جان كورد – 18.03.2021
لم نجد الكورد في ضيقٍ نفسي واضطرابٍ وغمٍّ أشدّ مما هم عليه الآن في هذه الأوقات، فها هي حالهم تزداد من سيءّ إلى أسوأ، حيثما نظرت، ففي شرق كوردستان لا زال الطاغوت الطائفي ينصب لشبابنا المشانق في الساحات العامة وكأن أزدهاك حيّ يرزق ويفتك بهم متى وكيفما شاء، دون رقيبٍ أو حسيب، وفي شمال كوردستان وصل القمع حيال الشعب الكوردي إلى درجة أن السلطة الإخوانية المتزمتة تفعل ما تشاء في المناطق ذات الأغلبية الكوردية، فتطرد نواب الشعب المنتخبين ورؤساء البلديات لمجرّد أنهم كورد ذوو اتجاه فكري مختلف وسياسةٍ تعارض سياسات الرئيس أردوغان الذي يتقلّب في مواقفه كل يوم وكأنه جالسٌ خلف طاولة قمار في أحد النوادي وليس في مقر رئاسة لدولة كبيرة، ولا يكتفي الطورانيون بذلك العداء لشعبنا في شمال كوردستان، وإنما يسعون إلى السيطرة على أراضي واسعة من غرب وجنوب كوردستان يذريعة أن هذه الأراضي التي يسكنها الكورد منذ فجر التاريخ البشري كانت في يومٍ من الأيام خاضعة لسلاطين آل عثمان إدارياً، وهي ذريعةٌ تافهة لأن سوريا برمتها كانت في زمنٍ من الأزمان تابعة للإمبراطورية الرومانية، والعراق كان خاضعاً لملوك الفرس… فهل للإيطاليين والفرس حقٌ في سوريا والعراق؟
ونرى وضع الكورد في اقليم جنوب كوردستان ليس على ما يرام، رغم مرور ثلاثة عقودٍ على نيلهم الحرية التي كافحوا من أجلها عقوداً من الزمن وقدموا لها التضحيات الجسام، فالاقليم يبدو وكأنه كائنٌ برأسين (دو سري)، فالإدارة في بعض المحافظات غير الإدارة في سواها، والديون تثقل كاهل الحكومة في هولير التي تسعى جاهدة لبناء المشاريع الضخمة رغم ندرة الأموال التي تصل إلي أيديها من الحكومة المركزية، والكورد في الاقليم لم يجنوا ثمار الاستفتاء على الإستقلال حتى الآن، بل صدّهم المجتمع الدولي عن نيل استقلالهم رغم أنه كان استفتاءً ديموقراطياً حاز فيه المطالبون بالاستقلال بنسبة تقارب ال93% من أصوات الشعب الكوردي، ونرى الارتجاعات السياسية في الاقليم مع الأسف، رغم العلاقات الاقتصادية والسياسية الجيدة مع العالم الخارجي وزيارات الشخصيات الهامة في العالم للاقليم، ومن أبرزهم بابا الفاتيكان، فوصل الأمر لدرجة أن إدارة السليمانية التي في أيدي الاتحاد الوطني الكوردستاني وحلفائه تسعى لدكّ الكيان الفيدرالي الكوردستاني والتحوّل إلى أحضان الحشد الإيراني في بغداد الذين يعملون على نسف الاقليم الكوردي وإقامة “جمهورية العراق الإسلامية” كخطوةٍ لضمها للامبراطورية الفارسية، وذلك من خلال تشكيل هيئة عراقية دستورية عليا على غرار ما يسمى بمجمع رعاية مصالح النظام في إيران، وإن مجموعةً ممن يفترض فيهم أن يكونوا مندوبين عن الشعب الكوردي في البرلمان العراقي يقفون ضد إرادة شعبهم على الدوام وهم منحازون إلى الذين يريدون ويعملون لتدمير الاقليم الكوردي الذي أقّر الدستور العراقي وجوده ومنحه صلاحياتٍ دستورية محددة. فحقّ للشعب الكوردي أن يطلق عليهم اسم (الجاش الجديد) ومن السياسيين الكورد من ساهم في تنفيذ مخطط الزعيم الايراني قاسم سليماني لانتزاع كركوك (قلب كوردستان) كما سماها القائد الأسطورة مصطفى البارزاني و “قدس الكورد” كما قال عنها الرئيس العراقي السابق جلال الطالباني، وفي شنغال (سنجار) الكوردستانية نجد التعاون التام بين قوات حزب العمال الكوردستاني والحشد الشعبي المعادي للكورد وكوردستان ضد إرادة شعبنا وقواه الوطنية التي توصلت إلى اتفاقٍ واقعي وعملي مع الحكومة المركزية في يغداد.
أمّا في غرب كوردستان التي يحق لنا تسميته ب(ميتانيا) نظراً لأن تلك المنطقة كانت برمتها جزءاً من المملكة الميتانية العريقة في القدم، ينطبق المثل الكوردي على كوردنا هناك: سقط من الجمل ولا زال يطنطن – Ji hêştir ketiye û hîn jî dike hophop، فإن ثلاثة مناطق هامة وأساسية من اقليم ميتانيا تحت الاحتلال العسكري التركي وتتعرّض للنهب والسلب والتغيير الديموغرافي، بحيث بدأ العالم الحر – الديموقراطي يشعر بأن وضع الكورد تحت الاحتلال التركي وسطوة التنظيمات الإرهابية قد أصبح شبيهاً بما عليه وضع شعب الروهينغا في ميانمار، حيث التقتيل والتعذيب واغتصاب النساء والاستيلاء على الممتلكات الخاصة والعامة وطرد العوائل من منازلهم لإسكان الغرباء عوضاً عنهم، وبخاصة في منطقة جبل الكورد ومركزها عفرين في أقصى شمال – غرب ميتانيا. وهذا ما كان ليحدث لولا السياسات الخاطئة لفصائل من الحراك السياسي الكوردي منذ اندلاع الثورة السورية ضد نظام العائلة الأسدية على وجه الخصوص.
وها نحن نجد المثقفين والناشطين الكورد إجمالاً في وضع شعراء العرب القدامى وهم ينشدون أشعارهم على أطلال الحبائب، فحيثما تنظر تجد لقاءاتٍ ونقاشاتٍ وطلعاتٍ إعلامية في وسائط التواصل الإجتماعي ومقالاتٍ باللغات المختلفة وتأوهاتٍ للمطربين المتألمين بسبب ما جرى لشعبنا وما يجري حتى الآن، حيث الحراك السياسي لغرب كوردستان يسجّل فشلاً يعد فشل وكأن زعماءنا غير قادرين على تأسيس منصةٍ مشتركة تليق بالأوضاع التي يعيش فيها شعبنا الآن، أو لا يرغبون في بنائها أصلاً.
إلاّ أن قلوب الكورد مفعمة بالآمال في أن نوروزهم في هذا العام بعد أكثر من 2600 عاماً من دحر طغيان أزدهاك سيكون بدايةً للتحرير والخلاص من نير العبودية للآخرين، فإن راية كوردستان تخفق على ذرى جبالنا المروية بالدماء، وحيث نرى تجمعات وتظاهرات ولقاءات الكورد، في شتى أنحاء العالم، ونشيد أي رقيب نسمعه في كل اجتماعٍ للبيشمركة ولمتسبي الأحزاب ومدارس الكورد، وصور القادة العظام وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد (القاضي محمد) والرئيس الخالد (مصطفى البارزاني) في كل مناسبة قومية كوردية في العالم، والآلاف من شبابنا يسعون كل يومٍ جديد لتعلّم لغة آبائهم وأمهاتهم التي حاول الطواغيت منعها والتضييق على الذين يكتبون بها لعقودٍ طويلةٍ من الزمن. وهذا دليلٌ ساطع على أن الكورد أمةٌ متميّزة عن سواها وتكافح من أجل حريتها واستقلالها وهي مستعدة لدفع الثمن كما قال عنها جواهر لال نهرو في رسالةٍ بعث بها من السجن لابنته.
نعم، إن الغناء وانشاد الشعر على أطلال الماضي الكوردي مهمٌ لأن القوم الذي ينسى تاريخه لن يستطيع بناء مستقبله بشكلٍ صحيح وجيد، وفقدان الأمل يدفع بالإنسان إلى اليأس والقنوط والضياع. لذا على الكورد النضال من أجل إعادة إحياء كل النقاط المضيئة في تاريخهم وتذكّر كل المذابح والانتكاسات والهزائم المريرة وجداول الدماء التي سالت منهم على طريق الحرية، كما عليهم الاستمرار في اتحادٍ وتضامن واتفاق بين سائر مكوناتهم وطبقاتهم وطوائفهم ومذاهبهم لانتزاع ما هو حقٌ لهم أسوةً بكل شعوب الأرض من دون أن يفقدوا الأمل.
وأهمس هنا لهم بألا يقنطوا من رحمة الله…
فإنه لا ييأس من رَوحِ الله إلا القوم الكافرون…