بقاء الحالة الكردية بالمنطقة على ماهو عليه ، ينذر بعواقب وخيمة ، فالحركة السياسية وبكلمة ادق ( الحزبية ) وبالأخص – ب ك ك – ومتفرعاته ، وامتداداته ، أصبحت مصدر قلق بسبب مضيها ضمن الارتباطات الإقليمية ، وخدمتها لاجندات المحاور المتصارعة ، وبالنتيجة يدفع المواطن الكردي الثمن ، وتبقى القضية الكردية دون حل ، بل تزداد تعقيدا .
وفي هذا السياق وقبل الدخول بتفاصيل الموضوع من المفيد قراءة المقطع التالي من مقالة مطولة منشورة في موقع الميادين التابع لحزب الله اللبناني قبل يومين ، وهي تعبر عن وجهة نظر الدولة العميقة في ايران ، التي يتصدرها الحرس الثوري ، ومكتب الولي الفقيه :
” لا شكّ في أن التغيير الجذري العميق والهادئ في سوريا مطلب أساسي لكل السوريين، ولا يمكن لسوريا أن تتعافى وتسترد أبناءها إلا بالانطلاق نحو هذا المطلب، ويمكن لقادة جبال قنديل أن يؤدوا دوراً أساسياً في ذلك، فهم المفتاح الأساسي للحل بين دمشق وكردها في الشمال السوري، ولا عودة لعفرين وأهلها إلا من خلال العودة تحت مظلة الهوية الوطنية السورية، والتخلي عن جميع أشكال النزعات اللامركزية المُهددة لهم أولاً، بفعل العامل التركي القادر على استغلال هذا النمط، وتعزيز وجود جماعاته الموالية له في سوريا، بإنشاء إدارات ذاتية لهم، وبموافقة أميركية. كما يمكن أن يستمروا كمفتاح إغلاق في وجه تعافي الدولة السورية، برغم ما يحمل ذلك من مخاطر شديدة على الكرد عامة، الذين سيدفعون ثمناً باهظاً في صراع الفيلة الإقليميين والدوليين “.
كمايبدو فان توقيت نشر المقالة يتزامن مع فترة زمنية تعتبر مصيرية ، ومفصلية بالنسبة لجماعات – ب ك ك – في سوريا حول خياراتها بشان الاندماج الكامل ، والنهائي مع مؤسسات النظام كما يريده تيار واسع مدعوم من مركز قنديل ، ويشجعه المحتل الروسي ، ومراكز القرار الفعلي المرتبطة بطهران في نظام الأسد ، كما تاتي عشية انعقاد المؤتمر التاسع لحزب الاتحاد الديمقراطي الحاكم في سلطة الامر الواقع ، والذي لايتعارض مضمون بيانه الختامي بصورة عامة مع ذلك التوجه ، ومايعزز المنحى هذا ، الانتشار الواسع للقوات الروسية في بعض المناطق داخل نفوذ تلك الجماعات بما في ذلك مطار القامشلي ، وتحركات جيش النظام في خطوط التماس أيضا ، وكذلك التقديرات السياسية من جانب المتابعين بعدم ممانعة تركيا ، وحتى أمريكا في بسط نفوذ النظام وسلطته على كامل الأراضي السورية ، وهذا مايظهر في بيانات – استانا – ومايعتقد انه في صلب التفاهم الأمريكي الروسي الضمني بشان القضية السورية .
ماذا عن موقف إقليم كردستان العراق ؟
قبل اندلاع الثورة السورية كانت العلاقات حسنة بين الإقليم والنظام السوري ، والتواصل كان مستمرا ، وكان للأحزاب الكردستانية الرئيسية مكاتب وممثلون بدمشق ، والقامشلي ، وكان معبر – سيمالكا – سالكا بتنسيق ثنائي منظم بين إدارة أربيل ومؤسسة المخابرات العسكرية السورية التي كانت تشرف على الجانب الاخر ، اما بعد الثورة ظل موقف الإقليم بشكل عام محايدا بالرغم من تباينات سياسية بهذا الشأن بين الحزبين الرئيسيين من دون ان يمنع ذلك زيارات وفود مشتركة من الحزبين الى دمشق بين وقت وآخر ، وكان السيد رئيس الإقليم وخلال استقباله لوفود المعارضة يدعو الى التهدئة ، والحل السلمي ، ويعلن دوما انهم مع ما يقرره السورييون .
في السنوات الأخيرة لم تنقطع الصلات بين مؤسسات الإقليم والنظام السوري عبر الوسطاء احيانا ، وبشكل مباشر أحيانا أخرى ، مع استقبال القنصل السوري بسفارة بغداد بين الحين والأخر باربيل من اجل انجاز معاملات السوريين المقيمين بكردستان ، وبصورة مجملة وكما اعتقد فان موقف الإقليم العام في الوقت الراهن يستند الى التالي :
١ – يعلم الإقليم انه يتجاور ويتعامل مع سوريا كبلد ونظام محسوب على المحور الإيراني ، ويحاول الحفاظ على مصالح شعب الإقليم ومؤسساته الديموقراطية ، وذلك بإيجاد توازن دقيق بين حقيقة الهيمنة الايرانية على كل العراق ، وتبعية نظام الأسد أيضا لطهران ، والاشقاء بالاقليم لايهدفون الى الوقوف طرفا في الصراع السوري ، والاقليمي ، لانه وبحسب اطلاعي وضع الايرانييون شروطا ، وخطوطا حمر منذ عام ٢٠١١ بشان سياسات الإقليم حول نظام الأسد ، والثورة السورية .
٢ – وكما اعتقد فان اشقاءنا بالاقليم يعتقدون ان حل الازمة في سوريا ، وعودة المناطق الى مؤسسات الدولة حسب تفاهمات ، وتوافقات افضل لهم اقتصاديا ، وامنيا ، حتى منافذ العبور ، والتواصل الإنساني ستكون اكثر امانا من الحالة الراهنة المتسمة بالفوضى المقصودة من جانب سلطة الامر الواقع ، كما ان أي حل مستدام في سوريا سيسهل عودة مئات الالاف من اللاجئين من كردستان العراق الى سوريا ، مما سيخفف العبئ الاقتصادي كثيرا عن كاهل الإقليم .
وفي هذا المجال يختلف موقف الإقليم عن سياسات مركز قنديل بصورة جذرية ، فالاول لايريد التدخل بالشؤون السورية ، ولايريد التحول الى طرف في الصراعات الداخلية ، ويقف مع كل مايقرره السورييون ، اما مركز قنديل فانه اصبح طرفا منذ البداية الى جانب نظام الأسد ، ومحور طهران – دمشق الممانع ، ويسعى الان ان يكون جزء من سلطة النظام الفعلية عسكريا ، وامنيا ، واقتصاديا وذلك ليستمر في سياسته المعادية لجميع الحركات السياسية الكردية في المنطقة ، وليتاهل اكثر في قمع الكرد السوريين المختلفين هذا اذا مااستجاب النظام لمطالبه ، واذا بقي هو مستمرا في الموقف السابق وعلى الاغلب وبكل اسف سيستمر .
لاحاجة الى التأكيد ان الكرد السوريين ليسو جزء من الحياة السياسية في العراق ، وتركيا ، وايران ، وليسو طرفا مباشرا في صراعات الساحات الثلاث الداخلية ، نعم انهم مع حق كرد الدول الثلاث في تقرير المصير ، ومع الحلول السلمية ، والتوافقات الوطنية ، وضد الظلم والاضطهاد ، وهم ينتظرون ذلك الوقت الذي ينأى فيه – مركز قنديل ل ب ك ك – النفس عن القضية السورية الداخلية ، وخصوصيات الشعب الكردي السوري ، وحركته الوطنية ، واحترام شخصيته ، وظروفه ، وعدم تعميق معاناته .
ماذا يعني موقف ” الناي بالنفس ” للأطراف الكردية ؟
في الحقيقة ” النأي بالنفس ” هو اكثر من موقف سياسي ، وليس عملا تكتيكيا بل اقرب الى فعل استراتيجي ، ونوع من الالتزام المبدئي ، قد يكون حلا لازمة الحركة القومية الكردية عموما بهذه الظروف ، وانتقالها من مرحلة الاصطفافات الإقليمية كوقود لاجندات الدول المقسمة للكرد ، والتخندق الكردي الكردي ، الى عامل خير ووئام لصالح الكرد ، والشعوب المتعايشة ، انه نهج التفاعلات الوطنية العقلانية في اطار نضالي ديموقراطي عادل ، وليس الاندماج مع مؤسسات الأنظمة المستبدة القمعية ، انه الابتعاد عن المحاور الإقليمية ، وصراعاتها البينية حول النفوذ ، ومصادر الطاقة ، والنزعات الأيديولوجية ، والوقوف بالوقت ذاته الى جانب السلام ، وحل القضايا بالحوار ، ومع قضايا الشعوب بالحرية ، والانتقال الديموقراطي ، انه لايقتصر على الاطارين الإقليمي ، والدولي ، بل يشمل أيضا عدم التدخل القسري بشؤون البعض الاخر على مستوى الدول والاجزاء الأربعة ( وهذا مايحدث لكرد سوريا منذ عشرة اعوام ) ، ودعم أي انجاز قومي ، ووطني يحققه أي جزء كما في حالة كردستان العراق الفيدرالية.
هل يمكن للقوى السياسية ، والتعبيرات التنظيمية ، والثقافية ، الراهنة الحاكمة منها ، والمعارضة الارتقاء بمقولة ” النأي بالنفس ” من شعار نظري الى ميثاق قومي كردي ونهج مبدئي استراتيجي يلتزم به الجميع ؟ وكيف السبيل الى ذلك كحل لازمة الجميع ، وخطوة ثابتة نحو الامام ؟