روماف – رأي
تثير تصريحات الرئيس التركي، أردوغان، القديمة ـ الجديدة، بخصوص اعتزامه إيجاد منطقة آمنة لبلاده في عمق الأراضي السورية بحدود 30 كلم، بدعوى الحفاظ على “الأمن القومي” لتركيا، في مواجهة الخطر الذي تمثله الجماعات “الإرهابية” (بحسب تعبيره)، التي يمثلها حزب العمال الكردستاني (التركي) المتهم بسيطرته على قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، السؤال عن إمكان المضي في هذا الاتجاه، أو الإبقاء على مجرّد استهداف “قسد” بواسطة القصف المدفعي أو الجوي، الواسع والعنيف، كما يحدث حاليا.
ومعلوم أن الرئيس التركي، والمسؤولين في حكومته، دأبوا منذ حوالي عامين على التلويح بالقيام بحملة برّية، تضاف إلى حملات الجيش التركي الثلاث في الشمال السوري (“درع الفرات” 2016، و”غصن الزيتون” 2018، و”نبع السلام” 2019، إلا أن ذلك لم يحصل بسبب عدم التوافق مع الطرفين الأساسيين اللذين يتحكّمان بالجغرافية السورية: الولايات المتحدة، المفترض أنها حليفة لتركيا (العضو في حلف الناتو). وروسيا الشريكة لتركيا في ثلاثي تحالف أستانة (مع إيران)، وفي الوقت نفسه، المتصرّف باسم النظام السوري دولياً في ملف التفاوض بين المعارضة السورية والنظام.
اللافت، هذه المرّة، أن تركيا تكرر التصريحات، لكنها هذه المرّة، أيضا، مترافقة مع توجيه ضربات قوية ومدمّرة وواسعة، وحتى أنها تستهدف ليس فقط قواعد عسكرية، وإنما قائمة من قيادات قوات “قسد”، وبعض محطات تكرير النفط والغاز أيضا، ما يعني أنها ماضية في خطة متكاملة، تحيّد من خلالها الكادر القيادي ومصادر تمويله بآن معا، في عملية تحرج من خلالها الولايات المتحدة، وتبدّد “وهم” الجانب الكردي المطمئن لوجوده تحت العباءة الأميركية في هذه المعادلة، وبذلك أيضاً تمارس مزيدا من الضغوط على الطرفين، الروسي والنظام السوري، بانتظار أخذ رضاهما، أو مشاركتهما، أو تحييدهما، على الأقل، إزاء الخطوة التركية.
بعد أن كانت تركيا تطالب بإسقاط النظام، وتدعم المعارضة السياسية والعسكرية في هذا الاتجاه، باتت تطالب بمجيء النظام إلى الشمال السوري
إضافة إلى ما تقدّم، حاصرت تركيا، عبر رسائل متعدّدة، “قسد” من جهة النظام أيضاً، وشجّعته ليحل مكان “قسد” في الشمال السوري، فما يلفت الانتباه في ما يجري حاليا أن معطيات أية خطوة تركية إزاء هذه المنطقة باتت مرتبطةً بتوجّهها نحو استعادة علاقتها مع النظام، أي إن ثمّة معادلة جديدة يجري ترسيمها للصراع (في سورية وعليها)، أحد أطرافها أن تركيا تتقبل إحلال النظام السوري في الشمال السوري، في مناطق السيطرة الكردية، بديلا عن الحملة العسكرية.
يضع هذا الحال الوضع السوري إزاء مقاربة غريبة، فبعد أن كانت تركيا تطالب بإسقاط النظام، وتدعم المعارضة السياسية والعسكرية في هذا الاتجاه، باتت تطالب بمجيء النظام إلى الشمال السوري، أي بات كل همّها إضعاف الطرف الكردي، بدعوى أمنها القومي، بغضّ النظر عن كل أطروحاتها السابقة في دعم مطالب الثورة السورية ضد النظام والحفاظ على مصالح السوريين وأولوياتهم، على الأقل، على النحو المعلن من تركيا منذ بداية الصراع في 2011، ودعمها الفصائل المسلحة، ومنها الإسلامية.
في المقابل، الطرف الآخر المستهدف، أي “قسد” ومن ورائها حزب العمال الكردستاني وقوات حماية الشعب، باتت تطالب، هي أيضا، بمشاركة النظام في الدفاع عن المناطق التي تسيطر عليها، في مواجهة تركيا، في وقت ترفض أن يشاركها النظام عوائد سيطرتها على منابع الثروة الباطنية.
لا يبدو أن الأطراف الدولية ستسير مع تركيا في خطوتها العسكرية في الشمال السوري