محمد سعدون
عامودا مدينة صغيرة مقارنة بالمدن الكبيرة من حيث التوسع السكاني ولكنها كبيرة بعدد مثقفيها وصناعها في كافة المجالات وأنها من المدن القديمة في المنطقة ( Girê Şermola ).
وكانت في تلك المدينة بناء مخصص للسينما ( مبنية من اللبن والخشب ومسقوفة بالقش ). ” سينما شهرزاد ” .
بما أن عامودا مدينة كوردستانية وفي الجزء الملحق بالدولة السورية فالتعليم فيها باللغة العربية والأوامر عائدة إلى مدير الناحية ناهيك عن التدخلات الأمنية في كل شيء.
بدعوة من مدير ناحية عامودا في ذلك الوقت مصطفى شعبان لحضور فيلم ” شبح في منتصف الليل ” علماً أن هذا الفلم غير مخصص للأطفال . مستفيداً من ريعه دعماً للثورة الجزائرية . لكن عدد التلاميذ 500 والسينما لا تتسع سوى 200 شخص فقط .
ويضغط من مدير الناحية على صاحب السينما لتشغيلها على ثلاثة عروض للفلم لكثرة عدد التلاميذ.
لكن تلك الرحلة ( الترفيهية) التي اقترحها مدير الناحية لم تسر على مايرام . فخلال العرض الثالث الذي استقبلته سينما شهرزاد في ذلك اليوم المشؤوم اندلعت شرارة من ( محرك العرض القديم ) لتمتد النيران إلى الحيطان الخشبية والأثاث وأجساد الأطفال الطرية .
حيث تدافع الأطفال نحو الباب إلا أن الباب كان مغلقاً. لكن بعضهم قفذوا من النافذة للخروج لكن هيهات أنهم لم يكن يعملون بأن النافذة تطل على بئر دون غطاء ويستشهد فيها عدد من التلاميذ .
وما أن سمع أهل عامودا صراخ أطفالهم تراكضوا مسرعين صوب السينما لنجدتهم . وكان محمد سعيد آغا الدقوري أول من وصل فاتحاً الباب ليخرج التلاميذ من المحرقة فسأله أحدهم : هل أخرجت ابنك ؟ عندئذ قال جملته الشهيرة : (( كلهم أبنائي)) .
لكن القدر فعل فعلته لتسقط عتبة الباب على رأسه ليسقط شهيداً بعد أن أخرج 12 طفلاً .
رائحة اللحوم البشرية تنبعث من تلك المحرقة . حيث تشوهات الجثث . وأجساد تحولت إلى الرماد .وسيارات الإسعاف ( عربات تجرها الخيول ) مليئة ببقايا الجثث دون معرفة أصحاب هذه الأشلاء .
وتلك بقايا الجثث دفنوها في مقبرة جماعية في مقبرة شرمولا .
عندها حضر رئيس مباحث المحافظة وجهاز الأمن فأقر ( سيادته ) بأن الأمر قضاء وقدر وهنأ الناجين من المحرقة ولم ينسى زيارة الجرحى في مشفى القامشلي .
حيث كان عدد الضحايا 285 شهيد و 450 جريح وأكثر من 50 معاقاً .
ولكن وزير الداخلية في ذلك الوقت عبد الحميد السراج ومدير الناحية مصطفى شعبان تقصدا في عدم التحقيق مما يشير إلى تورطهم في الحادثة . وقيدت ضد مجهول .
ولم تطالب أية جهة دولية بكشف ملابسات الحادثة .
وتم تحويل مكان السينما إلى حديقة وهي التي تعرف بحديقة الشهداء ولازالت قائمة وفيها نصب تذكاري صممه فنان من دير الزور ( محمود جلال ) لأطفال مع علم يرمز إلى علم الجزائر في إشارة إلى أطفال راحوا ضحية الثورة الجزائرية وإلى جانبها حفرة تمثل البئر ولوحة فيها أسماء الشهداء .
لكن مع الأسف ان السلطات السورية منعت في السنوات اللاحقة إحياء ذكرى تلك الفاجعة .
هذا ودفعت عامودا للثورة الجزائرية جيلاً من أبنائها لكنها أهدت الكورد اتفاقية الجزائر الخيانية .