مما لا شك فيه أن تغييرات الظروف السياسية وتقلبات الوقائع والأحداث الإقليمية والعالمية تقدم الكثير من الخبرة السياسية وتعطي القدرة على التحكم في توجيه السهام نحو مركز الهدف المراد لكل جهة، ولكن ما يتراءى لنا أن الكورد السوريين ما زالوا يعيشون خارج الواقع، وما زالوا ملتهين بالصراعات الجانبية التي لا تقدم أي فائدة لتغيير ظروفهم أو الدفاع عن مصيرهم ولا العمل على تأخير المتربصين من الأعداء في توجيه الضربة أو الضربات التي تقصم ظهر الكورد وتشلهم عن الحركة.
من المعلوم للجميع أن الظروف التي مرت بها الأزمة السورية والتموجات والتواترات المترنحة يميناً وشمالاً، كانت الضربة الموجعة ليس فقط للكورد بل لجميع السوريين، ولكن الضربة الموجهة للكورد كانت مزدوجة، منذ اللحظة الأولى من الأزمة السورية وحتى الآن.
الكورد قبل الأزمة عاشوا على هامش تاريخ سوريا الأسدي، وشعورهم بالنقص وأنهم مواطنون من الدرجة الثانية، جعلهم يبحثون عن كينونتهم وبصة أمل في العامل الإنساني الذي يجمعهم مع جارهم في الخبز والوطن، هذا الشعور صقل تفكيرهم بالسير خلف حقائق كانت غائبة عنهم، من أن فصيلة الدم الكوردي غير مرغوب بها في مجتمعٍ يترنح على حافة العقلية التعصبية والبعثية الشوفينية، وما أحزن الكورد أكثر هو أن باقي المكونات، وخاصة المكون العربي، لا نقول الجميع ولكن معظمهم، كانوا الأكثر تشدداً وعنصرية من ذاك النظام السوري البعثي، مورست بحقهم أبشع أساليب الترهيب والترويع، وطبقت ضدهم ممارسات عنصرية من الحزام العربي والإحصاء الجائر الذي حرم عشرات الآلاف من الكورد، بل مئات الآلاف، من التمتع بالمواطنة والهوية السورية.
هذا ما دفع الكورد للبحث عن سبب تلك المعاملة، لذلك ظهر الشعور القومي لدى الكورد السوريين، وخاصة ما كان يأتيهم من أخبار عن ثورات كوردية في تركيا والعراق وإيران يطالبون بحقوقهم المشروعة، والأهم ثورات البارزانية ورمزها وأيقونتها الملا مصطفى البارزاني، كان ذلك بداية النضال السياسي للكورد والمطالبة بحقوقهم كـ كورد وكمواطنين سوريين، إسوة بغيرهم من السوريين كاملي الحقوق والواجبات.
ولكن بعد قيام الثورة السورية، وقف الكورد السوريون في مكانهم الطبيعي إلى جانب المعارضة السورية، ولكن المعارضة، وكما النظام، لم تخرج من تلك القوقعة العنصرية تجاه المواطن الكوردي، حتى ظهر في بعض الأحيان، العديد من المعارضين أشد عنصرية وغطرسة من النظام نفسه.