د. محمود عباس
من لا يولج الصراع الحزبي الكوردي، منبوذ ويدرج كجبان في مواقفه، ومن لا يتهم الأخر بالخيانة أو العمالة ينبذ من الساحة السياسية، ومن لا يشارك في توسيع الشرخ بين المجتمع السياسي-الثقافي يهمل، ومن ينادي بالتقارب وتناسي البغضاء يوصف بالطوباوية، ومن لا يستخدم الكلمات الحادة القاطعة ويخلق الحجج الصادمة لتدمير الأخر ويكتفي بالنقد العقلاني البناء لا مكانة له بين الوطنيين، لأن الوطنية في منطقهم هو قطع الكوردي الأخر بما ملكت إيمانهم من الحجج.
نحن شريحة ثقافية-سياسية-حزبية ورثة ماض غارق في الأخطاء، وحملة مفاهيم أنظمة شمولية وسلطات دكتاتورية لا مكانة للإنصاف في الأحكام، ولا اعتراف بالخط الوطني إذا لم نكن مالكه المطلق، دونها كل المناهج ملغية والمفاهيم منبوذة. نعرف من المواقف وجهتين معي أو ضدي، ومن الألوان الأبيض والأسود، لا يمتزجان، ولا يرى غيرهما، وعلى المجتمع الكوردي الاختيار وإلا فالخارج أو الرافض؛ العتمة مصيره.
ما استنتجناه من بوست كتبناه قبل يومين، ومن الانتقادات الواردة على مقالات عديدة طالبنا فيها بالتآلف والتفاهم على نقاط التقاطع ما بين الأطراف الحزبية المتصارعة، وترك منهجية التخوين وإلغاء الأخر: أن الحراك الكوردي خلق شرخاً بين المجتمع يكاد يكون من شبه المستحيل إزالته أو ترميمه، حتى لو اتفقت الأطراف الحزبية تحت ضغوطات دولية، أو فرضنا جدلاً عن إدراك (الإدراك حتى اللحظة يكاد يكون شبه معدوم) لما تؤول إليه واقعهم، سينبذهم شرائح المجتمع الكوردي المتربي على الثقافة الحزبية والغارقة في إلغاء الأخر، وهي ثقافة الأنظمة الشمولية ذاتها.
نحن في مستنقع فكري-سياسي مرعب، خلقناه لبعضنا، ولا قوة تستطيع تنقيته، أو تصحح ما تم.
صراع كوردي-كوردي غريب، لا مثيل له إلا في المجتمعات التائهة أو الغارقة في السذاجة وعدم الوعي، وابشعها سذاجة قراءة التاريخ واخذ العبر منه، ويكاد يكون أوسع وأعمق من صراعنا مع أعدائنا، ولا نعلم فيما إذا كنا بهذه الذهنية من التعامل نعطي المبرر لإعدائنا على احتلالنا، أو نساهم في عدمية التقارب بين أطراف الحركة الكوردية الحزبية؟ أم نرسخ مسيرة التبعية لأنظمة تحتلنا على مدى قرون عديدة، والنتيجة: إلى متى سنظل كشعب كوردي نعيش عالم الموالي والسيادة؟ ننتظر الإملاءات الخارجية، ولا نملك جرأة القرار بدون مشاركة الأخر الغريب.
فمن المذنب؟ هذه الجهة الحزبية، أم تلك؟ ولا شك ذهنية المهيمن سائدة فينا، والأنا المطلقة، في الأصح مترسخة، ولهذا فما المذنب؟ الأول هي السلطة، وفي جنوب غرب كوردستان السلطة أكثر من معروفة، ولا تعني أن المنافس بلا ذنب، والإشكالية في عدمية النقاش العقلاني، والحوارات المبنية على ضحالة المعرفة.
والأغرب، أن معظم الذين يساهمون في تأجيج الصراع الداخلي، ينتقدون في البعد الأخر الأحزاب على خلافاتهم، وعدم التفاهم، أي أنهم يعيشون التناقض في الذات، ويتباهون ما هم عليه وما يعرضونه.
فما رأيكم، أن نزيد من الصراع الداخلي ونقوم بإلغاء بعضنا، ونعدم منطق الحوار والنقاش على ما نحن عليه من خلاف، وننتظر من سينتصر في النهاية، نحن أم أعداؤنا؟ بل هل ستظل قوة كوردية ذات اعتبار في الساحة؟
يحضرنا هنا ما عرضه (جورج سپاين) في كتابه (تطور الفكر السياسي) ضمن الفصل الثاني (المناقشات الشعبية السياسية) كيف كان شرائح المجتمع الأثيني في القرن الخامس قبل الميلاد (ينغمسون في المجادلات والمناقشات السياسية … وعاشوا في جو من المجادلات والمناظرات الكلامية على نحو يصعب على الرجل الحديث تصوره) وللأسف نحن الكورد وبعد 25 قرن من الزمن لا زلنا لا نملك قدرة الاستمرار في نقاش دون الخروج منه بتهم أو تخوين أو عداوة.
ارحموا أمة عانت الويلات، وتاريخ غرقت صفحاته بالصراعات الداخلية.
فقد حان لنا يا أهل المعرفة أن نستشف تجربة من ماضينا المؤلم؟
ونتقبل بعضنا على ما يريده هو وليس ما نريده نحن أن يكونوا عليه.
لا خلاف على النقد، ولا على أن نكون على خلاف؛ ففي الخلافات بعد حضاري، فإننا نتحدث عن الصراع الداخلي وعدمية الاتفاق على نقاط التقاطع، وعلى تبعيتنا للقوى الإقليمية تحت حجج التعامل السياسي.
أعلموا أننا بالذهنية والمواقف الدارجة والمهيمنة، لن نبلغ الغاية حتى ولو كانت خلفنا أمريكا وروسيا وكل دول العالم الحضاري.
بماذا نختلف عن القوى المتصارعة على سوريا، والتي دمرت الشعب والوطن، والتي تخادع بعضها بعد عقد من القتل والإجرام والدمار على بنود دستورية من شبه المستحيل كتابته.
فمن المؤلم القول إن بين لجان كتابة الدستور السوري في جنيف، والذي سوف لن يتم، والطرفين الكورديين المتفاوضين على الإدارة الذاتية علاقة جدلية، مرت على كلا الطرفين الشهور، ولا يزالان يدرسان كيفية البدء بالخطوة الأولى، يحصرون نجاحهما في العودة إلى الحوارات بعد كل خلاف. وما يتم، وبتوافق ضمني بين الأطراف المتفاوضة، هي مسيرة عقيمة يراد منها إلهاء الشارع الكوردي مثلما يلهون من جنيف الشارع السوري عامة، بل يخدعونهم لتستمر المسيرة ويستمر العطاء والمدخول الشهري. أما في الواقع الحزبي الكوردي وحيث انعدام المصالح المادية، وحيث سيطرة الإملاءات، والمفاهيم الخاطئة المطروحة لحل قضايا أمتنا من شريحة حزبية جلهم ليسوا مؤهلين لقيادة الحوارات ولا العمل والنقاش على القضية، أو بلوغ مرحلة التوافق.
لا نستبعد على أن الطرفين الكورديين، المتفاوضين ومعهم شريحة من الحركة الثقافية والسياسية، لا يدرسون مجريات التطورات السياسية في المنطقة على خلفية الصراع المخفي بين روسيا وأمريكا، وخلفهم الدول المحتلة لكوردستان، ولا ينتبهون إلى أن أمريكا لا تضغط على القوى المتفاوضة إلا في الحالات القصوى، لكن بحضور مبعوثيها تبين عن نواياها ودعمها، وأهمية التوافق لمصالحها، حيث مصالح منطقتنا الكوردية تدرج معها حاليا على الأقل، وهي من أحد أهم الأسباب التي ستدفع إدارة جو بايدن، الأطراف الكوردية المتفاوضة باستمرارية التفاوض على أمل بلوغ اتفاق ما، لتبين للعالم وبشكل خاص روسيا وتركيا، على أنها تتعامل مع إدارة سياسية أفضل لسوريا القادمة من النظام المجرم الحالي والمعارضة التكفيرية المصنفة معظمها ضمن قوائم الإرهاب، المرفوضين من العالم الحضاري. وهذا ما بدأت تلوح به مسؤوليها إعلاميا، وسوف تكون من أحد أهم الأوراق التي ستستند عليها مستقبلا في حواراتها مع الدول المعنية بالقضية السورية.
فهل ياترى الأطراف الكوردية المتفاوضة تدرك أهمية هذه المعادلة الدولية؟
أم أنها بلغت مرحلة ليست من السهل عليهما العودة إلى حيث الثقة بالأخر، فضاعت معها قدرة التراجع عن الاتهامات التي بلغت مرحلة كارثية.
1 هل ستصل الأطراف الكوردية إلى أتفاق؟
علما أن مصير الشعب والمنطقة على كف العفاريت من القوى الإقليمية.
2 هل الأطراف الكوردية الحزبية على قدر المسؤولية؟
3 ألا يحتاج شعبنا إلى بديلهم؟
4 وهل هناك بديل؟
أو لماذا لا يظهر بديلهم؟
إذا خسرنا هذه الفرصة، سوف لن يقوم في المنطقة نظام ديمقراطي على مدى قرن قادم، وهنا سنظل نحن وشعوب المنطقة تحت ظل حكم أنظمة شمولية دكتاتورية، كما كنا، والمذنب نحن كحراك كوردي.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
8/2/2021 م