روماف – ثقافة
هوشنك أوسي
لستُ مسؤولاً عن قصائدي، إن لاحَ فيها طيفكِ كسرب حمام، أو قطيعِ غزلان.
نصوصي تحرجني دائماً أمامكِ والعراء.
تفضحني، كلّما رفعَ الليلُ إصبع الاتهامِ في وجهي.
قصائدي تُعجِبُ قلّة من البحيرات والبطّ السابح فيها، ولا تُعجبُ البحار والغابات.
تجرجرني إلى محاكم عطورِ النساء.
تشهدُ ضدّي بجرائم؛ يا ليتني اقترفتها.
آهٍ مِن قصائدي…
تشاركني نصف تركتي من الآثام، الخيبات، العشيقات…
ولا تكتمُ زلاّت خيالي، وهفواتِ مجازي!
نصوصي التي لا تشبهني، تضعني في مرمى الاشتباه.
لا يمكنني التبرّؤ منها، لأنكِ فيها.
لا يمكنها التبرّؤ منّي، ونتبادلُ الكمائن والشبُهات.
***
لا علاقة لي بقمصاني القديمة.
إذا عثرتم عليها في خزائنكم، أحرقوها.
إن وجدتموها في مخازن الملابس المستعملة، اشتروها.
ستكون دليلاً دامغاً على أنني مررتُ بنساءٍ كثيرات،
ربّما تتعرّفون على بعضهن.
اهترأت من الغسل، ولم يزل عنها روائحهن.
لم أعرضْ قمصاني للبيع.
أخافُ إهداء أحدها لصديق، فتقودهُ إلى إحدى العشيقات.
ربّما تجدون قميصاً لي على هيئة قصيدة أو رواية،
أو على هيئة حلم، يتسرّبُ إلى صناديق أسرار المراهقات.
ربّما تضبطونه ملتبّساً وهو يحاول التحرّش بنادلة حانة.
قمصاني لئيمة، وأعرفها؛ معلونةٌ وثرثارة.
تقاسمني بعض مَجازي وخيالي.
تنوبُ عنّي في المآتم وحفلات الزفاف.
تذوبُ معي وتتبخّر، ونتكثّف معاً، بخاراً على مرايا الصبايا.
بالكاد يمكنني تحمّل خيالي،
فلا تحمّلوني مسؤوليّة خيالَ قمصاني المشبوهة.
***
ما زلتُ منهكاً، ألهث.
قلبّي غابةٌ ترقص فيه قبيلة من الزنوج.
أنفاسي متسارعة، ليس من الخوف أو الخجل أو المرض.
ليس لأنني عدت قبل لحظات من عملية سطو.
غارتي على سطح إحدى الشاعرات كانت ناجحة.
سرقت سبع حبال مكتظّة بالغسيل:
شراشف، فساتين، تنانير قصيرة، ملابس داخلية…
لمحتني الشّاعرة. لم تحاول منعي. لم تلاحقني.
تلصصت عليّ من خلف ستارة نافذتها.
نافذةٌ رائعة على هيئة بحر، فتحتها وقالت:
– تفضّل، خزانتي متروسة بما تريده، ويشتهيه حَمَامكَ وبنادق الصيد.
ما نفعُ القناع الذي ترتديه، ونبضُ قلبكَ يفضحك؟
خلعتْ حمّالة صدرها، ورمتها لي.
أضرمتِ النارَ بهشيم لصّ جبان، كُنتُهُ.
قبل إيصادها نافذتها، حفرت لي قبراً في هذه القصيدة، وقالت:
– نمْ هنا يا صغيري، يا مَن لا تشبهُ اللصوص أو العشّاق!
***
المدنُ التي ترمّلت من بعدي، لم تكن تعرف بعضها البعض.
أراملي الكثيرة، لم تعرف بعضهنّ البعض.
كنتُ الجريمة البكر، واليتيمة، لليلة صيفيّةٍ مقمرة.
التاجرُ الذي هددته بالقتل قبل ألف عام،
عثروا عليه ميّتاً في إحدى قصائدي.
قبطان الباخرة الذي هددني بالقتل، قبل مئة عام،
ما زال يبعث إليّ الوردَ ورسائل التهديد.
القوّاد الذي دعاني إلى دخول ماخوره، قبل ألفي عام،
كان شاعراً، ادّعى النبوّة، وأحرق نفسه، قبل أيّام.
تلك الصور التذكاريّة التي غادرتها مُسرعاً منذ سنوات، ما عادت تشبهني.
صورٌ بالأبيض والأسود، ترقدُ في ألبوماتٍ منسيّةٍ داخل أدراجٍ قديمة.
صورٌ ملوّنة في كمبيوترات وهواتف الحبيبات والصديقات، تتلصص عليها أخريات.
صورٌ شعريّة، غريبة ومشتبه بها،
ما عادت تشبه ذلك العاشق المريب الذي كُنتهُ.
كرائحة احتراق عود كبريت،
لا يغادرني شيطان، إلاّ تاركاً مكانهُ لشيطانٍ آخر.
لكن، ما نفعُ أن يعيشُ المرءُ مشتبهاً به
يمارسُ في قصائدهِ، ما يعجزُ عن ممارسته في الحياة؟
لستُ مسؤولاً عن قصائدي التي لا تُعجبُ أراملي الكثيرات اللاتي عرفن بعضهن البعض، ما أن أصبحتُ على الضفّة الأخرى من الحياة.
19/07/2021
أوستند