روماف – مقالات رأي
صلاح بدر الدين
يجمع علماء التاريخ ، ومفكرو حركات الشعوب التحررية ، على جملة من المسلمات بشأن ذاكرة الشعوب حول تاريخها السالف ، واللاحق ، والآني ، بالتأكيد على : ” إن أردت أن تلغي شعباً، ما عليك إلا أن تهز ثقته في ذاكرته وتشل ماضيه لتعطيل حاضره ، ولا يوجد أسوأ من أن تنسى الجماهير تاريخها، وعندما يغفل الشعب عن ماضيه الحقيقي ويستبدل بتاريخ مزيف مخالف، حينها سينسى الشعب من هو، وكيف كان، والاخطر أن من حوله ، وكذلك العالم سينسوه أيضاً “.
بعض تعبيرات الحركة السياسية من ضمن الجسم الأوسع للحركة الوطنية الكردية وأخص بالذكر – البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي – ، من ١٩٦٥ وحتى ٢٠٠٣ ، أي نحو أربعين عاما ، ليس الا نموذجا مصغرا معبرا في مجال موضوعنا هذا وأقصد اقتضاء مصالح أكثر من طرف للتعاون على امحاء آثاره من الذاكرة ، بعد نجاح نفس الأطراف تقريبا في القضاء عليه كحزب وتنظيم ، وقيادة مركزية موحدة ، ولكن لماذا ؟
ببساطة وبمعزل عن – الحزبوية الضيقة – ومن دون سرد التفاصيل المتشعبة ، لأن هذا الاتجاه الفكري والسياسي المتقدم المعبر عن إرادة الكرد السوريين ، ونخبه الأكثر تقدما وثقافة ، ومناضلوه ألاكثر تضحيات ، وأعمق وعيا بدروب وتعقيدات القضية الكردية السورية ، قد تصدروا العمل القومي والوطني الكردي لنحو نصف قرن ، لأنهم أدركوا أسباب أزمة حركتهم ، وتجاوزوا كل التفسيرات السابقة ( من شخصنة ومناطقية وتكتلاتية ) للصراع الداخلي ضمن صفوف الحزب الكردي السوري الأول .
وذلك بوضع الاصبع على الجرح ، وتحديد مكامن وأسباب الازمة التي كانت فكرية – سياسية – ثقافية تتعلق بتعريف الكرد وجودا وحقوقا ، والدور الوطني ، والموقع الكردستاني ، وفرز الأصدقاء من الأعداء والخصوم ، وتحقيق منجزات في نشر الوعي القومي الديموقراطي ، وتعميم ثقافة قومية ووطنية ، وطرح قضية كردية سورية واضحة المعالم ، لدى الرأي العام السوري والعربي عبر البوابتين اللبنانية والفلسطينية ، وكذلك في البعدين الكردستاني والاممي ، عن وجود الكرد التاريخي كشعب من السكان الأصليين ، ناهيك عن التمكن من استثمار العلاقات السياسية للانفتاح على العالم ، بارسال المئات من الطلبة المحتاجين الى دول أوروبا الشرقية للتعلم ، وبناء الصرح الثقافي الرفيع ( رابطة كاوا للثقافة الكردية ) ببيروت ، أولا ثم ، أربيل ، وتاليا القامشلي .
تلك الحقبة التاريخية المضيئة في تاريخ حركتنا والتي شهدت تعريتنا لمخطط النظام المنبثق من تقرير أو دراسة – محمد طلب هلال – والتصدي لنتائج الإحصاء والحزام ، أي وضوح قضايا الصراع مع النظام الشمولي ، الشوفيني ، واتمام عملية الفرز بين من يواجه النظام ، وبين من يواليه من الأحزاب الكردية ، وبين من يقف مع الثورة الكردية بقيادة الزعيم الراحل مصطفى بارزاني قولا وعملا ، ومن يقف بالضد منها ومع المنشقين عنها .
تلك الحقبة التي اضطر فيها النظام بسبب مارآه خطرا من وجودنا ونضالنا ، الى تنظيم مؤسسة أمنية خاصة بالملف الكردي ، وارسال محمد منصورة لتولي المسؤولية ، والبدء بتنفيذ استراتيجية – تكريد الصراع – ، والتي شهدت أيضا ظهورخطة نظام حافظ الأسد الوقائية عبر عقد اللقاءات الثنائية ، والثلاثية ، والرباعية ، في دمشق ، وانقرة ، وطهران ، وسرا مع نظام بغداد ، من اجل حبك الدسائس والمؤامرات على الحركة الكردية بالمنطقة ، وخاصة استهداف منجزات شعب كردستان العراق .
كل تلك الاحداث والتطورات تعج بالتفاصيل والخفايا وذات علاقة مباشرة بنضالنا ، وتاريخ حركتنا وحزبنا – سابقا – في سوريا ، وفي الأعوام الأولى من تلك الحقبة المضيئة تبلور ضمن الاطار العام للحركة القومية الكردية بالمنطقة ، التياران الرئيسييان القومي الديموقراطي المعتدل ، والقومي المغامر الذي خرج من رحم الأنظمة الإقليمية المقسمة للكرد ووطنهم ، وكنا جزء مميزا فاعلا من التيار الأول .
نعم هناك من يسعى الى امحاء أو تشويه ذاكرة شعبنا التاريخية المتعلقة بتلك الحقبة المضيئة الغنية بالدروس ، من أدوات نضالية ، ورموز ، ومشروع قومي ، والقفز من فوقها ، والهدف كما تدل مجريات الاحداث مزدوج ١ – تحطيم عوامل الحصانة ، والقوة ، المتمثلة في ذاكرتنا الحضارية التي تشكل جزء من هوية شعبنا النضالية ٢ – قطع الطريق على أية مبادرة أو مشروع لاضاءة الطريق من جديد ، واستكمال المهمة التاريخية التي بدأت منذ خمسة عقود ولم تنجز بشكل كامل ( ومثل هذه المدد الزمنية طبيعية في حياة الشعوب ) وذلك على درب إعادة بناء الحركة واستعادة شرعيتها ، وعافيتها ، ووحدتها ، من خلال المؤتمر الكردي السوري الجامع .
لقد حددت في مقالة سابقة ستة جهات وجماعات ، معنية بتاريخ حركتنا ، وبتلك الحقبة المضيئة على وجه التحديد : ( النظام – فرسان الانشقاق باشراف – الضابط الأمني محمد منصورة – جماعات ب ك ك – جماعة الاخوان المسلمين السورية – قيادة الاتحاد الوطني الكردستاني – العراق – بعض قيادات الانكسي ) ، وذكرت أيضا الخيارات المتاحة امام تلك الأطراف : اما الرضوخ لمنطق الحوار ، والاعتراف بالخطأ ، والاعتذار للشعب ، وفتح صفحة جديدة منتظمة للحوار الحضاري الكردي الكردي ، أو ردود أفعال متسرعة ، هيستيرية ، عدوانية ، لامسؤولة .
الأهداف المضادة في مسلسل امحاء أو تشويه الذاكرة الجمعية التاريخية لشعبنا
١ – امحاء دور الكرد والحركة الكرردية في سوريا ، باعتبارهم متسللون ، طارئون .
٢ – ا الاستخفاف با الحركة واظهارها بمظهر مجرد اشخاص يبحثون عن مصالحهم ، وتاريخها بمجرد صراعات شخصية ، وذلك لتحقيق موقف الأنظمة وهدفها في انكار وجود شعب وحركة مناضلة تعبر عن مطامحه .
٣ – من اجل اثبات ان – ب ك ك – هو البديل ، والمنقذ .
٤ – من اجل دحض الحقوق المشروعة على قاعدة مبدأ تقرير المصير ، وتخطئة ( البارتي اليساري – الاتحاد الشعبي ) أي مدرسة الخامس من آب لعام ١٩٦٥ في تجديد الفكر السياسي الكردي السوري ، وإعادة تعريف الكرد ، والحقوق ، والتنظيم السياسي ، والمصالح القومية والوطنية ، وعلى ضوئها طبيعة التحالفات ، وتمييز الأصدقاء من الخصوم .
٥ – اثارة الفتن البينية ، وشخصنة الصراع الفكري ببعديها القومي والثقافي ، للتمهيد بتمرير المخططات التصفوية ، والايحاء بان الإنقاذ يمر بإدارة الأحزاب الفاشلة للمصير الكردي السوري .
في الحلقات الأربعة ركزت على سرد الحقائق ، وتسليط الضوء على المفاصل الأساسية ، والقضايا الاستراتيجية ، مثلا لم آتي على ذكر – فؤاد عليكو – الا نصف دقيقة من أصل – ٢٢٠ – دقيقة في معرض الكشف عن مخطط – منصورة – لشق حزبنا من خلاله مقابل توظيفه في برلمان النظام ، بل وقفت على قضايا استراتيجية وتاريخية هامة تمس ماضي وحاضر ومستقبل الكرد السوريين والحركة الكردية عموما بعكس ما أشار احدهم خطأ مقصودا ان قضايا لقائي الموسع انحصرت بين فلان وفلان .