روماف – رأي
جان كورد – 24/12/2021
التضليل في اللغة الانجليزية له أكثر من 200 مفردة وتفسير ويشمل جوانب عديدة من تزييف الحقائق ونشر ما هو غير صحيح بهدف التأثير على الوعي وتدجين المعارضة والسيطرة على الناس، وهو قديم قدم التاريخ البشري، حتى أن جنكيزخان المغولي وصف جيشه على غير حقيقته فنشر الخبر الزائف عن ضخامة قواته بأنه مثل الجراد في كثرته، وكان الهدف من ادعائه بث الذعر في قصور الملوك التي كان يهاجمها ويدحرها واحداً بعد الآخر، ثم يرتكب فظائع لا تعد ولا تحصى بحق الشعوب التي يستولي على بلادها… وهناك التضليل الفكري والديني والسياسي والثقافي، وكلّ هذه الأشكال تستخدم اللغة التي قال عنها كارل ماركس بأننا جميعاً أسارى الكلمة، المنطوقة أو المكتوبة، بل لدينا الآن الكلمة المرئية في الإعلام المتلفز ووسائط التواصل الاجتماعي الالكترونية… ويلعب الانجليز دوراً ريادياً في ابتكار تفسيراتٍ مختلفة للمعاهدات والإتفاقيات، بحيث يضللون الآخرين بذلك عن الفهم الصحيح للنصوص الموقّعة من قبلهم. وبعد أن كتب الروائي العالمي جورج أورويل رائعته الشهيرة (1984) والباحثون يتحدثون عن (التضليل الأورويلي)، حيث يريد الكاتب إظهار ما تقوم به السلطات القمعية من تضليل صارخٍ في مجتمعاتها للسيطرة التامة على وعي وعقول وإرادة وتحويلهم إلى دمى وأجزاء من محركات عملاقة، كما رأينا في فيلم تشارلي تشابلن وهو يتحوّل إلى جزءٍ من ماكينة ضخمة ويساهم في أعمالها ساكتاً مطيعاً…
ما فعله الإعلام الشيوعي طوال حكم الشيوعيين في الاتحاد السوفييتي، كان نشر الكثير من المعلومات المضللة عما كان يسميه بالرخاء في ظل الشيوعية وب”الفساد والجوع والانهيار” في العالم غير الشيوعي، وكانت جريدة (برافدا – الحقيقة) لا تنشر من الحقائق إلا وتمزجها بالمعلومات المضللة عن كل ما يتعلق بالسوفييت، وما حملته من رايات تضليلية في الإعلام يذكرنا بقول فرعون مصر لشعبه (لا أريكم إلا ما أرى)، ثم انهار النظام وانكشف للعالم زيفه وضعفه وخطره على شعوب الاتحاد السوفييتي ذاته. ولم يكن الإعلام الصيني بأقرب إلى الحقيقة من الإعلام السوفييتي، أو أن الإعلام الكوري (الشمالي) أقل تضليلاً من الصيني، وما فعلته النازية الألمانية والفاشية الإيطالية في أوروبا والبعث العربي في كل من العراق وسوريا ببلدانها وبجيرانها من دولٍ وشعوبٍ وهي تستخدم إعلاماً تضليلياً مزيّفاً للحقائق على الأرض، قاد الملايين من البشر إلى الهلاك والممتلكات الخاصة والعامة للدمار، وها هي نتائج ذلك التضليل الشامل ظاهرة للعيان.
منذ اتفاقية سايكس – بيكو في عام 1916 وإلى يومنا هذا يهاجم الشيوعيون عبر إعلامهم في إيران والعراق وتركيا وسوريا كل القوى الكوردية الساعية لتحرير الكورد وكوردستان، ويشاركهم في تضليل الرأي العام العالمي الخمينيون الشيعة المعارضون لهم في الفكر والعقيدة، والإخوان المسلمون الذين يبدون في كثير من المواقف أشد حرصاً على استمرارية تلك المعاهدة الاستعمارية الجائرة، إذا كان الكلام يدور حول الكورد وقضيتهم العادلة، ولا يقل عنهم دفاعاً عن حدود سايكس -بيكو الطورانيون الذين لا زالوا يطمحون في ضم لواء الموصل (اقليم جنوب كوردستان) إلى تركيا والجزيرة في سوريا ومدينة حلب وسواها، أي أنّ الإعلام الطوراني، منذ قيام الجمهورية التركية في عام 1923 وإلى الآن، مع هذه الحدود عندما يتعلّق الأمر بالكورد ووطنهم الممزّق استعمارياً، ويتفق على ذلك الآتاتوركيون العنصريون والإسلاميون الذين يزعمون أنهم حماة الدين وسيعيدون للحياة عهد السلطنة العثمانية… وما كان هؤلاء وهؤلاء يستطيعون التأثير في الوعي الكوردي وتحريف مساره صوب الصهر في بوتقة الاستعمار الطوراني والتشيّع والعروبة إلاّ بتجنيد الجيش “المحمدي!” والمدرسة والمسجد والحزب والثكنة وتحوير العلوم والتاريخ وسرقة المفردات اللغوية والأغاني الكوردية وتسخير الطاقات الإعلامية والأفلام السينمائية بهدف التضليل الشامل للكورد وإخفاء الحقيقة عن العالم أجمع فيما يتعلّق بالسياسة التركية حيال الكورد والأرمن والعرب وسواهم وعن الشعب التركي قدر المستطاع.
ما يفعله الإرهابيون في شمال سوريا جرائم ضد الانسانية، وتغيير ديموغرافي للمنطقة الكوردية، وسرقة للآثار، وانتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان، وتدمير للبنى التحتية وللطبيعة أيضاً، في ظل الإحتلال التركي الذي نشر ولا زال ينشر إعلامياً وعلى أعلى مستويات السياسة العنصرية عن “قلة المكوّن الكوردي في المناطق المحتلة!” وعن “السلام الذي يعيشه فيه ما تبقى من المواطنين الكورد!”، في حين كانت نسبة الكورد لا تقل عن 79% قبل الاحتلال التركي، وهذا يتّم عن طريق إعلامٍ مضللٍ وكاذب ومنافٍ للحقائق على الأرض، والغاية منه تضليل المجتمع الدولي وإخفاء الجرائم التي كان يجب أن تصل إلى المحافل والمحاكم الدولية فور حدوث تلك الجرائم.
والمؤسف جداً هو أنّ بعض الاحزاب الكوردية / الكوردستانية وثلةٌ من الإعلاميين العروبيين العنصريين والمعارضين الذين يعيشون على موائد الأتراك في اسطانبول وأنقره، تخوض في ذات التيار الاستعماري التركي، سياسياً وإعلامياً، حين تقمّص حجم الوجود الكوردي في عفرين -مثلاً- فتزعم أن نسبة شعبنا في منطقة (جبل الكورد) هي ذاتها النسبة (30%) التي زعمها رئيس تركيا “الاسلامي!” بعد إحتلالها من قبل جيشه، وكأن ذلك “الإعلام الكوردي!” يخدم العسكريتاريا التركية وليس الشعب الكوردي، إضافةً إلى حملات التشهير والتضليل بحق الإخوة المناضلين في اقليم جنوب كوردستان، وعلى رأسهم السيد الرئيس مسعود بارزاني والحزب الديموقراطي الكوردستاني ذي التاريخ الكفاحي الذي لا ينكره سوى أعمى البصيرة.
ويجدر بالذكر هنا، أن بعض مرتزقة الحكومة التركية من “مثقفي الثورة ورجالاتها!” يعيدون الوجود الكوردي في سوريا إلى ما بعد الحرب العالمية الأولى، والتاريخ يثبت بأن الكورد الميتانيين – الهوريين والميتانيين أقاموا ممالك دامت لأكثر من قرنٍ من الزمن في ما يسمى بشمال سوريا اليوم.
لذا، من الضروري نسف الأسس التي يقوم عليه التضليل الإعلامي والسياسي والفكري والديني والثقافي المتمثل بإنكار وجود تاريخ ولغة وآداب وطموحات قومية كوردية، وهذا واجب الإعلام الكوردستاني المناضل، فإن تضليل شعبنا يساهم في استمرار تمزّقه وخلافات حراكنا الوطني الشامل، ويشوّه صورة الشعب الكوردي من كل النواحي أمام العالم الخارجي. ونحتاج إلى معهد أو هيئة ثقافية وعلمية وإعلامية للوقوف من خلال نشاطاتها وفعالياتها المستمرة في وجه كل حملات التضليل الزائف الذي تمارسه قوى الأعداء مجتمعة وعلى انفراد ضد قضيتنا الوطنية العادلة حسب الشرع الإلهي وحسب كل القوانين والأعراف الدولية.