ماذا لو كان (جورج واشنطن، أول رؤساء الولايات المتحدة الأمريكية، وقائد الحركة التحررية) كرديا، هل كنا سنخونه، أم نتهمه بالعمالة غير المباشرة، أم أداة أحد القوى الإقليمية الذين يستخدمونه لتدمير القضية الكوردستانية؟ لماذا لم يتهموه أصدقائه بالعمالة لبريطانيا؟
هرع أحد الجنرالات الذين كانوا يحاربون البريطانيين من أجل استقلال أمريكا، إلى مكتب جورج واشنطن، ليقدم له معلومات استخباراتية عن خيانة بعض أصدقائه بينهم قيادات في الجيش، الذين بإمكانهم تغيير مصير قواتهم المواجهة للجيش الملكي البريطاني، طالبا منه أن يقوم باعتقالهم وتقديمهم إلى المحاكمة العسكرية وإعدامهم، وهو يقدم له الإثباتات الدامغة.
وبعد اجتماع مستعجل، طلب جورج واشنطن من القيادة العسكرية التكتم على القضية، وعدم إثارتها، ذاكرا أن الإعلان عن خيانتهم وتصفيتهم ستؤدي إلى انعدام ثقة الفرنسيين وهم الذين يساعدوننا، كما وأنها ستحبط معنويات جنودنا والمجتمع الأمريكي، وبالتالي ستستغلها بريطانيا معنويا. وفعلا وبعد نقاش وحوار وافق الجميع على رأيه، وظلت تلك المجموعة المتعاملة مع المستعمر ضمن الجيش، إلى أن تم طرد البريطانيين، والذين ظلوا أحياء قدموا إلى المحاكمة، ومصيرهم مسألة طويلة لا أظن أن طرف من الحراك الكوردي يمكن تصوره، أو سيتمكن من بلوغ سوية القرار.
تلك المسيرة التاريخية الناجحة والصعبة تقبلها، عبرة ومثال لكل حركة تحررية، وفي مقدمتها حراكنا الكوردستاني، سادت فيها وعي القيادة؛ حيث المواقف الوطنية التي تجاوزت أراء شريحة ما، وعامت فوق الخلافات الجانبية، وهو ما يفتقر إليه حراكنا الكوردستاني وقيادته، والتي رغم العقود الطوال من الصراع مع الأعداء، لم تتجاوز حتى اللحظة الخلافات الحزبية وتضارب المفاهيم، ولا شك أن عدم الاقتداء به سيستمر ديمومة التبعية للمحتل، وستظل انعدام الوعي الوطني والثقة بالذات مهيمنا، لأن الوعي والثقة الكاملة بما كان عليه جورج واشنطن وإدارته هي التي جعلته يهيم بمواقفه فوق الأخطاء الجانبية.
الوعي العام والإٍيمان بالوطن القادم مكنتهم من بلوغ غايتهم، أدركوا معنى الاستقلال، وتحقيق أمال الشعب الأمريكي؛ علما أنهم كانوا لا يزالون في طور التكوين. وبالمناسبة جورج واشنطن والذين وافقوا على رأيه هم من كتبوا دستور أمريكا والذي يكاد أن يقدس، ويعتبر أحد أفضل الدساتير الديمقراطية في العالم.
وللتاريخ، القائد الخالد (ملا مصطفى برازاني) ربما هو القائد الكوردستاني الوحيد الذي أمتلك هذه الخواص، وطبق منهجية مماثلة لمنهجية جورج واشنطن، ولذلك أصبح زعيم كوردستاني بامتياز يقود ثورة بصفات كوردستانية بدون جدال، أما دعاة من يقولون إنهم ينتهجون دربه، فهو ليس بأكثر من قول دون فعل.
ومن المؤسف، نحن في الحراك الكوردستاني، وبعد قرابة 250 سنة من جورج واشنطن، نخون؛ ونحكم على كل من يخالفنا الرأي بما هي ودب من الاتهامات، وعلى البعض من قيادات الأحزاب الكوردية والكوردستانية بالعمالة للأطراف الإقليمية، ونطعن في مصداقية أطراف من حراكنا جلها بدون إثباتات، مستندين على التخمين والتحليل والتأويل، نشهر ببعضنا في الإعلام وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، وأمام الأعداء والأصدقاء، إلى أن أصبحنا كحراك ومجتمع بلا وزن واعتبار أمام الأخرين.
بل وبعض الأطراف من حراكنا الكوردستاني لم يكتفوا بذلك، بل قاموا بالتصفيات والاغتيالات، وهدروا دماء الأبرياء قبل الكوادر السياسية والثقافية، وبها: أعدموا ثقة الشعب الكوردي والكوردستاني بحراكه، وقدموا خدمات جليلة للأعداء، وأحبطوا ثقة القوى الدولية بنا كحراك وأمة، إلى درجة اصبحوا يخافون على مصالحهم من التعامل معنا، وهو ما أدى إلى تغيير أو تعديل مواقفهم معنا مقارنة مع القوى الإقليمية، وفي الواقع جلها ناتجة من العامل الكوردي الذاتي.
والسؤال:
1- هل سيتمكن حراكنا الكوردستاني (السياسي والثقافي) يوما ما من تجاوز خلافاته وسيفضل المصلحة الوطنية على الحزبية؟
2- هل قيادات الحركة الحزبية، تملك تراكما معرفيا تخولها لقيادة المجتمع، وهل وعيها الوطني تتجاوز مصالحها أو انتماءاتها الحزبية؟
3- هل بإمكانها التخلي عن القيادة بعد كل هذا الفشل وابتعاد المجتمع عن الحراك الحزبي، أم أنها مسلوبة الإرادة؟
ماذا لو تركنا الأحزاب على سجيتها، لتصعد من خلافاتها، ونشجعهم على مبدأ البقاء للأقوى، أو الانقراض؟ فكما نعلم الأقوى هو الذي يحصل على دعم خارجي. فكما نرى أن المطالبة بالتحاور وتجاوز الخلافات وتأجيلها إلى مرحلة ما، والنقاش على خلفية معرفية، وتعويم الغاية الوطنية، تدرج ضمن حقل جبن المواجهة، وكثيرا ما تبتذل، ولا اعتبار لها. وبالمقابل إثارة الخلافات وتصعيد التخوين والطعن في الأخر، يقدر، وتحترم الشريحة المروجة لهذه المفاهيم، وتنتشر تهمهم بشكل أسرع وأوسع كلما كانت أبشع وأعمق.
ومن الغرابة أن الشريحة الأخيرة، وما يراه من الدعم الصادر من المجتمع الحزبي المماثل لهم، أصبحت تصدق ذاتها وكأنها تمثل الحركة التنويرية في المجتمع الكوردستاني، على أنها تقدم خدمة وطنية، غير مدركة أنها تدمر وعي ومدارك المجتمع والأمة، وتفتح الأبواب للأعداء على مصراعيه.
نعيش الكارثة، فمن لا يراها هم الذين يطالبون بتجاوز الخلافات، وفي الواقع الفعلي يعملون ضدها، ومن المؤلم أنهم الأكثرية في المجتمع، فكم الديمقراطية هنا فاسدة.
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@mail.com
24/3/2021م