من أجل ترميم البيت الكوردي؟
جان كورد : حول التفكير السياسي الكردي

روماف – رأي

جان كورد  – 03.02.2023

الإختلاف في الحياة شأنٌ طبيعي ومستمر بسبب العديد من الدوافع والمؤثرات التي تؤثر في السلوك البشري الذي يختلف من بيئةٍ إلى بيئة ومن مجتمعٍ إلى آخر. كما أن الإختلاف بين النظم السياسية والعقائد والكتل الإقتصادية والقوى العسكرية قد يؤدي أحياناً إلى حروب دموية واسعة النطاق ومدمّرة للمجنمعات، والعالم كله يدرك النتائج الوخيمة التي خلّفتها حروب القرن الماضي وما تركتها من مآسٍ ونكبات للإنسانية جمعاء.

ومعلومٌ أنّ الإختلاف في الرأي كان موجوداّ عبر التاريخ، حتى بين الأنبياء والصالحين من البشر، فاختلف النبي موسى مع أخيه هارون (عليهما السلام) بعد أن غاب موسى باحثاً عن قبس نارٍ لقومه وعاد فوجد أن أخاه لم يقم بشيءٍ ضد عودة بعض أتباعه إلى عبادة عجلٍ صنعه السامري لهم، وعندما أمسك موسى بذقن أخيه ورأسه وسأله كيف ولماذا سكت عن التصرّف الطائش الشركي لأتباعه، قال بأنه لم يشأ أن يكون رأيه سبباً في توسيع شق الخلاف بين قومه حتى يعود موسى من بحثه. وفي هذا عبرةٌ لكل من يريد رأب الصدع في الحياة السياسية الكورستانية. كما نجد في التاريخ الإختلاف بين موسى والخضر بسبب عدم تفهّم الأوّل لتصرفات الآخر، والإختلاف بين النبيين داود وابنه سليمان في موضوع الحكم على أحقية امرأتين في خلافهما على طفلٍ من طفلين كان قد اختطف الذئب أحدهما، فحكم داود في الأمر كما يجده صحيحاً، في حين أن سليمان (عليهما السلام) حكم بحكمٍ مخالفٍ لرأي أبيه… ومن ذلك الكثير من اختلافات المذاهب الدينية الدموية سواءً بين اليهود أو المسيحيين أو المسلمين أو سواهم.

ونجد أمثلة كثيرة عن الاختلاف على مستوى الدول والإمارات بل ضمن الإمبراطورية الواحدة القوية، كما جرى بين الإمبراطورية الرومانية في روما وفي القسطنطينية البيزنطية. والعالم العربي مشهورٌ بخلافاته وتناقضاته ونزاعاته.

ثمة اختلافات استراتيجية واختلافات غير استراتيجية، فالأولى تتعلّق بأساس القضايا مثل: “-هل وطن الكورد هو كوردستان أم البلد الذي يقتسم جزءاً من الوطن الكوردي؟” هنا لا يمكن التهرّب من واقع وجود خلاف استراتيجي وجوهري في الحياة السياسية الكوردستانية، إذ هناك -على سبيل المثال- من بعتبر سوريا أو تركيا أو العراق أو إيران وطنه النهائي ويسعى في سياساته إلى تكريس الواقع المفروض على أمته. وأذكر هنا أن هؤلاء يقسمون اليمين للمعارضة السورية أو للنظام القائم -مثلاً- على أنهم وطنيون سوريون ولا علاقة لهم بما يجري خارج سوريا مطلقاً ولكن المعارضة السورية لا تصدّقهم، كما هو الحال في العراق أيضاً. وأتذكّر بأن المرحوم الدكتور مظفّر بارتوماه قال في إحدى المرات: ((سألني الرئيس الإيراني رفسنجاني عما يريده الكورد في إيران حقاً فقلت له بأن برامج كل الأحزاب الكوردية في إيران تنص على الحكم الذاتي أو الفيدرالي ضمن حدود الدولة الإيرانية، فقال رفسنجاني: “-لو صدّقت ذلك لمنحتكم هذا فوراً، إلاّ أنني أعلم بأن الكورد جميعاً يطمحون إلى إقامة دولةٍ مستقلة لهم.)) وأتذكّر أنني سألت كادراً ديموقراطياً من شرق كوردستان عما سيكون موقف حزبه إذا ما نشبت حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، فأجاب بحزم: “-والله، أنا سأحمل السلاح دفاعاً عن إيران وسيادتها!”

وما نراه اليوم من مزاعم الآبوجيين في كوردستان وخارجها يثبت رفضهم لإقامة دولة كوردية واستعدادهم لمنع قيامها بالقوة التي في أيديهم، كما زعم السيد بافل طالباني بأن “كوردستان قد انتهى!” وعلىى الحكومة العراقية أن تتفاوض معه على أنه أشبه بملك السليمانية من دون جرّه إلى هولير (أربيل)، وما يحاول ترسيخه الآبوجيون في عقول الكورد السوريين عن “دولة الأمم الديموقراطية” يثير السؤال الكبير بين الأوساط السياسية الكوردية:”- هل هذا مجرّد إختلاف على أسلوب حكم الإقليم في جنوب كوردستان أو في غرب كوردستان، أم إنه إختلافٌ في أصل العقيدة السياسية للأمة الكوردية. فالإختلاف على توزيع وامتلاك الثروات أو في طريقة إدارة الإقليم أو في من يجب أن يكون قائمقاماً في هذه الناحية أو تلك من ولاية صوران أو بهدينان ليس إختلافاً استراتيحياً يمس كل الأمة الكوردية ومستقبل قضيتها كأمة مغدورة وإنما هي خلافات يمكن حلّها عن طريق الحوار أو سيطرة طرفٍ على طرف بالقوة القتالية، وهذا ما حدث مراراً في التاريخ الدامي لحركتنا التحررية الوطنية مع الأسف.

وعليه يجب التمييز بين اختلافاتنا الاستراتيجية والمرحلية، التي تثيرها أسبابٌ عديدة وبخاصة بعد استفتاء الاستقلال في جنوب كوردستان، حيث قال الشعب الكوردي كلمته بصراحةٍ ووضوح ومؤكداً على مطالبته بالإستقلال، فلا إنسحاب السيد قباد طالباني، نائب رئيس وزراء الاقليم من العمل في هولير يزيد شيئاً أو ينقص من أهمية ذلك الاستفتاء الاستراتيجي حقيقةً، ولا إدّعاء السيد محي الدين شيخ آلي بأنّ “قضيتنا سورية ووطنية لا علاقة لها بخارج الوطن السوري، في حين أنهما يعلمان جيداً مثل القواعد التنظيمية لمختلف أحزاب كوردستان أنها تردد سراً وعلانية مثل كل شباب وطنها (كوردستان يان نمان: كوردستان أو الفناء)، وليس هناك شابٌ كوردي واحد يصرخ في وجه أعداء قومه (تركيا أو الموت) أو (سوريا أو العدم)، ففي شتى أنحاء العالم يدرك الكوردي أن وطنه التاريخي والنهائي هو كوردستان.

و أقولها تكراراً بأن على ناشطي أمتنا المغدورة أن يركّزوا على اختلافاتنا الجوهرية الاستراتيجية، ضمن الحركة الوطنية التحررية الكوردستانية، في حين أن الخلاف على إدارة الاقليم أو الحصول على موافقة من نظام دمشق على “الإدارة الكانتونية الأممية” في ظل المربّع الأمني للمخابرات السورية في القامشلي أو الحسكة أو ترديد أي شعارٍ يعكر على أجيالنا الصاعدة طموحه القومي الواضح، ليس خلافاً استراتيجياً وإنما هو شأنٌ مرحلي، مثلما هو مدح بعض الجهات الكوردية السورية ب”التحرير التركي لمنطقة جبل الكورد” وتحويلها إلى مستعمرة من الدرجة الدنيا في أيدي الإرهابيين والمتطرفين ومرتزقة المحتلين.