تتبين أن ما يتم نشره من الدراسات، التي يحاول أصحابها الطعن في كوردستانية الجزيرة، ليس فقط لا علاقة لها بالبعد الوطني بل تطعن في روح التآلف بين الشعبين الكوردي والعربي والمكونات الأخرى في الجزيرة، لأن من يقف وراء هذه الموجة هم مسؤولي المركز القطري الداعم، بعد نضوب مخزون حزب البعث الذي كان يمول أدواته لهذه المهمة، وجلهم أطلعوا على ما نشرناه ونشره الكتاب الكورد في هذا المجال، وقرأوا معظم ما طالبنا به في البعد الوطني، لكنهم ظلوا يردون بما هو متراكم في أذهانهم من المفاهيم والصور النمطية المشوهة والشاذة.
ونأمل وفي هذه المرحلة العصيبة من تاريخ سوريا والمنطقة، أن تكون كتاباتهم أقل كراهية وتحريفا للتاريخ الكوردي، ودافعا للتآلف بين شعوب المنطقة، ويقتنعوا وبصدق بالبعد الوطني الذي حمل رايته الحراك الكوردي منذ الخمسينات من القرن الماضي، لنتمكن معا من تصحيح أو التغطية على الصفحات الموبوءة التي تم نشرها في المراحل السابقة، مرحلة حزب الشعب، والناصرية، والبعث، والإخوان المسلمين، وحافظ الأسد الأب وابنه، وما يجري اليوم وحيث المعارضة العروبية التكفيرية والتي جل قياديي منظماتها لا يقلون عنصرية عن الأنظمة السابقة.
لكن وللأسف، أحيانا تكاد أن تكون دعواتنا هذه هباءً، عندما نلاحظ نشاطات الشريحة المذكورة من الكتاب وأصحاب الأقلام الملوثة، والتي لم تتحرر بعد من إملاءات الجهات المتبنية البعد العنصري، والمحلة مكان البعث، وهي دولة قطر والتي شكلت لنشر مفاهيمها (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات) بتعيين عزمي بشارة رئيسا لها، والمسنودة من تركيا والتي لها ومن خلال بعدها الإخواني التأثير الأكبر عليه، وبالمناسبة، للمركز فرعين في تركيا، أحدهما (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) وقد ساهمت قطر وتركيا بشكل مباشر من خلال كتاب المركز، أو غير مباشر من خلال مؤتمراتها، في توسيع الشرخ بين الشعبين الكوردي والعربي.
وكما نعلم أن لقطر وتركيا إلى جانب سلطة بشار الأسد دور كبير فيما آلت إليها سوريا، وهي ذاتها التي حفزت ليس فقط أمثال محمد جمال باروت، وعزمي بشارة، وأكاديميين سوريين كانوا دكاترة سابقين في جامعة دمشق، لتنمية الأفكار التي كانت تروج لها البعث، بل وللأسف سخرت لها كتبة من أبناء الجزيرة، ودفعت لهم لمحاربة الكورد من الأبعاد التاريخية والجغرافية والاجتماعية، وعليه فلا غرابة أن ظهرت مستقبلا كتب أو دراسات مشابهة لما تم نشره من قبل الكتاب المجندين لهذه الخدمة.
ومن الغرابة أنه تم تحفيز بعض الأكاديميين العروبيين، بعضهم أعضاء في المركز المذكور، للترويج على عروبة شمال أفريقيا، أرض الأمازيغ والقبط، من البعدين اللغوي- الديمغرافي والتاريخ الإسلامي، وعقدت على خلفيتها مؤتمرات، وروجت دراسات في هذا المجال.
وكرد بسيط على إحدى سذاجات هؤلاء الكتاب الفكرية التاريخية والثقافية، والتي قرأنا بعضها وسمعنا بعضها الأخر من أحد الأخوة، مع تلخيص لمفاهيمهم، والتي كنا نتوقع منهم الأفضل والأعمق في دراساتهم عن التاريخ الكوردي، المتعلق بالفولكلور على سبيل المثال، وإحدى طروحاتهم تلك والمرفقة بتحليلات أكثر من ساذجة، أو لنقل الانتقادات المبطنة والهشة في إحدى أوجهها، وهي حول عيد نوروز وتاريخه من البعد القومي، وجدلية تلك العلاقة: وهو ما جعلني أعيد النظر في التراكم المعرفي عند المتناولين لهذه الإشكالية.
لو كانوا مطلعين على تاريخ الأدب الكوردي، كما يدعون، لوجدوا على سبيل المثال، أن مأثرة الشاعر أحمدي خاني الأسطورية (مم وزين) كتبت في بدايات القرن السادس عشر الميلادي، وهي مبنية على الاحتفالات التي كانت تجري في عيد نوروز والذي كان يستمر لمدة سبعة أيام، ويذكر الشاعر الكوردي، أن المأثرة مأخوذة من حكايات شعبية تعود إلى المئات من السنوات السابقة لكتابه، هذا عنها تاريخا، أما عن بعده القومي:
والتي درسها البعض من الكتاب الكورد، وتناولوا هذه المرحلة التاريخية بأبعادها المتنوعة، مع ذلك، أظهر البعض من الكتاب العرب تأويلات ساذجة حول الإسقاط التاريخي للبعد القومي للعيد، إما إنها مخططة للطعن في قدسية العيد القومي أو كتبت عن جهالة، وفي الحالتين بينوا ليس فقط ضحالة في المفاهيم الثقافية، بل في التراكم المعرفي، والتي عكست السذاجة في الاستقراء والاستنتاج، ليس فقط في مسيرة ظهور الفكر القومي، والانتقال من مرحلة فكرية ثقافية إلى أخرى، والفترات التي اجتاحت فيها الموجة القومية منطقتنا وتأثرت بها شعوبنا، بل في التطورات التي حصلت في المفاهيم السياسية والنظريات الفكرية في العالم، والتي على أسسها كان عليه معرفة أن عيد نوروز جزء من الثقافة الكوردية، وأن التحولات الثقافية والفكرية والسياسية رافقت مسيرة احتفالات الشعب الكوردي بالعيد؛ وأخذ البعد القومي مع ظهور الموجات القومية، وهي تتماثل مع تقديم الملك فيصل بن حسين العروبة على الإسلام والمسيحية واليهودية في خطابه من على شرفة فندق بارون بحلب، متماشيا مع موجة ظهور الفكر القومي العربي في المنطقة، الشخصية التي لم يكن تتجاوز مفاهيمه البعد العشائري قبل عقد من ذلك الخطاب، وتم تلقينه بها في السنوات التي قضاها في إنكلترا قبل أن يأتوا به وينصبوه ملكاً عربيا، وليس إسلاميا، على سوريا، نكاية بالخلافة العثمانية.
علما أنه وفي ظل الحكم العثماني، وبدراسة لتاريخ المنطقة والمفاهيم السائدة طوال تلك المراحل، لم يكن للعرب كقومية أي وجود، بل كانت تعرف في السجلات العثمانية والأوروبية بالقبائل العربية في شبه الجزيرة، وتغيرت المعاملة بعد ظهور الإنكليز والفرنسيين، ونشرهما المفهوم القومي العربي لغاية، وهم كانوا وراء دفع الملك لذكر تلك المقولة، فهل علينا هنا أن نذم العرب كقومية على إنها لم تكن موجودة قبل الاستعمار الإنكليزي والفرنسي، وإنما كانوا قبائل رحل يعرفون تحت أسم العرب؟
يتبع…
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
13/2/2021م