روماف – حوارات
حاوره : عزالدين ملا
قال فرهاد حاجو الشاهد على أحداث كبيرة في وطنه وفي المهاجر الاوربية، عندما غادرت الوطن كانت كوردستان
سوريا تعيش حالة صعبة جداً. كان حزب البعث قد نجح في تمرير كل مشاريعه العنصرية و النخبة السياسية الكوردية كانت تمر بحالة يرثى لها من الانشقاقات و الخلافات التي كانت تقودها أغراض شخصية بحتة بحيث بدأت الأحزاب تسمى بأسماء سكرتاريتها. و أيضاً كانت ثورة أيلول في كوردستان العراق بعد مرور خمس سنين من انطلاقها تتعرض ايضاً الى عملية انشقاق قام بها عدد من اعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني هناك بقيادة ابراهيم احمد و جلال الطالباني.
وأكد في حوار خاص مع صحيفة” كوردستان” بعد ابتعادي لفترة عن الأنشطة الحزبية في منتصف التسعينات عدت كعضو نشيط الى صفوف الحزب حيث كنت انتدب للاشتراك في كونفرانسات و مؤتمرات فرع الحزب في أوربا. آخر مؤتمر اشتركت فيه كان في نهاية التسعينات و الذي انعقد في هولندا. لست متأكداً من التاريخ و لكنني أظن بأنني تقدمت بإستقالتي من الحزب الديمقراطي الكوردستاني- عراق في نهاية عام 2009 ، حيث كنت مسؤول لجنة الحزب في شمال السويد، و انتسبت الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا و ما زلت عضواً فيه حتى هذه اللحظة.
وفيما يلي نص الحوار مع الأستاذ فرهاد حاجو :
فرهاد جميل حاجو.. الشاهد على أحداث كثيرة من مراحل متعددة لا يسعنا التحدث عن كل مجرياتها هنا. بداية حبذا لو تحدثنا عن بداياتك في مرحلة الطفولة و الصبا؟
ولدت لأبٍ كان ينتمي الى عائلة معروفة من طبقة الأغوات (عائلة حاجو الهفيركي) مشهورة بتاريخها الوطني والاجتماعي وأم كانت أيضاً تنحدر من عائلة أغوات (عائلة فارو) وهي معروفة بتاريخها النضالي في شمال كوردستان. و بهذا جدي لوالدي هو حاجو آغا الهفيركي و جدي لوالدتي هو جميل جتو. أما طفولتي لم تكن تختلف عن طفولة أي طفل آخر من ذلك الزمان أي بكلمة اخرى كنا جميعاً جنادب حديدية كما يقول سليم بركات. درست الابتدائية في تربسبية و حيث بناية المدرسة كان يتألف من ثلاث غرف لخمسة صفوف و لم تكن لدينا مقاعد أكثريتنا كان يجلس على صفائح من التنك.
2- لماذا قررت السفر الى أوربا؟
منذ نعومة أظافري كنت مغرماً بكل ما هو اسمه سينما و صور متحركة لم أكن أترك فيلماً إلا وأحضره عدة مرات في مدينة القامشلي بصالاتها الثلاث الصيفية و الشتوية سينما حداد سينما دمشق و سينما فؤاد. و لهذا و بعد حصولي على الشهادة الثانوية العامة قررت السفر الى أوربا لأدرس الإخراج السينمائي.
3- و انت على عتبات السفر بعدة أسابيع، حدثت اعتقالات جماعية للسياسيين الكورد في ذلك الوقت 1966 و كان والدك من بينهم، كيف تذكر لنا حدث اعتقال والدك ورفاقه؟
أتذكر حتى الآن كذكرى مريرة، كان الوقت حوالي الثالثة فجراً و كنا نياماً فوق سطح المنزل، أيقظني والدي والذي كان متوتراً و قال لي استيقظ يجب ان ننزل الى باحة الدار، بمجرد ان فتحت عينيّ رأيت جنوداً متوزعين حول حافة سطح البيت. مع نزولنا من الدرج نحو الأسفل اصطحبنا اثنان من الجنود حيث كان بانتظارنا ضابط برتبة ملازم أول و عندما تقدمنا نحوه اقترب من والدي و لكمه على رأسه و هو يصيح ( يا رأس الأفعى). رد والدي: إنك شاب يافع و لن أعاتبك على تصرفاتك هذه و لكنني سأتحاور مع رؤسائك إن كان مازال هناك رجال بينهم يتصرفون بحكمة فصاح عليه الملازم و طلب منه أن يسكت و قال أنا لم آت الى هنا بدون أوامر رؤسائي. طبعاً نبشوا البيت من أوله الى آخره حتى كتبي المدرسية كانت مرمية على الأرض. هنا اتجه نحوي الملازم و قال لي و بيده كتاب الفتوة المدرسي: أتدرس العلوم العسكرية لتلتحق بثورة البارزاني؟ فقلت له و بكل اختصار إنه كتاب مدرسي مفروض علينا من قبل وزارة التربية في سوريا. بعدها أخذونا الى مخفر الدرك الذي كان على بعد أمتار عن بيتنا. في الطريق الى المخفر قال لي والدي بهمس غادر في أقرب وقت و لا تبقى هنا. فوجئت بكلام والدي الذي كان حتى ذلك الحين متردداً في الموافقة على سفري الى أوربا. في مخفر الدرك أطلقوا سراحي و أخذوا والدي بسيارة عسكرية مخفوراً بالجنود الى المعتقل. بعدها بأسابيع في منتصف شهر أيلول 1966 غادرت الى أوربا و كان والدي ما زال معتقلاً.
4- حسب تحليلك، لماذا قاموا بتلك الاعتقالات؟
لا شك انتم مطلعون على كتاب محمد طلب هلال الذي كان وزع كنشرة داخلية لحزب البعث بعنوان ( دراسة سياسية و اجتماعية و اقتصادية حول محافظة الجزيرة). وأظن ليس هناك داعي لشرح محتويات هذا الكتاب فقط اريد ان اقول بأن تلك الاعتقالات كانت تمهيداً لتنفيذ مشروع الحزام العربي بالاستناد الى ما كان قد اقترحه محمد طلب هلال في كتابه.
طبعاً النظام بخطوته تلك كان يحسب ألف حساب لردود الأفعال لدى الشعب الكوردي في سوريا و لا سيما كان نضال الشعب الكوردي في كوردستان الجنوبية التي كانت متمثلة في ثورة أيلول بقيادة ملا مصطفى البارزاني في أوجها. فالنظام كان مطلعاً تماماً على وجود تنسيق بين الكورد في غربي كوردستان و بين الكورد في جنوبي كوردستان، و كان يخشى أن تنتقل نار الثورة من الجنوب الى الغرب. فبدأوا بالضغط على الشخصيات الكوردية و الطلب منهم التبرؤ من ثورة البارزاني و إعلانه خائناً لهذا الغرض حضر رئيس الجمهورية العربية السورية في حينها أمين الحافظ بشخصه في طائرة هليكوبتر الى تربسبية” قبور البيض” بحجة حضور أربعينية عمي حسن حاجو و ليستغل هذه الفرصة في توصيل تهديدات النظام حيث طلب من والدي أن يرسل برقية تنديد بالثورة و بما يقوم به البارزاني و لكن والدي رفض بشدة. و هنا أريد أن أنوه بأن ملا مصطفى البارازاني قال لوالدي لدى زيارته له بعد إتفاقية 11آذار بأن قرار والدي برفضه إرسال برقية تنديد بالثورة و بملا مصطفى البارزاني كان خطأً كبيراً حيث خسرت الثورة دعماً مهماً من خلال خسارة آل حاجو لدورها في سوريا
طبعاً النظام لم يكتفِ فقط بهذا بل أرسل قوة عسكرية بقيادة فهد الشاعر لمساندة الجيش العراقي في حربه ضد الثورة. ولذا فإن الاعتقالات أتت تتويجاً لما سبق. و كخطوة احترازية بزج تلك النخبة وراء القضبان عند تنفيذ مشروعهم. حيث وصل عدد المعتقلين الى حوالي مائتين و أربعين شخصاً ينتمون الى شرائح اجتماعية مختلفة من الشعب الكوردي و تغطي مساحة تمتد من عفرين الى ديريك اعتقلوا جميعهم في توقيت واحد بحيث لم تسنح الفرصة لأحد منهم يعلم باعتقال الآخرين.
و لكن مع الأسف رد الفعل لدى الأحزاب السياسية الكوردية لم تكن على مستوى ما كان يخشاه النظام . فقد مرر هذا المشروع بدون أن يلقى أية مقاومة، بل على العكس بعض الأحزاب التي كانت تحسب نفسها يسارية وقفت موقفاً سلبياً أمام هذا الإجراء التعسفي.
5- كان سفرك الى أوربا عام 1966، كيف كانت الأجواء ضمن الجالية الكوردية في أوربا في ذلك الحين؟
عندما غادرت الوطن كانت كوردستان سوريا تعيش حالة صعبة جداً. كان حزب البعث قد نجح في تمرير كل مشاريعه العنصرية و النخبة السياسية الكوردية كانت تمر بحالة يرثى لها من الانشقاقات و الخلافات التي كانت تقودها أغراض شخصية بحتة بحيث بدأت الأحزاب تسمى بأسماء سكرتاريتها. و أيضاً كانت ثورة أيلول في كوردستان العراق بعد مرور خمس سنين من انطلاقها تتعرض ايضاً الى عملية انشقاق قام بها عدد من اعضاء المكتب السياسي للحزب الديمقراطي الكوردستاني هناك بقيادة ابراهيم احمد و جلال الطالباني.
طبعاً كان لا بد أن تنعكس هذه الأوضاع على الجاليات الكوردية في أوربا و منظماتها.
عندما وصلت الى أوربا كانت قيادة الحزب و قيادة الطلبة الكورد في أوربا تحت سيطرة أتباع إبراهيم أحمد و جلال الطالباني المتمثلة في شخص كمال فؤاد الذي كان يدرس الاقتصاد في احدى جامعات برلين الشرقية. فور وصولي اتصلت ببعض الأخوة من كوردستان سوريا منهم (محمد صالح دهوكي، محمد صالح جمعة، كمال جميل سيدو، حميد سينو ) الذين كانوا طلاباً في ذلك الوقت مستفسراً منهم كيفية التصرف باعتباري عضو في البارتي الديمقراطي الكوردي في سوريا، فأخبروني بأنني اعتبر بشكل مباشر عضواً في البارتي الديمقراطي الكوردستاني- تنظيم أوربا الذي كان يضم جميع المنتمين الى الأحزاب الديمقراطية الكوردستانية في الأجزاء الأربعة من كوردستان. بعد فترة وجيزة استطعت أن أفهم الوضع بشكل أوضح و هو بأن الأخوة المعارضين لجناح جلال الطالباني هم على اتصال مستمر مع قيادة البارتي الجديدة برئاسة ملا مصطفى البارازاني. و بهذا فقد أجريت التحضيرات لعقد كونفرانس لللبارتي يضم الأعضاء الذين كانوا يعتبرون من الموالين لخط ملا مصطفى البارزاني. بالرغم من مرور فترة وجيزة على انضمامي لصفوف الكتلة الجديدة فقد انتخبت عضواً ضمن المجموعة التي كانت تمثل ألمانيا الشرقية في الكونفرانس الذي عقد في برلين الغربية في نهاية عام 1966 بحضور عضو المكتب السياسي المكون جديداً المرحوم سامي عبد الرحمن.
أتذكر بأن عدد الحضور في الكونفرانس لم يكن كبيراً كما يجب و لكن الكونفرانس ضم ممثلين عن العديد من الدول الأوربية بما فيها الاتحاد السوفيتي و انتخب هيئة جديدة لقيادة تنظيم أوربا للبارتي.
بعد الكونفرانس و انتخاب الهيئة الجديدة كان يجب أن نتنافس مع الموالين لجناح ابراهيم احمد و الطالباني الذين كانوا يمثلون الأغلبية ضمن اتحاد الطلبة الكورد في أوربا و لهذا لم يكن المنافسة معهم سهلاً بل كان يتطلب منا مجهود كبير لانتزاع إدارة اتحاد الطلبة الكورد في أوربا من أيديهم.
لكننا و بعد نضال طويل و بمساعدة البارتي الديمقراطي الكوردستاني – العراق بقيادة ملا مصطفى البارزاني استطعنا انتزاع الاتحاد من أيديهم في مؤتمر اتحاد الطلبة الكورد الذي عقد عام 1969 في برلين الغربية حيث كنا قد حشدنا كل ما لدينا من امكانيات و بحضور أهم الشخصيات الكوردية في أوربا. و بالتحالف مع الحزب الشيوعي العراقي الذي كان لديهم أعضاء كثيرين ضمن الاتحاد.
عندما أرجع الى تلك الحقبة أضطر و أنا اشعر بغصة في حلقي الى إجراء مقارنة بين مؤتمر برلين الغربية عام 1969 للطلبة الكورد في أوربا -الذي استطاع فيه الموالون لنهج البارزاني النجاح بالسيطرة على اتحاد الطلبة الكورد في أوربا- و بين مؤتمر برلين الغربية عام1975بعد انهيار ثورة ايلول. لتوضيح مدى المحنة التي عشناها في هذا المؤتمر، يكفي أن أدرج هنا ما يعترف به عمر شيخموس بنفسه في كتاب ” جمرة تحت الرماد”:
(لأتحدث لك عن اليوم الأول من مؤتمر الطلبة. عندما دخلنا قاعة الاجتماع، كانوا قد علقوا صورة كبيرة للملا مصطفى البارزاني في القاعة و كان تصرفاً استفزازياً. اللجنة التي كانت تدير المؤتمر كانت مؤلفة من سيامند بنا و طارق عقرواي و آخرين، و أنا كنت المتحدث بإسم معارضة الطلبة كما اسلفت سابقاً. فقلت لإدارة المؤتمر: إن لم تنزل هذه الصورة فإننا سنخرج من الاجتماع. نحن في الاتحاد الوطني الكردستاني لم نعترض على وجود الصورة ، لكن الأحزاب الأخرى كانت مصرة على إنزال الصورة. حيث اتفقنا في الاتحاد الوطني الكردستاني على الا نستفز و نصبر حتى ننتهز الفرصة لإخراج رئاسة المؤتمر من ايديهم.