في التاسع من نيسان 2003 م سقطت بغداد وفي الواحد من حزيران من العام نفسه أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش عن نهاية العمليات القتالية بقوله ” المهمة قد أُنجزت ” وبالتالي إنهاء الحرب على العراق التي أدت إلى سقوط مدوي للنظام البعثي واعتقال كافة رموزه .
هذا الإعلان كان كافيا لأن يضع النظام البعثي السوري وبالتناوب الكمادات الساخنة والباردة على جسده ويتحسس رأسه ، أمريكا أصبحت خلف الباب وما هي إلا لحظات ويُطرق .
فالمأزق الذي وضع فيه النظام السوري نفسه فيه كبير جدا لا بل أقرب لكارثة كبرى ، كان يمني النفس بأن تفشل أمريكا في العراق ليسلم رأسه ولكنه هو من فشل على الرغم من فعل كل ما يلزم في مساعدة ومساندة لما سمي آنذاك بالمقاومة العراقية بغاية إخراج الأمريكان من العراق وطردهم من حيث أتوا ، فبقاء الأمريكان في العراق كقوات احتلال إلى أجلٍ غير مسمى مقلق وخاصة أنهم على تخوم الحدود الشرقية لسوريا وعلى بعد قذيفة من دمشق ، مما يعني إحدى أثنتين إما التعاون مع الأمريكان في تنفيذ مخططهم وما يرونه في المنطقة وإما تحمّل تبعات وتداعيات عدم الإستجاية والتي تعني إما تغير في سلوك النظام السوري أتجاه قضايا المنطقة أو تغير النظام برمته كما حصل في العراق .
كانت المخاوف السورية في محلها ففي اليوم التاني من إعلان أمريكا إنهاء القتال في العراق كان كولن باول وزير خارجية أمريكا يطرق باب دمشق ولبنان وفي جعبته مطالب رئيسية لا تقبل المساومة ، هنا لن أستفيض أكثر لإنتفاء الغرض ، إنما فقط أستذكر تصريحاته التي وضعت النظام السوري وجها لوجه أمام مخاوفه .
نعم من المطار قال كولن باول : أتيت لأوضح كيف تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى تبدل الوضع في المنطقة مع رحيل نظام صدام حسين للرئيس الأسد . وأتبع تصريحه هذا في مؤتمر صحافي بعد العودة بتصريح أخر قال فيه : سنتخذ قرارات بعد أن نرى الأداء !؟
وهل سيتغيرون أم لا !؟ .
رداً على سؤال مفاده : ماهي العواقب التي ستواجهها سورية في حال عم التجاوب مع مطاليبكم ؟ تهديد ظاهر ٌ مفهوم ومؤشرات خطيرة جدا كانت كافية لأن يلتف النظام السوري وبكافة مؤسساته الأمنية حول نفسه لتقييم الوضع الجديد ووضع تصوّر للخروج بأقل الخسائر لمعرفته المسبقة أنه لن يستطيع الإستجابة للمطالب الأمريكية أوحتى التعاون معهم ، ليس من بوابة النضال الوطني أومن نافذة الأمن القومي العربي أو عتبة المقاومة والممانعة المناهضة للمخططات الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة ، العناوين التي اختبأ تحتها إنما لعدم استطاعته تحمل تبعات الرضوخ لأمريكا ، فمسألة الديمقراطية والحريات هي الأخرى سهمٌ يأتيه بمقتل .
– المخطط والسيناريو المحتمل
حزم النظام السوري أمره ودرس الوضع بدقة ووضع الاحتمالات التي من الممكن أن تطفو على السطح ومن ثم وضع خططه وسيناريوهاته حسب درجات الأهمية .
وجد أن المعارضة السورية في الداخل بعيدة كل البعد عن أي تعاون وتعاضد مع الأمريكان لأسباب عدة وأهمها الاختلاف الفكري ولحد العداوة مع النهج الأمريكي في المنطقة حينها ، إلى جانب وقوفهم بالضد من مسألة الحرب على العراق .
ورأوا أن الإسلاميون المتشددون ( الإسلام السياسي ) هم تحت الإحاطة والمراقبة وهؤلاء من السهولة التكفل بهم من قِبل صناعهم ( المخابرات السورية ) .
من بقي ! الكُرد نعم الكرد هم من يجب التعامل معهم بحزم ، هم الأن الأشد إن خطورة إن واتتهم الفرصة ، لعدة عوامل : فالأقليم الكردستاني المنشأ حديثا في العراق هو جزرهم القومي و عمقهم الجغرافي وأمتدادهم الأستراتيجي واللوجستي ، وفوق هذا وذاك مدعوم ومحمي أمريكيا .
إذا من هنا نبدأ ومن أجل كشف النوايا والتحقق من مدى التعاطي الكردي يجب إخضاعهم لإختبار عملي ولا سيما أن جميع التقارير الأستخباراتية تفيد بعودة تنامي الشعور القومي وأرتفاع منسوب المعنويات لديهم ، مما يجعلهم على أهبّة الأستعداد بالتعاون مع من يحقق لهم مطالبهم ويواقع أحلامهم وأمانيهم . وهي محفزات لكل مظلوم هُضمت حقوقه .
– مسرح الاختبار ورسالته
اليوم الثاني عشر من أذار 2004 م المقرر فيه مباراة بين نادي الجهاد من القامشلي ونادي الفتوة من ديرالزور على أرض الملعب البلدي في القامشلي وهي من ضمن المنافسة على بطولة الدوري العام السوري .هنا كان زمان ومكان مسرح الأختبار ، السيناريو الذي أُعد بإتقان وهو ذاك الذي تمت مشاهدته من القاصي والداني والصديق والعدو .
اليوما جرى كما هو مرسوم له ، هنا لن أستعيد المشاهد إنما سنبحث في النتائج التي آلت إليه هذه الواقعة الأختبار ، مما لا شك فيه وإلى حد الجزم أن نتائج الأختبار هذا كانت مفاجئة من العيار الثقيل سواء لواضعي السيناريو أو لمن وضِع لهم السيناريو وهم كرد قامشلو ، فمن المتوقع وفي أسوأ الحالات من تنفيذ هذا الأختبار أن تكون تداعياته محصورة في المحافظة فقط ، فالأمر مقدورٌ عليه وتحت السيطرة كما أُعدت له العدة ، أو كما ظُن تستطيع أدوات النظام الأمنية التعامل مع الحدث وما سينتج عنه وبمساندة أيضا من زعماء العشائر و قادة الأحزاب الكردية الذين هم تحت أمرت وأنظار الأمن والمخابرات السورية بكافة فروعها وسينفذون ما يؤمرون وبذلك تكون الرسالة قد وصلت . إنما بقدرة قادر حساب السيرورة لم يطابق حساب الصيرورة ، فقد هبَّ الكرد فقط هبة رجل واحد وتحت أنظار باقي المكونات التي لعبت في البداية دور المشاهد قبل أن تلعب دور المناهض ، وككرة الثلج المتدحرجة تدحرجت الهبّة على طول الشريط الحدودي الشمالي من أدناه إلى أقصاه مع أمتدادٍ متسارع ليشمل المدن الكبرى في الداخل السوري كحلب ودمشق وكل أمكان تواجد الكرد في المحافظات الأخرى ولتصل صداها وتداعياته إلى قلب أوربا ، خمّن الكرد أن النظام بات قاب قوسين أوأدنى من الهروب والنجاة بنفسه وخاصة بعد سيطرة الكرد على بعض المخافر في بعض المناطق ورأوا كيف يهرب جنود الأسد أمامهم كالفئران ، وكيف أن عامودة البطلة أسقطت تمثال حافظ الأسد أرضا وتبعها تشويه وجه تمثاله في قامشلوا .
الشعور لا يوصف فأقليم روجأفا الكردستاني بات قريبا من حواف الحلم . ولكن استطاع النظام قمع الحلم قبل الإنتفاضة المجيدة بوحشية كعادته مستفيداً من عدم تضامن بقية المكونات الأخرى مع الإنتفاضة التي من الممكن لو خاضوها جنبا إلى جنب مع الكرد لما رأينا حراك 2011 م ، لا بل لعبوا الدور العكسي السلبي مما ساهم في وأد الانتفاضة المجيدة ، لقد وجد الكُرد أنفسهم وحيدون في أتون نارٍ ستحرقهم وأمام آلة قمع وحشية عمياء ، خلّفت ورائها أكثر من ثلاثين شهيداً ومئات الجرحى وآلاف المعتقلين .
نعم هذه هي الرسالة المرسلة التي وعاها الكرد جيدا ، تنتفض تقمع ، تستجدي الخارج تسحق . النظام أيضا أدرك ووعى إن أي مساندة خارجية متضامنة مع حقوق الكرد ستكون وبالاً عليه وربما سببٌ من أسباب سقوطه وانهياره ، وهذا ما تجلىَّ فعلا في ممارساته وإجراءاته مع الكرد إبان حراك أذار 2011 م ، لقد أستطاع بخبث ضرب الكرد بالكرد وبالتالي يحيدهم دون مشقة ، بعد أن أوكل أمر المنطقة إلى حزب ال pyd الفرع المستنسخ من ال pkk والعصا الغليظة بيد النظام .
– الخلاصة
– في الأخطار الجثيمة و الجسيمة ترى الشعب الكردي بقلب واحد ولكن من يضعفه ويشتته وللأسف هم بعض القيادات الحزبية التي تتسيد المشهد وتعمل وفق مصالحها الخاصة دون مصلحة الأمة .
– عدم أو ندرة وجود العقول الملهمة والمؤثرة على الصعيد الفردي كي يلتف حولها الكرد لتشكيل تيار واعٍ ومؤثر وصاحب رؤية ومشروع .
– الشعب الكردي شجاع ولا تنقصه الأمانة والاستقامة ولا الشعور بالمسؤولية ، إنما ما يبدد ذلك كله هو استفحال الخيانة والانقسام والتشرذم بينهم .
– جهل الكرد من الإنتفاع من دروس التاريخ تجعله دائما في مهب الربح.
احمد عبدالقادر محمود
هولير / أقليم كُردستان