جان كورد – 14/01/2022
على الرغم من أن حكومة الولايات المتحدة ستمنح الإدارة القسدية في “شمال شرق سوريا” دعماً مالياً يزيد عن 180 مليون دولار، للاستمرار في محاربة التنظيمات الإرهابية في المنطقة، وأن روسيا تحاول كسب هذه الإدارة إلى صفها، على أمل دخول شمال شرق سوريا حتى الحدود التركية والعراقية للسيطرة على منابع النفط ومكامن الغاز، وتسليم حصةٍ بسيطة من هذه الثروات لنظام التابع السوري والاحتفاظ بحصة الأسد منها بذريعة أن الجيش الروسي أنقذ سوريا من خطر الإرهاب والتقسيم وبحجة أن الروس قد دفعوا أموالاً طائلة من أجل انتاج البراميل المتفجرة والقنابل والصواريخ لإمداد القوات السورية لمدة العديد من سنوات الحرب، فإن المنطقة التي تقع تحت سيطرة قسد تشكّل جزءاً كبيراً وغنياً بالثروات البترولية والحيوانية والزراعية من سوريا، وهي الخزّان الأكبر من عدة وجوه للبلاد السورية عامةً، كما تقع المنطقة بين أضلاع مثلث سوري – تركي – عراقي، مما يجعلها ذات أهمية استراتيجية ودولية، في هذا الوقت على الأقّل.
وصحيح أن قسد قد شكّل رأس الحربة في القتال الذي شنّه التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الإرهابي منذ أن فرض ذلك التنظيم سيطرته على منطقة واسعة من حوض نهر الفرات وأسس لدولةٍ حسب آيديولوجيته العنفية الدموية، فكسب القسديون بذلك تأييد المجتمع الدولي وحصلوا على ما هو أعظم من التأييد، وبخاصة بعد فوزه في الملحمة الكوبانية الشهيرة بمساعدة التحالف الدولي وقوات الإخوة البيشمركة التي جاءت من اقليم جنوب كوردستان، وكذلك بعد المساهمة الفعّالة لمقاتلي قسد في الدفاع عن شعبنا الكوردي الايزيدي في منطقة شنغار داخل الأراضي العراقية، إلاّ أن كل تضحياته الهائلة من عدة آلاف من المقاتلين الأشداء لم تكسبه أي اعترافٍ دولي أو اقليمي سياسي به، ولا من قبل الأمريكان الذين سمحوا للقوات التركية في ظل الرئيس السابق دونالد ترامب بغزو منطقتي سرى كانيى (رأس العين) و ﮔرى سبي (تل أبيض) اللتين كان قسد يديرهما في ظل غياب سلطة الحكومة المركزية السورية، ولا من قبل الروس الذين فتحوا الطريق في مصيف كفرجنه للقوات التركية بالتقدّم من جهة الشرق بهدف الاستيلاء على مدينة عفرين، مركز منطقة جبل الكورد (كورداغ)، وبذلك تم دحر قوات قسد، بعد أقل من شهرين فقط مما كانوا يسمونه في إعلامهم ب”مقاومة العصر”، وخسر مقاتلو قسد المئات من رفاقهم ورفيقاتهم، ولربما الآلاف، وتم طرده من المنطقة كلياً، في حين أن تلك المنطقة التي لم تتعرّض حتى ذلك الوقت إلى كوارث الحرب السورية، قد صارت وكأن المغول والتتار اقتحموها عنوّة، فلم يراعِ المحتلون ومرتزقتهم السوريون حرمة دماء ومنازل وممتلكات الكورد، مسلمين وإيزديين، بل بدأ فيها الغزاة بعزف سيمفونية “التكفير” رغم أن في كل قريةٍ كوردية مسجد للصلاة، وشرعوا في النهب والسلب، حتى أفرغوا مراحيض الكورد من أدواتها ومستلزماتها، كما وضعوا أيديهم على مزارع الكورد وراحوا يقطعون الآلاف من أشجار الزيتون المباركة ويمارسون تحت أعين المحتل التركي سياسة التغيير الديموغرافي الجذري والشامل في المنطقة…
صحيحٌ أن القضية الكوردية قد تحوّلت إلى قضية دولية، بسبب الأحداث الجسام في عموم المنطقة، إلاّ أن عدم الاعتراف من قبل المجتمع الدولي بأي كيانٍ للكورد في سوريا حتى الآن يجعل المنطقة ذات الأغلبية الكوردية (من قبل الاحتلال والتغيير الديموغرافي) بين فكي كماشة، بين الجيش التركي من الشمال والتحالف الروسي – السوري – الفارسي من الجنوب لعدة أسباب، من أهمها عدم قدرة الكورد على تجاوز خلافاتهم البينية، على الرغم من أن وسطاءهم أقوياء العالم مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، فالكورد لا زالوا غير قادرين على جعل قرارهم المصيري قراراً كوردياً، ومنهم من يخفي هراوته العسكرية في عباءته وهو يجلس في قاعة الحوار الذي يتحوّل -مع الأسف- إلى قاعة خوار…
هذا الوضع المائل يجعل الكورد -في غرب كوردستان- أضعف من أن يستغلوا طرفي الصراع، السوري والتركي، لتحقيق ما يريدونه في هذه الظروف، فكيف ستلعب سيدتهم الدبلوماسية المسترجلة على الحبلين الروسي والامريكي في الوقت ذاته؟
الأمريكان لهم مصالح عظيمة في المنطقة عموماً وفي شمال شرق سوريا التي يتذرعون البقاء فيها بسبب تواجد داعش وسواها، ولكن الأهم لهم من التنظيمات التكفيرية التي تمّ إرهاقها وحصرها في رمال البادية السورية وأطراف من حوض الفرات، هو رغبتهم في ألا تقع سوريا كلها في قبضة الروس وألا تصبح جبهة أمامية لإيران وتابعها حزب الله اللبناني، في شمال اسرائيل، فهي قادرة على الاتفاق مع كل التنظيمات الآيديولوجية مثل حزب العمال الكوردستاني والفصائل الشيعية المسلّحة ومرتزقة السيد أردوغان أيضاً، كما اتفقت مع حركة طالبان مؤخراً، إلاّ أنها لن ترضى بأن يسيطر الروس على منابع البترول ومكامن الغاز في المنطقة الكوردية أو العربية في شمال شرق الفرات فهذا أهم من الكورد ومطالبهم، وحصولهم على حقوقهم أو عدم حصولهم عليها.
في هذا الوضع، حيث يسعى الروس إلى التقدّم شمالأً عبر الأراضي التي يسيطر عليها قسد، ويساعدهم في ذلك ما تبقّى من جيش الأسد، وحيث الأتراك يجهدون بكل السبل لقضم المزيد من الأراضي السورية ويعملون على هدم كل مشروعٍ كوردي في المنطقة، ليس أمام قسد سوى اللجوء إلى إخوتهم الكورد في اقليم جنوب كوردستان، رغم الجفاء بين الطرفين، فكل عاقلٍ يرى مثلما نرى أن الاتفاق بين الكورد مهما كان شاقاً فلن يكون بأصعب من الاتفاق مع نظامٍ لا يعترف بأي حقٍ للشعب الكوردي في إدارة نفسه بنفسه، أو مع من يقف وراء هذا النظام الذي دمّر بلاده وشرّد شعبه وعذّب عشرات الألوف من أبناء وطنه وعيونه على البترول والغاز الذي في أيدي قسد ليملأ بأموالها جيوبه وجيوب أعوانه وجيشه وأتباعه، وكذلك فإن الاتفاق مع “الإخوة الأعداء!” أسهل من إقناع المحتل التركي بالكف عن تنفيذ رغباته الطورانية الاستعمارية، والأمريكان الذين لهم مشاكل عويصة مع روسيا وإيران، وحتى مع تركيا التي تلعب على حبال موسكو وواشنطن بصعوبة بالغة، سيدعمون الاتفاق الكوردي – الكوردي في غرب كوردستان وبين الطرفين قسد والإخوة في جنوب كوردستان… والشعب الكوردستاني بأسره ينتظر أن يخطو القسديون هذه الخطوة الضرورية والهامة اليوم قبل غد.