وليد حاج عبدالقادر / دبي
قبل الدخول في متن الموضوع الرئيس، سأستذكر أمرا كنت قد قرأته في أوائل ثمانينيات القرن الماضي ، من صفحة الغلاف الأخيرة لواحدة من أعداد مجلة الحرية التي كانت تصدر في لبنان شراكة بين منظمة العمل الشيوعي اللبناني والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ، وكان النص بعنوان – دردشة في بيرجنت – لكاتب عراقي لا اتذكر اسمه ، وتتلخص في ان طالبا فلسطينيا كان يدرس بواحدة من جامعات أوسلو – النروج – ، وفي ذات يوم بينما كان يحتسي قهوته جالسا في مقهى بيرجنت المشهور حينها ، وإذ بالبروفيسور الأشهر في الجامعة يدخل ، ولما رآه جالسا لوحده تقدم صوبه وجلس معه ، وبعد دردشة بسيطة سأله البروفيسور ؟ من أين انت ؟ اجابه : من فلسطين .. استغرب البروفيسور وسأل ؟ واين تقع ؟ اخذ الطالب يسهب في الشرح والبروفيسور يتصنع عدم الإستيعاب ، واضطر الطالب ان يرسم خارطة فلسطين ! وهنا رد البروفيسور : هل تقصد إسرائيل ؟! فاخذ الطالب يشرح عن بلفور وهجرة اليهود وو قاطعه البروفيسور وأفرد امامه صحيفة لوفيغارو الفرنسية واخرج قلمه وأشار بدائرة على خبر صغير وقال له إقرأ هذا الخبر وانصرف .. قرأ الطالب الخبر المتضمن باختصار ( نفذت طائرات حربية عراقية مئات من الغارات الجوية استهدفت فيها القرى الكوردية بكوردستان العراق ، ودمرت اكثر من اربعمائة قرية عن بكرة أبيها ) . والمغزى من هذه المقدمة هو ما دأب عليه غلاة الشوڤينيين بزعم ديمقراطي – تقدمي – ماركسي واه ومخادع ، وباستبداد مركب تجاوز عتاة العنصريين ، لدرجة بات استهداف القضية الكوردية منهجيا وكأولوية هامة ، لا كحالة ملتبسة ولا وهم لنظرية مؤامرة . وقد سهل لهم الأمر ووفر منافذ التسلل بعض من ـ دعاتنا الأتقياء ـ الذين يصرون وكإنعكاس لعقدة نقص تجذرت فيهم فيدفعوننا بمعيتهم الى ـ عصور التاريخ ـ ولكن ! بانتقائية فظّة ، وكماسحة ذاكرة يجرجرون أذيال التاريخ الكوردي وربطها بمرحلة صلاح الدين الأيوبي ، فيتباهون بها كشهادة حسن حال ليثيروا بها عاطفة بعض من العرب والترك عكس الفرس ، وكعرضحال يختزلون بها الوجود الكوردي ولكن ؟ أو ليس من الإجحاف تلخيص التاريخ الكوردي بمسألة تقدم الأيوبيين صوب عمق سوريا والأردن وفلسطين وبالتالي معركة اليرموك فتحرير القدس ؟! واستقرار افراد جيشهم وذريتهم هناك ! . إن تجاهل التاريخ الكوردي وماضيهم وشطب لمساتها في خدمة البشرية ومساهماتها في تطورها أسوة بجميع المجتمعات اليشرّية مع بدء التاريخ البشري ، وكان لهم حضورهم المدون في موروثاتها منذ عصور التاريخ السحيقة وتمتد الى مراحل اكتشاف الكتابة ( الميخية ـ المسمارية ) ـ والدولاب ـ عربات الجر ـ و ترويض الحصان وتحديد كما تحجير الأراضي والعقارات وأول معهد للموسيقى ( المعهد الحوري في جاغر بازار قرب عامودا ) , وحضارتهم اعترفت بها شعوب المنطقة جميعا ـ حينها ـ ، ويوم بعد يوم يماط اللثام عن خفايا كثيرة تحدت الطمس والتزييف ، لابل التدمير والإخفاء الممنهج ، ومع كل ذلك ! يأتي بعضنا ليختزلها ، لابل ويمارس نوعا من ـ الشحادة – بها كشهادة فقر حال ، أوليست هكذا ممارسة هي قمة المهزلة في التعاطي مع الشأن القومي ؟ . هذا الأمر الذي سيوجهنا الى لب الموضوع واستكشاف العديد من النزعات العنصرية ، التي ارتكزت ولم تزل على قاعدة الإلغاء الممنهج للوجود التاريخي كما التراث والجغرافية الكوردية ، هذه النزعات التي تستند بتوصيفاتها على الخطاب العنصري لمجاميع سياسية كالبعث ومشتقاته في الغاء أي وجود للكورد وقضيتهم ، لابل ومارسوا أقصى درجات التمييز العنصري ، مستحضرين نماذج كثيرة من خطط – اعدائهم – ، هذه المنهجية التي ترسخت في ذهنية كثيرين منهم ، وترافقت مع العديد ممن ركبوا موجة الثورة السورية لا إيمانا بها ، بل هروبا من سفينة النظام ، ولهذا ! بقي رهانهم وكطوباوية مقدسة في ذات النسق الإلغائي – الإنكاري للوجود الكوردي وقضيته ، ومازالوا يسعون بشدة على ترسيخ كل تعاريف ومخرجات النظم العنصرية المتعاقبة ، والأدهى أنهم يعتبرون كل – منجزاتهم – جبربة مقدسة ، ساعدهم في ذلك كثيرا ، تلك التوجهات المبتكرة حديثا من قبل بعض الأطراف التي تتباهى بلا قوميتها من جهة ، وتبخيسها لا للدم الكوردي بل وبحقوقها أيضا .
وباختصار هنا : كان يجدر بأولئك عدم اللجوء الى التوصيف وبالارتكاز على أسس يعرف الجميع بأنه كان ذي هدف عنصري مثل التعداد السكاني وتواتر النسب كما نجوم ضباطهم ، مع يقينهم بأن كل ما تبنوه هو خطأ كشف عن مدى الجهل بحقيقة كوردستان والشعب الكوردي ! وكمثال قريب : القضية الكوردية في سوريا والتي لم تراهن حركتها السياسية عبر نضالها الطويل على الأطراف الخارجية ، بل كانت ولم تزل ترى أن جوهر قضيتها هي مرتبطة بالحل الديمقراطي ، هذا الأمر الذي وعته الحركة الكوردية بجماهيرها منذ زمن بعيد ، وبقي هو الخيار الوطني وكهدف استراتيجي ظلت تسعى اليه في كل خطواتها العملية ، وجميعنا يتذكر بدايات انطلاقة الثورة السورية ، وكيف ابتعدت عن الانتهازية واستغلال الظروف ، حيث رفضت الجلوس مع رأس النظام لوحدها ، بالرغم من مساعي الأخيرة الحثيثة في ذلك الإتجاه ، وكتأكيد لهذه الثوابت ، نرى انعكاسها حتى في المفاوضات الأخيرة بين المجلس وقسد ، والإصرار على الحلول الوطنية كثوابت رئيسة ، فهي تؤكد دائما على ضرورة العودة إليها والتشبث بها ، ولكن ! مايؤسف له بالفعل ! وبدل أن تساهم غالبية القوى غير الكوردية في تشجيع مثل هذه التوجهات ، والعمل بجد في التعمق بتفاصيل وحقيقة وجود قضية كوردية في سوريا ، والوقوف مع حركتها من خلال ترسيخ العمق الديمقراطي ، وتتوسع في التبسيط العملي لابعاد ومفهوم التشارك ، نتفاجأ ببعض من الأقلام الموتورة وتزييفهم الممنهج وتحت توصيف – نخبوي! – لكل أفق يمكن البناء عليه ، هؤلاء الذين لازالوا بالرغم من كل تناقضاتهم مع النظم التي تتالت على حكم البلاد ، إلا أنها كانت ولم تزل تتفق لابل تزاود على تلك النظم في مواقفها العدائية تجاه القضية الكوردية ، هذا الأمر الذي بات من الضروري التصدي لها لا بأساليبهم الشعبوية ، بل بحرفية تستند على الوقائع بحقائقها وبالمستندات ، وفي واقع الأمر فأن التوثيق كان ولم يزل من اهم الخطوط التي يتوجب الإستناد عليها في مواجهة كل من ينفي وجود قضية كوردية . ولأولئك الذين أصبح دأبهم هو إستهداف الوجود والقضية الكورديتين ؟ أفلا يفترض مواجهتهم بالمنطق وبحزم وتشخيص حجم المشاريع والممارسات العنصرية ؟ والمطالبة بأجوبة عن سيل من الأسئلة ؟ مثلا : ما الداعي لممارسة سياسة الصهر القومي والتغيير الديمغرافي ومعها كل ممارسات التعريب وو ؟ ومن ثم تكرار السؤال ذاته ولكن مشفوعا بالتمني ! بأن يرسووا على بر ! وبشكل رئيس في خاصية البعث والموقف منه ، هذا الأمر الذي سيفضي إلى أن التنظير والحوكمة على ارضية عقيدتها القومية وتبني كل احصاءات وجداول ومواقف نظمها الإنقلابية وممارساتها العنصرية بامتياز ! فبماذا يمكن أن تصنف نتاجاتها ؟ خاصة وهم يدركون بأننا – كشعب وحركة كوردية – وبسلميتنا افشلنا الحزام العربي ، وبصرخاتنا اثبتنا للعالم اجمع مساعي الشوفينيين في التغيير الديمغرافي . أما ربط هذا الأمر بموضوعة قسد وامريكا وايران وتركيا وسوريا والعراق ! فهم جميعهم يتساوون في الموقف من القضية الكوردية ومهما وثقوا واتفقوا وبنوا تحالفات فأن مصيرها ستكون التفكك ، سواها القضية الكوردية التي استدامت وستبقى . وعليه بات من حقنا أن نخاطب أولئك الموتورون والمبتلون بالفزاعة الكوردية كقضية شعب يعيش في بقاعه منذ آلاف السنين ، ونذكرهم رغم عدم تجاهرهم بها حرفيا ، وهم في ذروة النشوة ، بان الكورد قد – ضبعوا رعبا – وتم إخراسهم الى الأبد ! وفقط ! ولإستمرار المهزلة ! يتوجب الإرتهان على بعض من الجرعات الشعبوية ، وعلى هدي صراع الديكة سيتواجد في كل قطيع من يصفق لديكه ، وكمثال مختصر : شخصيا لا أعرف القاطع ولا اعير ما يثيره من زوابع ، ولا المصفقين له سوى انهم من منظمة مبهمة اخذوا على عاتقهم منهجية محاربة الكورد والقضية الكوردية وكانوا في منظمة رديفة للبعث باسم منظمة الشباب العربي ، وأول ظهور لهم كان – بتصوري بعد انتفاضة قامشلو آذار 2004 – وهنا أتوجه بسؤال الى كل مصفق للقاطع : ضيع المذكور قرابة 550 صفحة لينفي أية انتمائية قومية للكورد وعيش تاريخي على أرض وايضا تاريخية في سوريا ، وتناسى ! لابل تجاهل وبقصد كل جرائم البعث ولم يذكرها لغايات باطنية مقيتة ، وهنا – أنوه – بأنني لا أشخصن بقدر ما هو الذي ينكشف وببساطة في تبنيه لكل ممارسات النظم ومطالبته بتشديدها أكثر , الأمر الذي يفرض السؤال مجددا : ماالفرق بين الإلغاء الوجودي بالسلاح او غيره ؟ .. ولمهند القاطع وأمثاله أقول ببساطة : مهما عملتم وكتبتم وكل من بصم لكم ! لن تثيروا سوى زوابع تحوطكم ، ولن تخفي حقيقة وجود قضية كوردية في سوريا ، رغم كل أساليب القمع وممارسات التعريب والإلغاء ، هذه القضية التي نصر على أنها قضية رئيسية من قضايا تستوجب الحل الديمقراطي لكامل سوريا وكخيار التزمت بها الحركة السياسية الكوردية منذ انطلاقتها والى الآن .. وخلاف ذلك وما تمارسونه من منهجيات لن تزيدنا كورديا سوى الإصرار على التمسك بذلك الخيار والتحالف مع قواها الحقيقية ونبذ العنصريبن – اقله – في جانبنا الكوردي .
وفي النهاية لابد من كلمة لكل من لايزال يعيش في شرنقة أفكاره الإلغائية للوجود الكوردي أصالة في بقاعه ، اولئك الذين هم بأمس الحاجة لمن يذكرهم ، بأن لاءاتهم لا تذكرنا سوى بلاءات ؟؟؟؟ وبالمناسبة ؟! فأن مواقفهم لا تختلف في شعبويتها عما يمارسها بعض المحسوبين على الكورد وان كانوا لا يخجلون في طرحهم كقوى لاقومية ، او – أقله – أنها – وكلنا معهم ندرك – مزنرة بعهدة قوية للنظام ، لابل وبذلت كل طاقاتها في السعي الى شطبها بنيويا لصالح النظام ، وثبت لهم وبالتجربة بأن كل تلك الممارسات لم تدفع بالقضية الكوردية سوى الى الثبات ، ولم تدفع بالحركة الكوردية الى تبني ردات فعل ، بالرغم من كل اخطاء وممارسات كثير من الوجوه التي ظهرت في واجهة المعارضة ، وبقيت الحركة الكوردية في مسار الحل الديمقراطي – الوطني كخيار بقي ثابتا في منهجية الكورد وحركتهم السياسية ، وعلى تلك القاعدة جاء قرارهم في عدم تلبية دعوة رأس النظام الى الإلتقاء به في ربيع 2011 .
وأخيرا : أحب أن أنوه بأنني لن ادخل في نقاش مع هاجس لا ينشر سوى النبذ وزرع التفرقة وثقافة الكراهية في أوضح تجلياتها ، هذا الأمر الذي يذكرني – شخصيا – بأول ( فلقة ) نلتها وانا في الصف الثالث الإبتدائي ، عندما وقفنا في مقاعدنا نحن مجموعة من التلاميذ تنفيذا لطلب معلمنا العربي ( الكوردي فيكم يوقف على حاله ) . أجل ! أن الشعبوية في الطروحات والتفصيل على مقاس الأماني والسعي لترسيخ مواقف النظام سيقابلها ما يرتد وبوجع في الصميم مما يظنه بعضنا من الثوابت . ومن المفيد جدا أن نقول لأمثال هؤلاء : أن كل فسحات الرأي هي متاحة لكم ولكن ؟ عليكم أن تتذكروا ؟ بأنه ومع كل عنصرية النظم المتعاقبة وسياساتهم التعريبية بقيت ( كركا ميرو ) باسمها ولم تعرب جماهيريا الى تل الأمراء ، وذات الإسم – موزلان – بقيت ورجعت اسم الهامة بإصرار الى موقعها وتشبثت بدمشق والزبداني ، ومن ثم ! ووسط هذا الضجيج النشاز ؟ اوليس الأفضل للمستقبل هو التركيز على مفاهيم المواطنة لا الهرولة وراءا ! وأخيرا سأقول لمهند القاطع ، وهو قد قرأ قسما لا بأس من كلماتي هذه قبل ايام : . هل اعيد نشر ردودي عليكم منذ تأسيس منظمتكم التي ليس لها هدف أساس ووحيد سوى الطعن في الوجود الكوردي؟ كل ممارسات نظمكم المتعاقبة التي جربت ، وها نحن بقينا كوردا ، وعلى النقيض من ممارساتكم ؟ فقد إزددنا تلاحما مع مكونات سوريا ، وبقينا كما كنا ممن يسعون وبكل جدية في بناء سوريا كدولة لكل بشرها .