روماف – شعر
هوشنك أوسي
قادني صمتي إلى حبل المشنقة.
يا ليتني تكلّمت.
صوتي دلَّ كتيبة الإعدام على مخبئي.
يا ليتني تكّلمتُ أكثر.
الجبال تخوّنني، والأنهارُ تخونني.
الكهوفُ تراني صديقاً قديماً، وجدولاً عابراً، يخطط القيامَ بعصيان.
ضدّ مَن؟ ولأجل ماذا؟ لا أحد يعرف!
حذفني المطرُ من لائحة الأصدقاء.
عشيقاتي حذفنني من دفاتر مذكّراتهن.
حين كنتُ دالية عنب، اجتاحتني البراري.
وما أن غدوتُ شجرة جوز، النسوة النائمات في القصائد،
علّقن ملابسهن الداخليّة على أغصاني.
أمّا الآن…
صمتي قادني إلى حبل المشنقة.
يا ليتني تكلّمت.
صوتي دلَّ كتيبة الإعدام على مكاني.
يا ليتني تكّلمتُ أكثر وأكثر.
***
لا عُذرَ للرّيح، إن تأخّرت.
لا عُذرَ لليل، إن تمادى في صمتهِ وظلامهِ.
عليهِ الاعتذارُ من الأحزان المؤجّلة بسببهِ.
لن تغفرَ لهُ سنوات العار، صحاري الندم، طاولات القمار، وحانات القراصنة.
لن تغفرَ له الدروبُ الحميمةُ خذلانَهُ.
لا عُذرَ للرّيح والليل، إن تحالفا مع الحزن ضدّي،
قالها ذئب، راثياً صديقاً قديماً.
***
البارحة، انشغلتُ بوداع صديقة عزيزة جدّاً.
كانت ترتّب لي سريري، خزانة ملابسي، مكتبتي،
تقرأ نصوصي بشغف ولهفة.
قاسمتني نومي، يقظتي وأسفاري.
قرأت فناجين قهوتي، شاركتني كأس نبيذي.
خففت مِن آلامي، حملت عنّي بعض أحزاني.
صديقةٌ وفيّة جدّا، لئيمة وثريّة جدّاً.
لازمتني أكثر من ظّلي، لألف عام.
بَكت بالنيابة عنّي، مئة عام.
حاولت رسمَ بورتريه لي، ولم تكملهُ.
قررت مغادرتي، تاركةً اعترافاً خطّيّاً بالفشل.
صديقة تسمّونها الماضي، وأُسمّيها النّدم.
اليوم، تؤرّقني كتابة قصيدة عن قطّة بلجيكيّة رائعة.
عملت موديلاً عند رسّام، أنجب منها؛
خمسين لوحة، أربعين قصيدة، ثلاث روايات،
وسبعة أطفال.
قطّة وجدتها فجأةً على سريري، في مكتبتي، بين قصائدي.
حين يكتمل القمر، تكتمل.
وحين يغيب، تتحوّل إلى أقمار.
تقفزُ من قصيدةٍ إلى أخرى،
من جرحٍ إلى آخر، وتنغرس في قلبي كحرب.
قطّة رائعة، تسمّونها الغربة، وأُسمّيها؛ العزلة.
غداً، أمامي مشاغل كثيرة:
كتابةُ رسالة لصديقة معتقلة.
شراءُ هديّة لحارس مقبرة، وشرب فنجانِ قهوةٍ معهُ.
زيارةُ متحف حربي، قررتُ ارتيادهُ منذ عشرين سنة.
حضورُ أمسية شعريّة لشاعرٍ تافه.
تلبيةُ دعوة مومس على العشاء في مطعم فاخر.
قراءة مخطوط رواية صديق.
وسط هذه المشاغل، ككلِّ يوم؛ أنسى أن أموت.
25/06/2021
أوستند