كانت نعيمة تضمر أمراً ، لم تستطع منع نفسها ،شدت خليل والأطفال بقوة إلى صدرها وكأنها تتزود برائحتهم وسط استغراب الجميع . نعيمة السبعينية تقبل كل زاوية من منزلها بعينيها الدامعتين .

الأثاث والجدران والصور والأبواب والنوافذ والستائر والأشجار .كم كنتُ اتقن تخطي فخاخ العمر وما توقعت هذا الشرك القاتل .مرت أمام عينيها وجوه أولادها وهم صغار ، تفقدتهم بحنان إلى أن وصلت لوجه خليل لتُخرج آه تصدع لها جدران قلبها ،رفعت نظرها إلى صورة زوجها على الجدار حاولت أن تقف على رؤوس أصابع قدميها لتصله، لكنها فشلت.

وعادت إلى صورة خليل، آخر عنقودها ،الذي كانت تُمني النفس بأن تمضي معه ما تبقى من عمرها.كانت تتعافى به كلما أصابتها الحياة !

اليوم هي تقّصيه من حدود ذاكرتها مخلّفة كل شيء وراءها ، فالقوة أحياناً تكون فيما نتركه بإرادتنا، ها هي تضع حدا لقلبها وعويله الصامت وهل المرء سوى قلبه ؟!

يسقط سياج روحها وتخلع ذاكرتها فيما هي تعبر الجسر الأخير للحياة .

بينما كانت الشمس تشرق غاربة من وجع خطواتها ، أغلقت باب عمرها . وخرجت لتركب أول حافلة دون السؤال عن الوجهة. وينتهي بها المطاف لتنام على نفسها من قهر متعب . متوسدة الرصيف.

أقرأ أيضاً: